الاهرام 4/11/2008 بانتهاء هذا اليوم سيكون الأمريكيون قد اختاروا رئيسهم الرابع والأربعين والمرجح أن يكون الفائز هو باراك أوباما ما لم تكن استطلاعات الرأي مخطئة أو خادعة, لكننا مستعدون للمجازفة للقول بأن أوباما سيكون أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض لأن التغيير الذي ينشده قد حدث بالفعل ولأن اختياره يهدف إلي وضع أمريكا علي مسار يتوافق مع مصالحها. اقتصاديا وضعت الأزمة المالية نهاية قاطعة للاقتصاديات الريجانية الجمهورية وأصبح الكل يمينا ويسارا مقتنعا بأن التدخل الحكومي الواسع هو الخلاص الوحيد من الركود الجاثم. وتكنولوجيا تهيأت أمريكا لدخول مرحلة الاقتصاد الأخضر ورجال أعمالها هم الذين يضغطون لاستثمارات حكومية تضع شركاتها في مقدمة المستفيدين من الجهد العالمي للتعامل مع التغيرات المناخية. أمنيا يدرك الأمريكيون أنه لاحلول عسكرية للخطرالإرهابي وأنه لابد من الحوار مع الأعداء لأن أخطاء بوش جعلت الأعداء أقل خشية منهم والأصدقاء أقل إعجابا بهم, ودوليا انتهي سريعا عالم القطب الواحد واصبح علي أمريكا أن تتعامل مع عالم متعدد الأقطاب يرتهن احتفاظها بدور مهيمن فيه بقدرتها علي إعادة تسويق نموذجها بشكل ينهي التناقض القائم بين الرأسمالية الناجحة والفساد في وول ستريت وبين دفاعها عن الديمقراطية والعدل واحتفاظها بمعتقل جوانتانامو. ترجمة هذا التغيير إلي سياسات وأفعال ستحتاج إلي الكثير من الصبر والجرأة علي التبصير بالحقائق وإمكانات تسويقية واستراتيجية فائقة يمتلك أوباما الكثير منها في حين تناقص رصيد ماكين منها. صحيح أن الكثير من الهالة التي تحيط بأوباما مستمدة من صفاته الشخصية أكثر من خبراته وإنجازاته لكن كل خبرات ماكين لم تنقذ حملته من سقطات كبيرة سواء تعلق ذلك بتعامله المذعور انتخابيا مع الأزمة المالية, أو في اختياره سارة بالين مرشحة نائبة له محولا الدفة في اتجاه اليمين في وقت تحرك فيه أوباما بقوة في اتجاه الوسط مقتحما معاقل كانت جمهورية خالصة. سيظل اختيار أوباما رئيسا نوعا من المجازفة, ولكن الرجل اثبت قدراته القيادية بحملة انتصر فيها علي الكلينتونية الليبرالية واليمين المحافظ المنافس بضربة واحدة واظهر ثباتا علي المبدأ, وقدرة تنظيمية وتعبوية تثير الدهشة, ومرونة في اختيار والاستماع إلي مستشاريه والتعلم من الغير المنافس وإدارة وتبديل مواقفه بنعومة بالغة. إذا لم يفز أوباما فيكفيه أنه قد اكسب السود احتراما في الحوار السياسي, وأنه اخرج الملايين من الناخبين من سباتهم, وأنه جعل الحملة الانتخابية الطويلة أمرا ممتعا تستحق المتابعة في العالم كله.