الاخبار 26/12/2008 لا أحد يستطيع أن يحصي عدد المرات من كثرتها التي أكد فيها الرئيس السوري بشار الأسد رفضه التفاوض مع إسرائيل إلتزاما من جانبه ب »اللاءات الثلاثة« الشهيرة. وحتي عندما وافق الرئيس بشار منذ فترة قصيرة علي مبادرة من الحكومة التركية علي إجراء مفاوضات لإنهاء العداء بين سوريا وإسرائيل، أصرت دمشق علي تمسكها ب »لا« تفاوض، و»لا« اعتراف بإسرائيل لكنها اقترحت أن تتم المفاوضات بطريق غير مباشر، وتقوم أنقرة بنقل العروض الإسرائيلية إلي دمشق، كما تنقل الشروط والاقتراحات السورية إلي تل أبيب! وفجأة.. وبدون سابق إنذار، أعلن الرئيس بشار الأسد منذ أيام قليلة أن »بلاده تتطلع قدما للانتقال إلي مرحلة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل علي أساس قرارات مجلس الأمن الدولي«! وأضاف الرئيس السوري في مؤتمره الصحفي مع نظيره، وضيفه، الكرواتي ستيبان ميسيتش قائلا:»إنه من الطبيعي أن تنتقل سوريا وإسرائيل في مرحلة لاحقة للتفاوض المباشر لأنه لا يمكن أن يتحقق السلام من خلال المفاوضات غير المباشرة فقط«. وحتي لا يصدمه أحد الصحفيين بسؤال: » إذا كنت توافق اليوم علي المفاوضات المباشرة، فلماذا استمرت دمشق في رفضها لهذه المفاوضات والتنديد بكل من يدعو إليها طوال العقود العديدة الماضية؟!«، سارع بشار الأسد بقطع الطريق علي مثل هذا السؤال الصحفي والمنطقي، فأوضح أن الفارق كبير بين المفاوضات غير المباشرة التي تعقبها المفاوضات المباشرة، وبين أن تبدأ بالمفاوضات المباشرة دون المرور أولا بالمفاوضات غير المباشرة! ولأن الكلام غير مفهوم.. فقد قام الرئيس السوري بتبسيطه حتي يمكن للبسطاء فهمه، قائلا: »إنني أشبٌه هذه العملية بعملية بناء، نبني الأساسات المتينة ومن ثم نبني البناء.. وليس العكس«. هل فهمت شيئا؟ الإجابة ليست مهمة. فالأهم منها أن النظام السوري الذي رفض، وندد، بمبادرة السلام المصرية في السبعينيات هو نفسه النظام الذي يدعو للانتقال إلي المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل أملا في تحقيق السلام بين البلدين مقابل استرداد الجولان المحتلة وهو ما كان متاحا في فندق مينا هاوس، ثم في كامب ديفيد منذ أكثر من ثلاثين عاما! ما كان سهلا، ومتاحا، لسوريا في سبعينيات القرن الماضي، فقد اليوم الكثير من سهولته. وإذا كان رئيس الحكومة الإسرائيلية المستقيل إيهود أولمرت سعيد بما أعلنه الرئيس بشار فهناك العديد من القادة الإسرائيليين الأقوي والأهم من أولمرت الذي أجبر علي تقديم استقالته الذين لا يعجبهم ما أعلنه الرئيس السوري. فهم يصفون كلامه بأنه »مجرد محاولة جديدة للمراوغة المعتادة«، وأن بشار لم يعلن ما أعلنه إلاٌ أملا في مغازلة الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما لعل وعسي ينقذه وبلاده من العزلة، من جهة، ولشطب سوريا من قائمة دول »محور الشر« التي خطها بيده، وحددها بلسانه: الرئيس جورج بوش. والأخطر من ذلك فإن اليميني المتطرف الإسرائيلي بنيامين نتينياهو المرشح الأوفر حظا لتولي الحكم في إسرائيل لم يترك مناسبة إلاٌ انتهزها ليكرر تعهده القديم الجديد باستحالة انسحاب بلاده من هضبة الجولان السورية والمحتلة منذ عام1967 وبالأمس.. علق »نتينياهو« علي ترحيب خصمه »أولمرت« بكلام الأسد، فقال: »نحن لا نعرف ما يوشك أولمرت للالتفاف حوله من خلف الأبواب المغلقة، لكننا نقول له ولغيره إن حكومة برئاسة حزب الليكود ستبقي في هضبة الجولان التي يستحيل استراتيجيا، وأمنيا الانسحاب منها«. وإذا تركنا اليميني، الليكودي، المتطرف نتينياهو فإن منافسته المعتدلة، زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني لا تمل من ترديد اتهامها للنظام السوري بقولها: »يجب ألاٌ نجري مفاوضات مع دمشق ما دامت لم تتنازل عن دعمها للمنظمات الإرهابية، ولم تتخل عن علاقاتها مع إيران«! وحتي الساعي إلي السلام مع سوريا الرئيس الإسرائيلي الحالي:شيمون بيريز فقد صرح لصحيفة إسرائيلية يديعوت أحرونوت قائلا: »إذا كان الأسد يريد السلام عن حق وحقيق فعليه أن يبادر بقطع علاقاته مع إيران وأن يأتي إلي القدس. فلا بديل عن المباحثات المباشرة مع الزعامة الإسرائيلية. عليه أن يكون شجاعا مثلما كان أنور السادات«. والابتزاز الإسرائيلي لا ينتهي. فعندما أيقن الإسرائيليون من أن الرئيس بشار مجبر علي مد يده إليهم ولأسباب ليست مقصورة علي تحرير التراب السوري، فقد تباروا في تجاهلهم ليده الممدودة، وتسابقوا في إعلان شروطهم زيادة في ابتزازه والتشكيك في مبادرته السلمية! وكان الله في عون بشار الأسد.