الأهرام: 31/12/2008 بلدي.. يابلدي.. أنا نفسي أروح بلدي.. تذكرت هذا المقطع من الأغنية الشعبية القديمة عندما كنت في زيارة أخيرة لبلدتي بالفيوم, وتذوقت رغيف الخبز المدعم أبوشلن الأصلي, والذي اشتريت عشرين منه بجنيه واحد فقط دون أي مشكلة! أسرني الرغيف الفيومي باستدارته وطعمه ونضجه ونظافته ولونه ورائحته, وكان الأهم بالنسبة لي وقد عانيت كثيرا من الرغيف القاهري أن أتحسس أسناني وما تبقي من ضروس, حيث لم تحدث ولله الحمد أي إصابات أو خسائر فيما بين الفكين. وسرحت قليلا وأنا أمضغ علي مهل العيش الحاف السخن, وسألت نفسي: ماذا يحدث لو قررت الإقامة بجوار هذا الرغيف, وهو الأمر الذي من شأنه أن يحل لي مشكلات لا تعد ولا تحصي مع أولادي ومع المدام ومع جيبي, الذي نزف كثيرا في الفترة الأخيرة بسبب الرغيف أبوربع وأبو نص.. وأخيرا أبو لحلوح؟! وقلت: إذا كنت أعيش في القاهرة منذ عشرين عاما ونيف من أجل رغيف العيش, وإذا كان هذا الرغيف قد عز الآن في عاصمة المعز.. فلماذا لا أرجع إلي بلد المحبوب واتهني بعيشتي وارتاح من رغيف أصبح اقتناؤه قطعة من العذاب, وطعمه وشكله هباب* هباب؟ سألت عن سر الرغيف في الفيوم, وكيف حلوا المشكلة بهذه البساطة, وأفادني أحد رجالات التموين المرابطين في مخبز الحي: بالنظام الدقيق!.. الذي اتبع في توزيع الحصص المدعمة علي المخابز, وتفعيل الرقابة حتي لا تتسرب ذرة دقيق واحدة طيلة فترة العمل ساعتين أو ثلاث يوميا, وابتكار نظام لتسليم الخبز معبأ في أكياس وبكوبونات شهرية مقابل5 جنيهات فقط, علي أن يخصص إنتاج كل مخبز لسكان الحي أو الأحياء القريبة منه بصورة البطاقة الشخصية المدون بها السكن علاوة علي الالتزام الكامل من جانب الجميع بالمحافظة علي هذه التجربة الجميلة, وتأكيد انتظامها, وعدم الإخلال بها, والمتابعة الدقيقة لها من كل المستويات, وكل ذلك أسهم في نجاح التجربة منذ بدء تطبيقها في أبريل الماضي. هي تجربة تستحق بالفعل التنويه والتعميم في سائر محافظات مصر, لاسيما القاهرة الكبري, ولعلي أقترح في هذا السياق أن يطلع مسئولو المحليات والتموين في تلك المحافظات شخصيا علي تفاصيل وأبعاد هذه التجربة الفيومية من خلال زيارات ميدانية للمحافظة والمسئولين التموينيين بها.. وبرافو.. فيوم!