الأهرام: 8/12/2008 معرفة التاريخ تتأثر بثقافات الشعوب والأمم, وفي أوروبا يقاس التاريخ بأشكال التقدم الحضاري بين العصور القديمة والوسطي والحديثة, وكثيرا ما يتم التعرف عليه بفترات الحروب كحرب البلوبينيز, وحرب المائة عام, والحروب العالمية الأولي والثانية, وهكذا يقال كيف اختلف الأمر من قبل ومن بعد. وفي الولاياتالمتحدة, وربما بسبب حداثتها التاريخية أو عقيدتها الليبرالية الفردية, فإن التاريخ يعرف بالأفراد من رؤساء أو علماء, ولايزيد القياس علي اللحظة حتي يقال لحظة لينكولن أو روزفلت أو كنيدي, وكل منها له سماته وتفاصيله الفارقة بين زمن وزمن آخر, ودنيا ودنيا أخري اختلفت وتميزت وباتت لحظة فارقة. وإذا كان قد قيل إن150 عاما من الإمبراطورية البريطانية لاتزيد عن كونها غمضة عين وانتباهها,فإن كل رئيس سواء استمر فترة واحدة أربع سنوات أو فترتين ثماني سنوات فإن وجوده في التاريخ لن يزيد أبدا عن لحظة لا تزيد ولا تنقص وعليه من خلال عمله أن يقرر ماهو النصيب من التاريخ الذي سوف يحصل عليه. إنها الآن لحظة أوباماTheObamaMoment وهي كما كل اللحظات تبدأ فارقة من كونها تأتي عند مفترق الطرق, حيث يزيد دور الفرد ومعرفته وتوجهاته وقراراته عن الأوقات العادية إذا كان ممكنا وجودالاعتياد في التاريخ. واللحظة فارقة علي المستوي العالمي حيث يحدث مالم يحدث في التاريخ من قبل, حيث تتواضع قدرات وقوة الدولة العظمي في واشنطن مثل طيبة وأثينا والأسكندرية وروما في العصور القديمة, ودمشق وبغداد والقاهرة واسطنبول في العصور الوسطي, ولندن وباريس وموسكو في العصر الحديث ثم لاتجد بعد ذلك من لايستطيع أو يريد أن يحل محلها أو يتقدم لمنافستها علي الأقل للمساهمة في اضمحلالها وتراجعها. فلا يوجد شك أن الامبراطورية الأمريكية الوحيدة والتي ورثت كل ما تركته الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية ومن بعدهما الإمبراطورية السوفيتية ثم بسطت أجنحتها ونفوذها وقواتها وعملتها علي العالم كله, هذه الإمبراطورية تعرضت لإخفاق عسكري واقتصادي هائل خلال السنوات القليلة الماضية. ومع ذلك فإنه رغم الحديث الكثير من قبل روسيا والصين وغيرهما عن عالم متعدد الأقطاب, فإنه لايوجد من يريد استخدام اللحظة لتحقيق ذلك, بل علي العكس فإن الولايات المتحدة لم تعرف مؤخرا هذا القدر من التأييد من قبل القوي الأخري الذي عرفته هذه الأيام. ولم يعرف عن أوروبا وأقطابها من الفرنسيين والألمان مثل هذا القدر من السير وراء واشنطن في سياساتها سواء فيما تعلق بالأوضاع الأمنية والاستراتيجية أو بمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية. وبرغم قدراتهما النووية والعسكرية فإن باكستان والهند لم يجدا وسط الأزمة الإرهابية الأخيرة في مومباي إلا الولاياتالمتحدة لإنقاذهما من المحنة والحرب ووضعهم في النهاية معا في الصف العالمي المواجه للإرهاب. وبالتأكيد فإنه كان لدي الصين أوراق كثيرة ليس أقلها1,8 تريليون دولار من الاحتياطي المالي تمثل في الحقيقة تمويلا للعجز الأمريكي لكي تؤثر سلبيا في القدرة الاقتصادية الأمريكية, ولكن بكين لم تفعل لأنها تعلم أن نموها مرتبط باستعادة الاقتصاد الأمريكي لقدراته. وهكذا بات لدينا لحظة عالمية غير مسبوقة في التاريخ وهي أن القوي الطامحة للهيمنة العالمية تتخلي طواعية عن طموحها, ليس لحكمة أو خوفا من التكلفة, وإنما لأن العالم قد تغير, وبات فيه التعاون والاعتماد المتبادل يخلق منظومة واسعة من القوي الدولية لا تجد صحتها إلا في قوة صحة الجميع, ولا تجد رابطا بينها إلا من خلال السوق الأمريكية هائلة الاتساع, ولاتعرف حماية لخطوط الطاقة, والحرب ضد الإرهاب الذي لايفرق بين عاصمة وأخري إلا من خلال القوة العسكرية الأمريكية. لحظة أوباما هنا حاملة فرصة كبيرة لعالم لا يقوم عليالقطب الواحد أو عليتعدد الأقطاب وإنما علي منظومة للقوة الاقتصادية والعسكرية أو ماعرف في القرن التاسع عشر في أوروبا باسمConcertofPowers, ولكن الأمر هذه المرة علي مستوي العالم ويضم بالإضافة إلي مجموعة الدول الثماني المعروفة كلا من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والمكسيك وهي دول صاعدة وناهضة وتربطها خيوط السوق وأسواق المال والشركات الكبري والأمن العالمي بالولاياتالمتحدةالأمريكية. ولكن لحظة أوباما علي المستوي العالمي ينافسها من حيث الاهتمام والأهمية الواقع الداخلي في أمريكا ذاتها حيث تكون اللحظة درامية كما كانت لحظة إبراهام لينكولن مع ضرورة الحفاظ علي الاتحاد الأمريكي حتي لو احتاج الأمر حربا أهلية, ولحظة فرانكلين روزفلت ساعة الكساد الكبير ومقابلة التحدي الفاشي. إنها لحظة تنظيف الولاياتالمتحدة من ذنوب عظمي جري ارتكابها هذه المرة ليس فقط علي مستوي العالم عندما خاضت حروبا فاشلة وغير عادلة, وإنما أيضا علي المستوي الداخلي عندما ارتكبت كل المخالفات الممكنة للنظام الرأسمالي عندما انفصل الاقتصاد المالي عن الاقتصاد العيني, وعندما تحولت أسواق العرض والطلب إلي أشكال من المضاربة والمقامرة, وعندما تباعدت المسافة بين الإدارة والملكية إلي درجة الاقتراب من فساد النظم الاشتراكية حيث تتحول البيروقراطية إلي مالك حقيقي لرأس المال, وعندما فتح باب الاقتراض علي مصراعيه بلا ضمانات تذكر وهو مالا يوجد في كتاب رأسمالي واحد, وعندما ترك الشعب الأمريكي ينفق800 مليار دولار فوق إجمالي دخله في عام في تحد واضح للقيم الرأسمالية, وفوق ذلك كله عندما لم تقم الدولة بواجبها من خلال مؤسساتها المستقلة في الر قابة والمتابعة ودق أجراس الإنذار وتقييد الجشع والطمع والشراهة في الاستهلاك. هذا التحدي الداخلي في لحظة أوباما لها ثلاثة وجوه: الأول أن ماجري لم يأت فقط من خلال سياسات خاطئة لإدارة جورج بوش, ولكنه جري أيضا بسبب توجهات ومصالح تكونت داخل الشعب الأمريكي, وهذه لن تقف ساكتة ساعة الإصلاح والتغيير. والثاني أن أيا من إجراءات الإصلاح والتغيير سوف تعني مستويات معيشة أقل للشعب الأمريكي, ومعدلات أعلي من البطالة, مع كل ما يصاحب ذلك من آلام نفسية لشعب عاش علي مستويات عالية من المعيشة خلال العقدين الأخيرين وتخيل أن الأيام الطيبة سوف تبقي علي طيبتها إلي الأبد. والثالث أن الرئيس الأمريكي في النهاية هو شخصية سياسية, والساسة لديهم تفضيل دائم لزف الأخبار الطيبة, ولايوجد المثير من العائد السياسي عندما تكون توجيهات القائد في اتجاهات صعبة ومؤلمة, ولايبدو ذلك ممكنا إلا في اللحظات القومية الكبري أو الحروب العظمي, ومن ناحية الأمريكي العادي فإن أيا من ذلك ليس متوافرا الآن وسوف يجد صعوبة كيف يمكن أن تكون الحالة جيدة في السنوات التالية علي أحداث الحادي عشر من سبتمبر بينما سوف تكون تعيسة ولم يحدث حادث إرهابي واحد في الولاياتالمتحدة منذ ذلك التاريخ؟ هنا يظهر العامل الشخصي في الموضوع كله, حيث يكون الفرد ذاته عنصرا مهما عند التحولات الكبري والعظمي في التاريخ. ولو أن عالما نفسيا كبيرا تتطلع إلي قصة حياة أوباما ودرس أبعادها وجذورها المختلفة بين هاواي وكينيا وإندونيسيا ثم شيكاغو فربما تنبأ لصاحبنا أن يكون سفاحا أو مجرما من نوع أو آخر نتيجة نقص العاطفة من الأب, أو التقلب بين ثقافات متعددة تفسد الرؤية وتلوث صفاء الروح, أو علي العكس أن يكون صاحبنا نبيا ومبشرا ووليا من أولياء الله الصالحين الذين خبروا الدنيا وتعرفوا علي حضاراتها وثقافتها المتعددة وتعلموا حكمة الله في الجوهر الواحد للإنسانية. ومن تاريخ الرجل نعرف أنه قد تجنب المصير الأول بمعجزة إلهية أو بحكمة وعاطفة بشر وإلا ما وصل به الطريق إلي جامعة هارفارد بل وأكثر من ذلك إلي البيت الأبيض, ولكن المصير الثاني وقع في خيالات الناس ليس فقط في الولاياتالمتحدة وإنما خارجها حتي وصل إلي الصين وكل القارة الأوروبية تقريبا. وهو مصير فيه من المثالية ما تستحيل معه السياسة, وفيه من التوقعات الكبري ما تعجز عنه الأبنية المؤسسية للعالم والولاياتالمتحدةالأمريكية. ولكن ذلك في النهاية هو جوهر لحظة أوباماليس في العصر أو في العالم أو في الولاياتالمتحدة, وإنما داخله كفرد وإنسان عليه في الواقع العملي أن يواجه حقائق ولحظات صعبة لاتنفع معها الكاريزما أو الوصفات السحرية خاصة وهو واقف كالتلميذ الذي عليه أن يعبر امتحانا مستحيلا لأول رئيس من أصول إفريقية في التاريخ الأمريكي. لحظة أوباما صعبة وفق كل المقاييس, والسؤال الأول المطروح عليها هو إلي متي من شهور أو أيام سوف يستمر سحر الشخصية وتعود الدنيا إلي واقعيتها الأولي؟ والسؤال الثاني متي سوف يتم اختبار أوباما وكيف, فمن المؤكد أن كل الخصوم وحتي الأصدقاء في الداخل والخارج سوف يبدأون في اختباره, فمن أيده يريد ثمنا, ومن يحالفه سوف يكون له ثمن آخر, وفي كل خطوة لبناء العالم أو أمريكا هناك ثمنا مطلوب؟ والسؤال الثالث هو إلي متي سوف تستمر تحالفات أوباما, فقد نجح حتي الآن في خلق تحالف ديمقراطي واسع ضم بايدن وكلينتون وريتشارد دسون, أي ثلاثة من المنافسين علي الرئاسة, حتي تحالف مع الجمهوريين حينما ضم جيتس في الدفاع, وهو تحالف صعب لشخصيات قوية ومتنافسة وعينها علي البيت الأبيض بعد أربع سنوات أو ثمان! الأسئلة سوف يجيب عليها أوباما وحده فهي لحظته وليس أحد غيره!! التضحية بمفهومها الصحيح! كل عيد ونحن جميعا بخير.. نضحي ليس فقط بذبح الأضاحي لأجل الفقراء والمساكين والأقارب والجيران صباح العيد فقط, وإنما أيضا طوال العام بطرق عديدة وأشكال مختلفة ولأغراض مشروعة متنوعة. نضحي بالوقت والمال لمساعدة العاجز وإعانة كبار السن ولو علي عبور الشارع بأمان, ناهيك عن احتياجاتهم الأساسية كشراء الخبز وصرف المعاش وإيجاد مقعد في وسائل النقل العام وإدخال البهجة علي المكروبين وإحياء الأمل في الشفاء لدي المريض وكف الأذي عن الجار سواء كان ضوضاء صادرة عن التليفزيون أو الراديو أو كان قمامة يلقيها البعض أمام بابه علي سلم البيت.. وقبل كل هؤلاء صلة الرحم ولو بزيارة قصيرة للأقارب, الفقير منهم قبل الثري وذو الجاه والمنصب قبل من لا جاه ولا سلطان له, كما يأمرنا ديننا الحنيف ومساعدة من يحتاج المساعدة منهم مع غيرهم من غير الأقارب سواء بقضاء مصلحة مشروعة لهم أو تذليل عقبة أمامهم والأخذ بيد الضعيف منهم. نضحي طوال العام وليس في عيد النحر فقط بمساعدة الفقير والمحتاج علي إيجاد فرصة عمل شريف بإقامة مصنع أو مشروع تجاري أو زراعي أو تقديم مبلغ مالي بسيط للتجارة به لكسب الرزق الحلال ولو علي سبيل السلفة واجبة التسديد عند المقدرة. نضحي بالوقت والجهد لتخليص مصالح الناس وإنهاء طلباتهم في المصالح الحكومية بلا معوقات أو تلكيك أو تسويف أو إجبارهم علي دفع إكراميات هي في الواقع رشاوي محرمة.. نضحي بالجهد والوقت ونذهب الي صندوق القمامة لإلقاء الفضلات فيه ولا نتسرع بإلقائها في الشارع ليتكاثر عليها الذباب وتصبح مرتعا للميكروبات والجراثيم المسببة للأمراض.. نرأف بالمرضي في المستشفيات الحكومية ولا نزيدهم رهقا بإجبارهم علي دفع الإكراميات لينالوا حقوقهم من العلاج والخدمة صور ونتذكر أنه قد يأتي يوم نجد أنفسنا في مكانهم. صور التضحية لا حصر لها.. و الدين المعاملة بنص الحديث الشريف, وليس فقط مجرد ذبح شاه يؤكل لحمها ويهضم في ساعات!