الجمهورية:15/12/2008 وأنا مالي. أصبحت اللغة السائدة في المجتمع.. لم يعد أحد يبالي. ظاهرة تتفاقم. عواقبها مهينة. فما أسوأ ألا تنتمي لقيمة أو حق أو عدل. وما ألعن ألا تشارك في الدفاع عن الآخرين المظلومين. متصوراً انك تنجو بنفسك ومن بعدك الطوفان. لم يعد يجري في عروقنا دم. أو نعرف النخوة والشهامة.. سؤال: هل تستفتي قناة تليفزيونية مصرية أو فضائية عربية. تابعة أو متحررة. مشاهديها ماذا هم فاعلون لو واجهوا حالة تحرش في الطريق العام أو اهانة لفتاة لا حول لها أو حتي سرقة بالاكراه في ميكروباص؟. وماذا تكون الاجابة علي السؤال؟ الأفضل أن تظهر الكاميرا وجه سيدة مذعورة تستنجد والجميع من حولها يبتعدون ويكاد كل منهم يفر بنفسه. خوفاً من أذي يصيبه. فالمطاوي جاهزة. والوقاحة متوفرة. والعيال وحتي الكبار ينتقلون من حالة تلقيح الكلام إلي الامساك بالأيدي والمطاردة الخشنة. ليس الخوف وانما منتهي الأنانية وانعدام الاحساس بحقوق الإنسان. غابت الرحمة والنخوة والشهامة. برنامج في إحدي محطات التليفزيون الأمريكية "ABC" قدم شخصاً يقوم بدور عامل في فرن رفض أن يخدم فتاة تقوم بدور من جاءت تشتري خبزاً لأنها مسلمة ترتدي الحجاب.. وراقبت الكاميرا ردود فعل الآخرين. فكان ثلاثة عشر شخصاً يساندون الفتاة محتجين بالصراخ منادين علي مسئول أكبر في الفرن أو منسحبين رافضين الشراء بغضب واحتجاج.. ستة وافقوا وشجعوا علي ما حدث.. واثنان وعشرون أشاحوا بوجوههم وكأن شيئاً لم يقع! لو أن مثل ذلك المشهد وقع بصورة مختلفة في بلادنا. ماذا يكون رد الفعل؟.. مخزياً!! تروي "مني الطحاوي". الكاتبة المصرية الشابة المقيمة في نيويورك قصتها وهي في زيارة للقاهرة تركب مترو الأنفاق في الطريق إلي منزلها غارقة في الاستماع للموسيقي من جهاز حديث تحمله ينقل ما تفضله من ألحان عبر سماعات تضعها في أذنيها. رأت شابة مصرية تضحك وهي تمسك بأنف راكبة سودانية بطريقة استفزازية مهينة.. لم تملك نفسها فخلعت سماعات الموسيقي والتفتت إلي المصرية المعتدية في سخرية تسألها باستغراب: لماذا؟.. جاءها الجواب بصراخ واستنكار: "وانتي مالك؟".. أجابتها: طبعاً مالي. كمصرية ومسلمة. فقد كانت السيدة المستفزة ترتدي الحجاب.. ردت أمها التي كانت تصحبها بسؤال: "لماذا لاتلبسين حجاباً؟".. أجابتها متحدية: "لأنني لا أريد أن أبدو منافقة مثلك ومثل ابنتك". استمر الجدل حتي جاءت محطة نزول الفتاة المعتدية. كل هذا ولا أحد من الركاب يتدخل. أو حتي يبدي أي اهتمام.. سألت راكبة: لماذا؟.. قالت: خفت منها لأن صوتها عال. وقالت الفتاة السودانية انها ليست أول مرة تهان في القاهرة بسبب لونها فواضح انها شديدة السواد من الجنوب. هل نحن عنصريون. وغير مبالين. بينما ندعي اننا متسامحون وأصحاب نجدة.. هذا مع اننا نذكر الله أكثر ونطيل اللحي ونرتدي الحجاب؟!.