تعتبر الجريمة مادة دسمة تعتمد عليها الصحافة العالمية لأنها تحقق أرباحا تفوق ارباح تغطية الأخبار السياسية البحتة.. يرجع تاريخ صحافة الحوادث في الجرائد العالمية إلي عام 1931 في نيويورك عندما قرر أحد الصحفيين في جريدة "ايفنينج بوست" نشر جريمة ارتبطت بإحدي الأسر المعروفة.. وبمجرد نشر تفاصيل الخبر حتي تدافعت الصحف في اليوم التالي لتغطية الجريمة بشكل أكثر تفصيلا واضطرت صحف أخري للبحث عن جرائم أخري حتي لا تخسر المنافسة. من هنا أدرك القائمون علي الصحف ان الناس مولعة بأخبار الجرائم ومستعدة لدفع المال لشراء صحيفة لانها غطت جريمة حتي لو كانت الجريمة تافهة ومن النوع الذي يتكرر يوميا وكانت النتيجة ان اصبحت أخبار الحوادث جزءا أساسيا من الصفحات الأولي في نيويورك الأمر الذي انتقل لصحف العالم واصبحت هناك اصدارات متخصصة في هذا المجال. لكن بين التغطية الصحفية.. من منطلق حرية التعبير.. والحفاظ علي القيم الأخلاقية في إطار شرف المهنة خيط رفيع إذا تجاوزه الصحفي تحول كل من المتهم والمجني عليه لضحايا متهم جديد كل همة البحث عن خبطة صحفية أو فضيحة تصنع له مجدا وتحقق ارباحا لجريدته علي حساب الأبرياء. قد يكون للتغطية الاعلامية بالجرائم في الصحف اكثر من جانب فهي من ناحية تساهم في زيادة وعي الناس بالحوادث المتوقعة وتجبرهم علي اتخاذ إجراءات الحيطة والحذر ومن ناحية أخري تجعلهم يشعرون بخيبة أمل من الأمان الواهم الذين كانوا فيه. هذه الأوجه المتعددة تجعل قرار تغطية أخبار الحوادث صعبا فالصحفي يقع بين فكين اولهما ارضاء القراء واطلاعهم علي كل ما هو حديد والآخر ان الاثارة الصحفية التي تفرضها متطلبات الخبر تثير لدي الناس اعتقادا خاطئا بأن بلادهم مليئة بالجرائم. كفل الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والدساتير في معظم دول العالم حقوق الإنسان بصفة عامة وحقه في حرمة حياته الخاصة.. ويعد الحق في السمعة أحد أهم صور الحياة الخاصة بالذات عندما يكون هذا الإنسان طفلا أو امرأة.. وإذا كانت حرية الرأي ممثلة في حرية الصحافة تضمن الحق في النقد فإن ممارسة هذا الحق قد يصدم بالحق في حرية الحياة الخاصة للأفراد.. يعد نشر صور وأسماء الاشخاص سواء كانوا متهمين أثناء مرحلة التحقيقات أو المحاكمة انتهاكا صارخا لحياتهم الخاصة وانتهاكا للحق في السمعة وتتفاقم المشكلة إذا كان هؤلاء الضحايا من الأطفال والنساء. وتكون المشكلة متفاقمة عندما يكون الطفل أو السيدة ضحية جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي وما شابه ذلك.. فالصحف البريطانية مثلا تفرض علي محوري قسم الحوادث عدم نشر صور وأسماء الضحايا أو الاكتفاء بنشر الأحرف الأولي من اسمائهم اللهم إلا إذا وافقوا علي النشر بأنفسهم لان ذلك يؤدي إلي تدمير الضحايا أسريا واجتماعيا ويصبح من الصعب إعادة استيعابهم واندماجهم في المجتمع وينظر لهم علي أنهم منبوذون رغم انهم ضحايا بكل ما تحمله الكلمة من معان.. وتشير لجنة حرية الصحافة العالمية ومقرها ولاية فيرجينيا الأمريكية إلي ان الصحافة ليست مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو لتداول سيرة المواطنين سواء من صلح منهم أو من فسد وتؤكد اللجنة ان الصحافة حرة لكنها مسئولة في نفس الوقت فالتسليم بحرية الصحافة بناء علي حرية الرأي والتعبير لا يعني حصانة الصحفيين في مواجهة القانون إذا أخلوا بشرف المهنة واقتحموا الحياة الخاصة للأفراد أو الصقوا التهم جزافا للأبرياء. عادة ما يقع المسئولون أو الشخصيات العامة فريسة سهلة للخبطات الصحفية المدوية خاصة إذا كان الأمر يتعلق بجريمة ارتكبها احد المشاهير أو بحادث تعرض له.. تقوم سياسة الصحف الأمريكية في التعامل مع مثل هذه القضايا علي مجرد الاشارة علي الحادث علي احدي الصفحات دون الادلاء بتفاصيل وتشير بكل وضوح وصراحة إلي انه تم حجب اسماء المتهمين والضحايا لحين استكمال التحقيقات حتي لا تضر بالأمن العام أو الخاص. الأمر يختلف في فنزويلا فليس هناك ما يمنع الصحفي من نشر أخبار تخص المسئولين سواء كانت أخبارا شخصية أو انتقادا لمهام عملهم وذلك باعتبار أن فنزويلا بلد ديمقراطي يراعي اصول حرية التعبير لكن إذا وصل الأمر إلي حد التشهير أو التجريح يكون مصير الصحفي الحبس لاربع سنوات كحد اقصي وفقا للتعديل الذي ادخل علي قانون الجنايات الفنزويلي عام 2005 والذي رفع مدة السجن من ثلاثين شهرا إلي أربع سنوات وهو ما وصفته مؤسسة "فريدوم هاوس" الأمريكية المستقلة بالاهانة وتقييدا لحرية الصحافة وحرية التعبير.