لم تعد السرقات والرشاوى مقتصرة على المديرين والمسؤولين كما هو متعارف عليه في قاموس الفساد الإداري، ففي المستشفيات الحكومية اصبح «حلاق» المرضى وحتى الفراشون يسرقون ولا يعملون إلا بعد تقاضيهم للرشاوى أو ما نسميه «البقشيش»، فقد اكتشفت «القبس» من خلال جولة ميدانية بين أروقة المستشفى الأميري ان هذا المشهد مستمر ومتكرر في هذا المرفق الصحي المهم في البلاد. فعندما تصل إلى المستشفى الأميري ستواجه أول مشكلة وهي ان تقضي 30 دقيقة وانت تبحث عن موقف للسيارة لندرة المواقف، مما يجبر البعض على الوقوف في أماكن ممنوعة ويتسبب بالازدحام وكثرة الحوادث. وبعد ان تصبح من ذوي الحظوظ السعيدة وتنتهي من مشكلة المواقف، ستتوجه إلى كاونتر الاستقبال الذي ستواجه فيه «الزحمة الخفيفة» بسبب وجود «الكراسي الفاضية» على كاونتر موظفي الاستقبال، ثم ستفاجأ بصفوف تشابه صفوف كاشير الجمعيات التعاونية بسبب عطل بسيط اصاب جهاز توزيع الأرقام منذ عدة أيام. وسط هذا المشهد، اخترق أسماعنا صراخ شخص غاضب «يزف» الممرضة، فتوجهنا إليه لمعرفة سبب عصبيته، فقال: «أنا ناطر صارلي ساعة ونص وللحين ما وصل دوري». وعندما رأى بو حامد، وهو رجل يبدو انه في بداية العقد السادس من عمره، كاميرا «القبس» وهي ترصد الزحام، توجه الينا ليوصل شكواه إلى المسؤولين، مبينا انه ينتظر موعده منذ 20 يوما ليجري عملية بسيطة في إصبعه. وتساءل: لماذا كل هذا الوقت وما هذا الفراغ الموجود بين مواعيد المرضى التي ينظمها الكتاب؟ ولمن هي؟ مؤكدا انها من اهم الاسباب التي تؤخر المواعيد، متهما الاطباء في الكويت باستعمال المسكنات كعلاج للامراض بجميع انواعها، قائلا: بدلا من اجراء عملية بسيطة اصبحت اتناول هذه المسكنات لمدة 20 يوما. من جانبه، قال احمد الحمود الذي يرافق والدته ان المعاملة تتباين بين اعضاء هيئة التمريض، فالاهتمام على حسب المعارف الشخصية والمحسوبيات، حتى الغرف الخاصة باتت مخصصة ل «ناس وناس»، مضيفا ان خبرة الاطباء في عملهم مشهود لها، ولكن يجب عليهم ان ينظموا عملهم ويلتزموا بقسمهم الطبي ولا يميزون بين المرضى ولا يأجلوا عمل اليوم إلى الغد. أما بالنسبة لعايض العنزي فكان رأيه مختلفا حول الأطباء، حيث أكد ان بعضهم متقاعس عن العمل، فهم يرفضون التحدث مع أولياء أمور المرضى في التلفون، موضحا «ابني في المستشفى منذ اسبوعين، وانا لا يمكنني ان اتواجد عنده في الفترة الصباحية لالتزامي بعملي وارغب بمعرفة حالته الصحية من الأطباء مباشرة، فطلبت من ابني ان يتصل بي عندما يراه الطبيب، ولكنني فوجئت بابني وهو يتصل بي بينما الطبيب يرفض التحدث معي عن طريق الهاتف». ديوانية وخلال جولة «القبس» في المستشفى، فوجئت بمنظر «يرد الروح» بعد مشاهدة المرضى وانشغالهم بآلامهم، فوجدت مجموعة متفائلة من المرضى وهم من كبار السن يجلسون وكأنهم في ديوانية ويتجمع حولهم المرضى ليتسلوا وينسوا أجواء المستشفيات الكئيبة، فشاركتهم «القبس» جلستهم وكانت معظم أحاديثهم تدور حول مشاكلهم في المستشفى، فكانت شكوى بو جراح حول سوء الأغذية التي يقدمونها للمرضى، بالإضافة إلى عدم وجود استراحات خاصة لكل جناح أو حتى في كل دور ليجتمع بها المرضى، فهي ستكون نوعا من أنواع الترفيه النفسي وستؤدي إلى رفع معنوياتهم حسب تعبيره. وامتدح ناجي أمان الكادر الطبي والهيئة التمريضية وشكر لهم تعاونهم وبذلهم أقصى الجهود للاهتمام بالمرضى، ولكنه تذمر من صعوبة التفاهم بين المريض والممرض لاختلاف اللغة التي يتحدث كلاهما بها أو عدم وضوح اللغة الانكليزية لدى البعض. السرقات و«البقشيش» بدوره، استنكر سليمان المطيري رفض عمال النظافة الاهتمام بالمريض إلا بعد أن يقبض «البقشيش»، قائلاً «إذا ما بخيته ما يعطك ويه»، لافتاً إلى أنه لا يلومهم بذلك لأن ما يفعلونه هم مجبورون عليه ليقتاتوا قوت يومهم. وأضاف ان السرقات تتم «عيني عينك»، فبعد انتهاء أوقات العمل يخرج عمال النظافة ويحملون بأيديهم أكياساً من الأدوية المختلفة وبصورة يومية، متسائلاً هل هذه الأدوية للبيع أو للاستخدام وأين الرقيب عليها؟ شراء الأدوية وانتقد عادل الجحيل بدائية الأجهزة المستخدمة، وإذا كانت الأجهزة حديثه فلا يعرف أعضاء هيئة التمريض استخدامها، مضيفاً ان الحكومة توفر للمريض الكويتي الرعاية الصحية وكفل الدستور له هذا الحق، فلماذا تكون معظم الأدوية التي يصفها الأطباء غير متوافرة في الصيدليات الحكومية؟ مما يجبرنا على تخصيص ميزانية من مرتباتنا للصرف على الأدوية على الرغم من الغلاء المعيشي الذي نواجهه اليوم، فكيف لنا ان نواجه هذا الغلاء؟ «ليش» المستشفيات الخاصة؟ أما عن سؤال «القبس» لعبدالعزيز علي عن فرق المعاملة بين القطاعين الصحيين الحكومي والخاص وأيهما أفضل في الرعاية فأجاب «أنا مواطن ليش أروح للمستشفيات الخاصة؟»، مؤكداً أن أطباء المستشفيات الحكومية يتمتعون بالخبرة والعلم الكافي للعلاج، لكن العيب يكمن في عدم نظافة وفشل إدارة المستشفيات، بينما تتمتع المستشفيات الخاصة بكل الكماليات، ولكنها تفتقر أحياناً للكوادر الطبية الجيدة. «الوساطات» اشتكى ناصر العوض من «الواسطات والمحسوبيات» التي أصبحت تتدخل في كل شيء حتى في مواضيع تخص الإنسان بإنسانيته كالمرض وعلاجه حسب تعبيره، متسائلاً لماذا لا يحصل المريض على غرفة خاصة إلا بعد الالتزام بالشرط الأساسي وهو الوساطة؟ وتساءل عن عدم زيادة غرف المرضى وفصل الأسرة بشكل تام، مستدركاً: فقد تسوء حالة المريض نفسياً اذا رأى المريض الآخر وهو يتألم من العلاج. سرقات الحلاق؟! يقال، والذمة على رواد ديوانية المستشفى، ان الحلاق الذي يعمل في المستشفى الأميري يستغل منصبه في «تضبيط» الدكاترة ليصرفوا له بين كل فترة واخرى اغلى انواع الأدوية في الصيدلية، ويقال انه يصدر هذه الأدوية ليبيعها في بلاده! أشتري راحتي قال عيسى وليد ان في القطاع الحكومي قلة محاسبة للمقصرين، والقطاع الخاص يكلفك الكثير، ولكنه يعطي خدمات تساوي ما تدفعه من أموال، فأنا انسان «اشتري راحتي»، وانصح كل من تمكنه قدراته المالية بأن «يشتري راحته»، ويعالج في مكان يضمن فيه صحته. الزبالة مع المرضى! لوحظ خلال الجولة في اوقات الذروة نقل القمامة في المصاعد نفسها التي تنقل المرضى وزوارهم، بالاضافة الى تخزين هذه القمامة وأدوات التنظيف في حمامات الأجنحة، مما يجعل رائحة ممرات المستشفى كرائحة حماماته.