الأهرام: 13/10/2008 في الوقت الذي تتجه فيه الإدارة الأمريكية اليمينية المتشددة والكثير من الدول الأوروبية وعلي رأسها بريطانيا إلي التدخل الواسع النطاق في الاقتصاد لحفظ التوازن الاقتصادي ولضمان رفع مستوي التشغيل, من خلال التأميم الاختياري الكلي أو الجزئي للعديد من المؤسسات المالية والشركات الخاصة المعرضة للانهيار تحت وطأة الازمة المالية الراهنة, وذلك ضمن خطط الانقاذ لمواجهة الازمة, فيما يمكن تسميته بالعمعمة, أي بيع جزء من القطاع الخاص للقطاع العام.. في هذا التوقيت من التحول الأمريكي والعالمي استجابة لضرورات الحفاظ علي التوازن الاقتصادي الكلي ومنع الانهيار الاقتصادي, تتخذ الإدارة الاقتصادية المصرية بالاستكمال السريع لخصخصة القطاع العام والحقيقة ان دور أي حكومة هو ضمان إدارة الجهاز الانتاجي العام الذي بنته اجيال وحكومات سابقة, بصورة عالية الكفاءة ونزيهة بما يمكنه من تحقيق ارباح يتم توظيفها لبناء استثمارات جديدة لتشغيل المزيد من المواطنين العاطلين, وتمكينهم من كسب عيشهم بكرامة في وظائف مستمرة وتدر عليهم دخلا مستمرا, بدلا من حالة البطالة الموجودة في مصر والتي من المحتمل ان تتزايد مع عودة بعض العاملين في الخارج نتيجة تراجع النمو والوظائف في البلدان التي يعملون بها, وهذا يجعل الحكومة تترك هذه الأصول بعد تجديدها واضافة المزيد عليها, من أجل الاجيال المقبلة. والطريف ان الحكومة اعلنت خطتها الجديدة لخصخصة القطاع العام تحت دعوي توسيع قاعدة الملكية, وهو أمر غريب حقا لان قاعدة ملكية القطاع العام في صورته الراهنة هي الاوسع علي الاطلاق لانه ببساطة مملوك للشعب كله, وهذه الطريقة في الخصخصة مأخوذة من بعض دول شرق أوروبا التي قام المواطنون الفقراء أو متوسطو الدخل فيها والذين لا يملكون خبرات استثمارية في البورصة ببيع الصكوك التي آلت إليهم, واشتراها من لديهم تراكمات مالية سابقة وكانوا بالاساس من القادمين من عالم الاقتصاد الاسود أو المافيا. وفي مصر سيقوم الفقراء فقرا مدقعا ومحدودو الدخل وهم غالبية كبيرة ببيع مايؤول إليهم مقابل مبالغ زهيدة تسرب انها ستكون ربعمائة جنيه مرة واحدة لكل مواطن فوق21 سنة, وستؤول الملكية إلي القطاع الخاص الكبير.. وبعد ذلك سيتم تحميل المواطنين مسئولية بيع القطاع العام وليس الحكومة. وإذا كانت الحكومة معنية حقا بتحقيق وعد الرئيس بالعدالة, فليست الطريقة هي اعطاءهم صكوكا في شركات القطاع العام تجعلهم مجرد محلل أو وسيط ناقل للملكية إلي الرأسمالية الكبيرة.. اذا كانت الحكومة معنية بالعدالة, فيمكنها ان تعطي المواطنين حصصا سنوية من ريع الموارد الطبيعية من النفط والغاز من ريع مشروع بالغ القدم هو قناة السويس, لان الحكومات الكفء تعتمد علي تطوير وتوسيع النشاط الاقتصادي الصناعي والزراعي والخدمي من خلال ايرادات الضرائب علي الارباح وعلي التجارة الداخلية والخارجية وعلي الفائض المحول من القطاع العام والهيئات الاقتصادية لتمويل الانفاق العام ومثل هذه الحكومات لاتحتاج للاعتماد في تمويل انفاقها الجاري والاستثماري, علي ريع موارد طبيعية قد تكون غير موجودة اصلا في الكثير من البلدان, وهي في كل الاحوال مملوكة للمواطنين بالتساوي. والطريف ايضا ان اعطاء صكوك للمواطنين فوق21 سنة, يعني تمييزا عمريا لامبرر له, ويسقط عن المواطنين دون هذه السن, حقوقهم في الاصول العامة لبلدهم. واذا كانت هناك مشكلة في كفاءة أو نزاهة قيادات القطاع العام الحالية, فالمشكلة في الحكومة التي وضعتهم في مواقعهم, والمشكلة ايضا في آليات الرقابة عليهم التي تحتاج للتطوير من خلال جهاز رقابي مستقل تماما يقدم قضاياه للقضاء وللرأي العام مباشرة ولا تقيده اعتبارات الملاءمة السياسية التي كثيرا ما قيدت عمل الأجهزة الرقابية. وإذا كانت المشروعات التي سيتم خصخصة70% منها ستقع سريعا في ايدي مستثمرين استراتيجيين, بكل الخبرة السلبية للمشروعات التي يملكها مثل هؤلاء المستثمرين والذين يسحقون حقوق صغار المستثمرين فيها أوما نسميهم مستثمري الاقلية, فإن بقاء نسبة اغلبية من بعض شركات القطاع العام في ايدي الدولة, هي مسألة مؤقتة سيتم الانقلاب عليها مستقبلا من أجل بيعها هي الأخري, مثلما قيل في بداية برنامج الخصخصة ان البيع سيكون للشركات الخاسرة فقط, ثم بيعت أكثر الشركات الرابحة أو زبدة القطاع العام وبمناسبة سلوك المستثمر الاستراتيجي ازاء مستثمري الاقلية, فانه من المهم تذكير الجميع بما فعلته شركة بلوسيركل التي اشترت73% من أسهم شركة الاسكندرية للاسمنت عام1999 بسعر80 جنيها للسهم, وهو سعر منخفض اصلا, وقد احتفظت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بنحو1,47% من أسهم الشركة, ارتفعت إلي6,97% بعد ان استردت الشركة الاسهم المباعة لاتحاد العاملين لعدم التزامهم بالسداد, وهذه الحصة تتيح للشركة القابضة الاعتراض علي قرارات مجلس إدارة بلوسيركل اذا كانت هذه القرارات في غير صالح الاقلية, وقد قامت شركة بلو سيركل ببيع الفرن الخامس الجديد تماما إلي شركة أنشأتها تحت اسم بلو سيركل مصر بمبلغ69 مليون جنيه اي اقل من نصف سعر التكلفة, وهو نهب صريح لحقوق صغار المستثمرين والشركة القابضة التي لم تعترض! وامتنعت بلو سيركل عن توزيع اي ارباح من صافي ارباح الشركة والتي بلغت113,9 مليون جنيه في ميزانية عام2001.