أثار فيلم "دخان بلا نار" للمخرج اللبناني سمير حبشي جدلا الخميس خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب عرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية للدورة الثانية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي في أبو ظبي. وتركز الجدل على الجوانب السياسية التي تناولها الفيلم والرسائل التي قرأها البعض فيه وفق مفاهيم خاصة في الشريط الذي تدور في لبنان منتصف التسعينيات أي في المرحلة التي أعقبت اتفاق الطائف وتصور انتقادات ومعارضة للهيمنة السورية والأمريكية على هذا البلد. واعتبر سمير حبشي في المؤتمر الصحفي أنه "في لبنان يوجد نوع ثالث من البشر ممن ليسوا مع سوريا وليسوا مع أمريكا" مضيفا "أنا ضد كل من يتدخل في لبنان" و"من حق المبدع أن يطرح أسئلة وأن يعبر عن التاريخ والقضايا المطروحة وفق ما يراه". وكان سمير حبشي أول مخرج لبناني ينجز فيلما روائيا بعد تاريخ إعلان انتهاء الحرب في لبنان وكان ذلك عام 1992 وحمل فيلمه عنوان "الإعصار"وبشر بولادة هذا المخرج الذي لم ينفذ من وقتها سوى أعمال تلفزيونية. وحمل "دخان بلا نار" عنوانا آخر بالأجنبية هو "بيروت مدينة مفتوحة" ليوحي بمرجعيات سينمائية معينة على علاقة بالحرب وهو يعرض في أبو ظبي في أول عرض عالمي له في مهرجان. شارك في بطولة الفيلم الفنان المصري خالد النبوي بجانب سيرين عبد النور وديامون بو عبود ورودني الحداد وهو من إنتاج شركة مصر العالمية -جابي خوري وتلفزيون "آي آرت" في أول مشاركة له في إنتاج فيلم روائي ضمن مشاريع إنتاجية جديدة قادمة. ويؤدي خالد النبوي دور مخرج مصري يريد إنجاز فيلم عن القمع في العالم العربي ويختار بيروت لتنفيذ عمله على أساس أن فيها هامش حرية تعبير كبير لكن الواقع سرعان ما يثبت له نسبية الأمر. فالمخرج يقع ضحية قمع من نوع آخر على الطريقة اللبنانية في بلد يبدو ساحة مخترقة من كل أنواع الأجهزة والمخابرات وحيث يمكن لشخص مثل حمدي (رودني الحداد) الذي عذب على أيدي المخابرات أن يتحول إلى جلاد ومخبر ينفذ ما يؤمر به. ويمزج الفيلم بين الواقعي والمتخيل في أجواء بوليسية يطغى عليها جو المغامرة لكنها وكما كان الحال في الفيلم الاول للمخرج تشكو من التطويل الذي لا تنقذه جودة كتابة السيناريو وجودة التصوير الذي وقعه ميلاد طوق وإيضا سلاسة التقطيع وعملية المونتاج التي ساهمت في إغناء الشريط. وإذا كان الشريط اللبناني يعتبر فنيا من بين أفضل الأفلام العربية التي قدمت حتى الآن في مسابقة مهرجان أبو ظبي فهو يشكو من إطالات في المعالجة خاصة في الانتقال بين الريف والمدينة وحيث أراد المخرج كما قال في المؤتمر الصحفي أن يتكلم عن العشيرة والسلطة. واعتبر بعض النقاد والصحفيين أن الفيلم "مرتبك سياسيا" رغم كونه يحاول وصف واقع لبناني متشابك ومتغير حيث كثيرا ما تختلف فيه الانتماءات تبعا لظروف الأفراد وهشاشتهم أو قابليتهم السريعة للتخلي عن المبادئ. يقول المخرج إن بطل الفيلم "وحيد" شاب عملي فهو من ناحية يؤمن بقضية لكن حياته تبدو له أهم من القضية التي يؤمن بها مما يفسر تحول موقفه، هو يحافظ أولا على نفسه وبعدها يفكر وهذا نمط لبناني موجود. وحين هوجم سمير حبشي على استخدامه لصور مشابهة لصور القبض على صدام بعد اتهام المخرج (خالد النبوي) بقيادة خلية للقاعدة في بيروت اعتبر سمير حبشي أن من حقه أن يعبر بحرية عن أفكاره كما أن من حقه أن يطرح الكثير من الأسئلة حول ما يحدث من حوله ويقول "لا أعرف إذا ما كان الظواهري موجودا حقا ولا أعرف إذا ما كان بن لادن موجودا" أيضا. ويتهم حبشي الإعلام ومن ورائه السياسيين بتحريف الحقائق وتضخيم الأمور. وتتخل الفيلم لعبة تكرارية تمزج بين الواقع وبين خيال المخرج الذي يكتب سيناريو لا يكتمل في مكان يبدو كل شيء فيه منذورا للهباء وللعبث. وإذا كان رودني الحداد أجاد في أداء دوره وكذلك المغنية سيرين عبد النور التي سجلت في الفيلم أول ظهور سينمائي فإن فيلم "دخان بلا نار" افتقد عمق الشخصيات والصدق اللذين اتسم بهما فيلم مثل "نهلا" للمخرج الجزائري فاروق بلوفة الذي صور بداية الحرب اللبنانية واستخدم صحفيا للإضاءة على الواقع اللبناني وواقع الفلسطينيين في لبنان في تلك الفترة. وينتظر عرض فيلمين آخرين عربيين في مسابقة أبو ظبي المصري "سلطة فوزية" لمجدي أحمد علي والمغربي "زمن الرفاق" لمحمد شريف طريبق على أن تعلن جوائز المهرجان الأحد. (ا ف ب)