ثلاثة متاحف بيئية أدخلت التونسي محسن لهيذب كتاب جينيس للأرقام القياسية. وعلى رغم أن هواية لهيذب تبدو غريبة لكثيرين إذ أنه يجمع كل ما يلفظه البحر من قوارير بلورية وبلاستيكية وعجلات مطاطية وغيرها من الفضلات البحرية، إلا أنه تمكن من إنجاز ثلاثة متاحف بيئية بتلك الملفوظات التي حولها أعمالاً فنية عامة. ويعتبر لهيذب أن هوايته نوع من التواصل مع شعوب الضفة الأخرى من المتوسط، ويقول: «ما أفعله لا يعتبر عملاً أو هواية فهو حركة تلقائية متواصلة في صلب نشاطي اليومي، والأشياء التي تأتي إلينا من الضفة الأخرى للمتوسط تمثل بالنسبة إليّ هدايا حقيقيّة ومصافحة صادقة ومباشرة من الشعوب المقابلة». وحول القوارير البلاستيكية والعجلات المطاطيّة التي تُلقى ويتولى هو جمعها وتزيينها يوضح لهيذب أنها مؤشر صريح على انهيار حضارة الاستهلاك، لذلك يحرص على تجسيدها في لوحات ترمز إلى حضارة أكثر جمالية. ويستغل الشاب التونسي أوقات فراغه في هوايته خصوصاً يومي السبت والأحد، إذ يجد نفسه في علاقة عضوية مع البحر. ولعل المصادفة هي التي أفرزت التطابق بين مهنة لهيذب الأصلية (متفقد بريد) وهي مهنة تتطلب جمع الرسائل وفرزها ومن ثم توزيعها، وهذا ما يفعله تماماً مع البحر، حيث يجمع القوارير ويصنفها لإعادة توزيعها بحس فني وجمالي. وقد دخل لهيذب كتاب جينيس بعد تمكنه من توظيف أكثر من 100 ألف قطعة ممّا يلفظه البحر يوميّاً في معرض بيئي، وأنجز فيلماً وثائقياً عنوانه «قوارير الحكمة» نال عدداً من الجوائز، من مهرجان قرطاج السينمائي والمنظمة العالمية للتغذية والزراعة. وتلقى لهيذب 46 رسالة بحرية وأرسل 86 واحدة، ولعل أكثر ما يشغله هو وصول أفكاره واستنتاجاته إلى الآخر ويتبناها لتصبح نظرته للبيئة بمسؤولية أكبر واهتمام جمالي، على حد قوله. كما يسعى إلى تمرير تجربته إلى الأجيال المقبلة، ويعتبر أن سعادته تبقى محدودة في ظل حرصه الشديد على مواصلة انتهاج هذا السلوك البيئي السليم الذي يمثّل المقاربة الثقافية والحضارية الرائدة للمجتمع العربي والإسلامي، خصوصاً أن رسالته عالمية وليست محلية. والى جانب المتاحف البيئية والمراسلات البحرية أرسل مشروع «نينجا البحر» الذي قدم إضافة نوعية الى جهوده حيث انضمّت إليه مجموعة من الشبان آمنوا بهذه الأفكار والسلوكات وانطلقوا بكل تلقائية في تنظيف الشواطئ ونجدة السلاحف والطيور المجروحة وغرس الأشجار وتقليم النخيل. لكن المجموعة لم تواصل ما بدأته لقلة الدعم والمتابعة. وقد صمّم لهيذب أكثر من موقع على الشبكة العنكبوتية للتعريف بنشاطاته.