كواحدة من القرى الغامضة التي تزخر بها حكايات ألف ليلة وليلة، اكتسبت قرية «تل اليهودية» غموضا يفوح برائحة ماض سحيق دشن دعائمه قدامى المصريون، فترى القرية خليطا متجانسا بين أطلال فرعونية وسهول زراعية، ومعالم متباينة من الحياة المعاصرة.. وربما كانت الأزمات التي يتعرض لها البعض، أو الأمنيات الملحة صعبة المنال تدعو البعض إلى اللجوء إلى الخرافات والدجل والشعوذة. وعلى الرغم من معرفة كثيرين بأن اللجوء لهذه الأساليب غير مجدٍ، إلا أنهم يمضون بحثاً عن بصيص من الأمل.. وعلى الرغم من الاسم الكريه الذي ينفر منه بعض أبناء القرية، إلا أنها تحظى بحب وشغف الكثيرين لزيارتها، طمعا في أمنية عنيدة، أو حلم إنجاب طال انتظاره تتبع القرية لمحافظة المنوفية على بعد نحو 100 كم شمال العاصمة المصرية، وهي منطقة مليئة ببقايا أحجار منقوش عليها رموز فرعونية متناثرة في أرجاء المكان، من بقايا أحجار معبد رمسيس الثالث، وبما أن هذه النقوش لا يفهمها الإنسان العادي، اعتقد البسطاء من الناس أنها من الأسرار الخارقة التي تأتي بالمعجزات، وانطلاقًا من ذلك هرول أصحاب الحاجة لارتياد المكان والتبرك به وعندهم إيمان بأنهم سيجدون حلولا سحرية لمشكلاتهم. طقوس معينة: من غرائب الاعتقاد في هذه القرية أن زائريها شاع بينهم أن ممارسة طقوس معينة منها المرور على الأحجار الفرعونية وممارسة الجنس عليها والاغتسال من إبريق فخار وكسره بعد ذلك على الحجر، يؤدي إلى حدوث الحمل لمن يبحثون عن الإنجاب. الشيخ عبدالعزيز جمعة أحد شيوخ القرية يوضح أن «تل اليهودية» باتت ذات شهرة واسعة، يأتي إليها الناس من جميع الدول ومن محافظات مصر ولديهم أمل في تحقيق حلم الإنجاب من خلال بعض الأحجار «المبروكة» حسب اعتقاد هؤلاء، وعندما يأتون يذهبون لأعلى التل حتى يصلوا لتلك الأحجار التي تتم ممارسة الطقوس الخاصة عليها بصمت وخشوع دون النطق بأية كلمة منذ أن يدخلوا المكان وحتى مغادرته. ومن الأسباب التي جعلت المكان بهذه الشهرة الواسعة قصة يتم تداولها سمعها «جمعة» من والده، عندما فوجئ أهل القرية في أحد الأيام بجفاف اللبن في ضرع الأبقار والجاموس، وقتها قال لهم أحد أبناء القرية خذوا أبقاركم واذهبوا بها لأعلى التل وبالفعل ذهبوا بها إلى هناك، وبعد عودتهم وجدوا ضروعها امتلأت باللبن، حتى أن شيوخ القرية أرجعوا ذلك إلى وجود مقابر قديمة بجوار التل، وأن تلك الحيوانات رأت في ذلك المكان عذاب القبر عند مرورها عليه، مما أصابها بالرعب، وبذلك تنقبض الأرحام ويعود اللبن مرة أخرى. وتابع جمعة أنه عند حلم الإنجاب وممارسة الجنس في المكان فإنه لا يعرف ما يحدث إلا أن المكان قد يكون باعثا على الرعب، وهو ما يؤدي للإنجاب! فهناك نساءً حضرن للمكان للتبرك وحدث الحمل لهن، وعدن بعد عام للمكان وهن يحملن أطفالهن بين أذرعهن. ويشير إلى أن نجاح هذا الأمر يتوقف على ممارسة الطقوس في صمت ويكون الوقت قد قارب على الغروب، حتى أنه أصبح يمارس هوايته في إرشاد القادمين للمكان بما هو مفروض أن يقوموا به والطقوس الواجب إتباعها. وفي اعتقاد البعض أن الموضوع ليس في حاجة لأخذ رأي الدين، لأن القضية برمتها ما هي إلا خزعبلات ممزوجة بالجهل، فكيف يصدق عاقل أن حجرا ينفع أو يضر.. ومن هذا المنطلق يفسر خبراء الآثار لغز هذه الأحجار فيقولون إنما هي بقايا أحجار معبد رمسيس الثالث، وأنها موجودة في شكل مجموعات متباعدة لأن هذه الأحجار ثقيلة جدًا يصعب نقلها لتقاربها مع بعضها. وأشاروا إلى أن قلة عمل الحفائر في هذا التل الأثري أدت إلى إهماله، لأنه تم الاهتمام به منذ البداية فقط حيث تم اكتشاف بقايا أحجار المعبد التي نقش عليها اسم رمسيس الثالث، ما أدى إلى الاعتقاد أنها نقوش تعبر عن أسرار خارقة وتساعد على الحمل وتأتي بالمعجزات على الرغم من أنه اعتقاد خاطئ. أحد أبناء المنطقة، رفض ذكر اسمه، قال إن سيدة تدعى «هاجر جمال» جاءت من المنيا بصعيد مصر بعد سماعها عن بركة المكان، حيث ذهبت وزوجها إلى أعلى التل، حتى وصلا إلى تلك الأحجار ومارسا طقوسا معينة مثل الطواف حولها 7 مرات، والاغتسال فوقها بعد قضاء ليلة ساخنة، ثم ذهبت إلى منزلها. وبعد عام ونصف عادت «هاجر» لزيارة المكان مجددا وهي تحمل طفلاً، وعندما سأل هاجر: كيف حدث الحمل؟! قالت إنها تزوجت منذ عدة أعوام ولم تنجب، وطافت على الأطباء والعرافين إلى أن سمعت بهذا المكان وجاءت إليه ومارست طقوسه وحملت بعدها بهذا الطفل. العلماء يرفضون لكن أساتذة علم الاجتماع لهم رأي آخر، حيث أكدت الدكتورة عزة كريم أن هناك معتقدات راسخة في أذهان الشعوب مثل لعنة الفراعنة وغيرها، لذلك فالاعتقاد في زيارة هذا المكان يمكن أن يؤدي إلى الإنجاب أو در اللبن في الحيوانات، لا يزيد عن كونه خرافات تكشف حجم التخلف الثقافي لمن يعتقد في هذه الروايات. أما الدكتور عبدالمعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر فحذر من الإيمان بهذه الخرافات والمعتقدات، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لهذه الأحجار أن تكون سببا للإنجاب أو جلب أي من أنواع الخير، بل إنه أكد أن الإيمان بهذه المعتقدات يدخل في نطاق الشرك. معجزات : لبن الجاموسة سيدتان تحملان اسم هدى وفاطمة من إحدى قرى منطقة الصعيد أكدتا أنهما حضرتا لقرية «تل اليهودية» ومعهما جاموستان ضعف لبنهما، وتسلقتا التل ودارتا حول الحجر الكبير 7 مرات، وغسلتا الجاموستين بالماء الذي كانتا تحملانه، وبعد عودتهما إلى ديارهما انساب اللبن من ضرعي الجاموستين ، لكن الأمر بحاجة إلى تدقيق أكثر. أصل التسمية قال خبراء أن أصل تسمية «تل اليهودية» يعود إلى وجود مجموعة من اليهود كانوا قد فروا من اضطهاد ملكهم، وطلبوا الأمان من ملك مصر «بطليموس» الخامس، فسمح لهم دخول مصر واستقروا فيها بقيادة زعيمهم التركي «أونياس» في تلك المنطقة. وأطلق عليها «تل اليهودية» وتمكنوا بعد استقرارهم من بناء معبد صغير قريب من المعبد الفرعوني، ومنها شاعت التسمية على المنطقة كلها ب«تل اليهودية»، وشاع بين الناس أن ممارسة طقوس معينة تؤدي إلى حدوث حمل للسيدة العاقر، بينما الأمر في حقيقته لا يعدو كونه «ظاهرة نفسية».