شهر واحد لا غير هذا ما منحه الاتحاد الأوروبي لموريتانيا للتراجع عن الانقلاب والعودة إلى الشرعية وسواء سميت هذه الفترة بالمهلة كما يروج الأوروبيون أو هي مجرد موعد للالتقاء في نواكشوط بعد انتهاء مباحثات باريس أول من أمس دون نجاح كما يفضل الموريتانيون، فالنتيجة واحدة. لقد قالت رئاسة الاتحاد الأوروبي في بيانها الختامي عقب مباحثات مضنية مع الوفد الموريتاني في باريس إن الاتحاد لم يتمكن من 'ملاحظة مقترحات مقنعة من الطرف الموريتاني' مضيفا أن'المقترحات والالتزامات الموريتانية لم تتضمن الإطلاق الفوري وغير المشروط للرئيس الشرعي وظلت أساسا ضمن إطار غير دستوري وغير قانوني ودون آفاق للعودة إلى النظام الدستوري في المدى القريب'. ومع أن الاتحاد لم يفوت الإشارة إلى 'الإدراك التام لتعقيد الوضعية السياسية في موريتانيا' إلا أن ذلك لم يحل، في نفس الوقت، دون الإشارة إلى أنه 'يظل في وارد الاستماع إلى تطور إيجابي محتمل في موريتانيا على أساس حل يتطابق مع مطالب المجتمع الدولي' مما يعني رفضا لأية حلول تحاول بطريقة أو بأخرى فرض واقع جديد على البلاد ينطلق من انقلاب 6 آب (أغسطس) الماضي ويكون هو مرجعه. أما ما بعد هذا الشهر فواضح، ذلك أن بيان باريس ينص صراحة على أنه 'في حالة عدم توفر عناصر جديدة في أجل شهر فسيتم إغلاق المشاورات وسيقترح على هيئات الاتحاد الأوروبي اتخاذ الإجراءات المناسبة' والتي لا تعني سوى فرض عقوبات على نظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز ووقف المساعدات السنوية المقررة من الاتحاد إلى موريتانيا والمقدرة بزهاء الستمائة وخمسين مليون يورو. بإمكان رئيس مجلس الدولة في موريتانيا أن يقلل من أهمية ما تقرر في باريس، كما فعل، وبإمكان رئيس وزرائه أن يصرح وفي باريس تحديدا أن لا مجال لعودة الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله 'ولو للحظة واحدة'. لكن ذلك لن يغير شيئا من خطورة المأزق الذي تزداد فيه القيادة الموريتانية الجديدة تورطا مع الأيام فقرار الاتحاد الأوروبي الصارم يأتي بعد أن كان الاتحاد الإفريقي قد أمهل هو الآخر نواكشوط في 22 أيلول (سبتمبر) الماضي إلى غاية السادس من الشهر الحالي لإعادة غير مشروطة للرئيس المطاح به. وهو تاريخ إن لم يقع احترامه إلا أن ما قرره الاتحاد الأوروبي مؤخرا قد يعطي الاتحاد الافريقي قوة دفع لمنحى أكثر صرامة لا سيما وأن هو الآخر هدد بفرض عقوبات وعزلة على الانقلابيين على غرار ما فعله مع نظام الكولونيل محمد بكار في أنجوان تضمنت حظرا بحريا وحظرا فرديا على سفر مسؤولين وتجميد أموال في الخارج. ما لم يقله البيان الأوروبي تكفل به بعض الدبلوماسيين في تصريحات خاصة فقد نسبت الإذاعة الفرنسية لمسؤول فرنسي رفيع، لم تحدده، القول إن ما حصل في باريس من مفاوضات بين الاتحاد والحكم الجديد في موريتانيا كان 'بمثابة فرصة أخيرة وضاعت على الوفد الذي مثل العسكريين. مما يعني أن المرحلة المقبلة ستتسم بصعوبة أكبر أما إذا انفض اجتماع نواكشوط المقبل بعد شهر دون التوصل إلى خطوات عملية واضحة لعودة الشرعية لأن إعلان القطيعة بين الجانبين سيعطي غطاء جيدا للاتحاد الإفريقي المتابع لما يجري بكل اهتمام للمضي فيما كان قد سبق أن هدد به. فيما قد تجد الجامعة العربية نفسها مدعوة أكثر لاتخاذ مواقف واضحة بعد بعض اللين أو التفهم اللذين أبدتهما إلى حد الآن. مما سيسهم في المجمل في تضييق الخناق على حكام موريتانيا الجدد. المرحلة المقبلة عصيبة على هؤلاء الحكام فقد اقتربت كثيرا ساعة الحقيقة التي عليهم مواجهتها. وكما يقول المثل التونسي الشعبي 'وقفت الزنقة بالهارب' بمعنى انتهى الزقاق في وجه الهارب. هذا الزقاق وإن لم ينته بالكامل الآن على عسكريي موريتانيا إلا أنه بالتأكيد... ضاق كثيرا عليهم.