السفير :25/11/2008 يعتقد الإسرائيليون والأميركيون وقادة دول الاعتدال العربي أن حصار الشعب الفلسطيني في غزة عملية تأديب واسعة ومدرسة في سياسة اللاعنف. الأرجح أنهم يتوقعون أن يتعلم الأطفال الجياع والعطشى المحرومون من الدواء والكهرباء والمدارس ومن الألعاب وبرامج الترفيه على الفضائيات أن يتعلم هؤلاء كيف يحاورون اليهود ويحبونهم وأن يتثقفوا في الجدال الحسن فقهياً ولاهوتياً وأن يطبّقوا آية السيد المسيح "أحبوا أعداءكم". الأرجح أن نوايا هذا الحلف طيبة وصادقة ولها مسوغات فكرية فالاستعمار القديم كانت له تجارب واسعة على هذا الصعيد. وأنصار اللاعنف في العالم يعتقدون أن الضحية تستفز الجلاد الأرجح أن الملوك العرب يشاركون في هذه النظرة الثقافية ولديهم اقتناع أن السلطان الغشوم هو دائماً أفضل من فتنة تدوم، وأن على الشعوب أن تطيع أولياء الأمر منها مهما كانوا لأن سنة الحياة أن ينتصر الأقوى. لكن مع احترامنا الشديد لوجهة النظر هذه فإن الدراسة العلمية التي صدرت عام 2004 عن الصحة النفسية والاجتماعية لأطفال فلسطين قد ذهبت في اتجاه آخر. إن نسبة الأطفال الفلسطينيين من عمر (5 إلى 17 سنة) الذين يعانون من آثار نفسية سلبية تصل إلى عشرة في المئة.وأن العصبية الزائدة والصراخ المستمر تصل إلى 11 في المئة. وأن الخوف من الوحدة ومن الظلام بلغت 10,8 في المئة. أما المزاج السيئ فبلغ نسبة 8,4 في المئة يليها الشعور باليأس والإحباط 7,1 في المئة والكوابيس 6,3 في المئة. كما أشارت الدراسة الخاصة بالفقر إلى أن 42,1 في المئة عاشوا تحت خط الفقر عام (2003 2004) وقالت وزارة شؤون الأسرى أن 310 أطفال رهن الاعتقال من بينهم 8 أسيرات، وأن 450 أسيراً كانوا أطفالاً يوم اعتقالهم وأن 64 في المئة منهم لم يتلقوا محاكمة حتى الآن. أطفال فلسطين صنعوا منذ عام 1987 انتفاضة الحجارة فواجههم الاحتلال بالرصاص المطاطي بداية ثم صار يصيدهم وهم في ملاعب الطفولة أو ساعات اللهو، في المدارس وعلى الشاطئ. عشرون سنة لم تهز براءة الطفولة ضمير العالم لم ينجح محمد الدرّة وهو المصلوب الجديد بين ذراعي والده أن ينبّه العالم إلى خطورة عنف الاحتلال. الطفولة التي لم يعترف بحقوقها الاحتلال صارت رجولة من نوع آخر. إنه العنف الذي يلغي المسافة بين الحياة المذلة والموت. يقف العالم مستنكراً مفاعيل »صاروخ القسّام«. لا نظن أن معهداً عسكرياً في العالم يذكر هذا الصاروخ في قائمة الأسلحة، ومع ذلك لا يوقف العالم مصيدة طائرة "الأف 16". ليس في العالم الآن من يسمع ويرى هذه المأساة ومفاعيلها في إنتاج العنف كوسيلة وحيدة لإثبات الوجود. شمعون بيريز يتحضّر مع أقرانه العرب لجائزة نوبل في السلام بعد مؤتمر نيويورك لثقافة السلام وحوار الأديان. لكن ثقوا أن هذه السياسات تصنع قنابل ذرية بشرية توسع انتشار أسلحة "الإرهاب" إنهم يدفعون غزة وأطفال غزة والمتعاطفين مع آلام غزة والعراق وجنوب لبنان والسودان وكل هذه الشعوب المدفوعة إلى اليأس من العدالة الدولية نحو المقاومة، لا ندري أي نوع من المقاومة.