هرولت أوروبا لمحادثات طارئة بغية اتخاذ حزمة من الإجراءات من شأنها تفادي الازمة المالية التي انطلقت من وول استريت قبل تجاوز الخلافات في رؤى دولها للحل، ولهذا فلم تأتي قمة السبت بالقول الفصل في ما ينبغي على القارة نهجه حيال الازمة، حيث لم تتعدى كونها تمهيدا لقمة كبرى تهدف الى إعادة النظر في القواعد المالية الاوروبية. وبدأت القمة الأوروبية المصغرة وسط خلاف بين المشاركين حول السبيل لحل الأزمة، فبينما دعت بريطانيا وصندوق النقد الدولي لإنشاء صندوق لدعم الهياكل الاقتصادية، شددت ألمانيا على رفض الفكرة داعية للعمل على إعادة الثقة للاقتصاد دون اللجوء لوسيط مادي. وجاء انعقاد القمة بعد ساعات من مطالبة مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان قادة أوروبا بتتبنى نهجا منسقا حيال الأزمة المالية وألا تظهر أي من الدول بوادر تحركات أحادية. وأكد في معرض حديثه أن الوضع الاقتصادي الدولي مقلق جدا وهو ما سيدفع الصندوق لنشر توقعات أقل للنمو الاقتصادي. وشاركت بريطانيا صندوق النقد في دعوته، حيث كما جاء على لسان رئيس وزرائها جوردون براون، الذي قال إن بلاده تريد من أوروبا التحرك لمساعدة الشركات الصغيرة على مواجهة أزمة الائتمان عن طريق صندوق قيمته 21.2 مليار دولار من بنك الاستثمار الأوروبي. وذكرت مصادر حكومية أوروبية أن فرنسا طرحت فكرة صندوق إنقاذ قيمته 300 مليار يورو (416 مليار دولار) وهو ما نفته باريس. وفي المقابل، صعدت ألمانيا معارضتها لفكرة إنشاء أي صندوق إنقاذ أوروبي طاريء للبنوك المتعثرة قبيل القمة، وهو ما أرجعه وزير الاقتصاد الألماني مايكل جلوس إلى أن خطة أوروبية طارئة من هذا النوع تشتت الانتباه عن المهمة الحقيقية وهي إعادة الثقة مجددا في الاقتصاد دون هياكل طارئة. وبدأت المانيا بنفسها في هذا الصدد، حيث طالب الحزب الاشتراكي الألماني الشريك في الائتلاف الحاكم بتشديد لوائح معاقبة مديري البنوك والمؤسسات والشركات في حال التسبب في تحقيق الخسارة، ورفضت أندريا ناهلز نائبة رئيس الحزب تطبيق النموذج الأمريكي في تحميل المديرين المسئولية عن طريق التحفظ على أموالهم وأملاكهم الخاصة في حال ثبوت المسئولية عن تحقيق الخسارة للبنك أو المؤسسة. وثمة خلاف آخر بين الدول الاوروبية تجلى عبر رفض عدد من دول اوروبا محاولات المفوضية الاوروبية تفعيل وسائل الرقابة على عمل البنوك وشركات التأمين بالاتحاد. وعلى الوجه الآخر للعملة، وبينما يحاول زعماء أوروبا التصدي للأزمة المالية، لجأ عدد من مصارف أوروبا لعمليات اعادة تمويل واجراءات تأميم مما يمكن ان يشكل مخالفة للقواعد الاوروبية المتعلقة بالمنافسة. وكان للمملكة المتحدة السبق بهذا الصدد، فقد أعلنت الحكومة الاستحواذ على مؤسسة التمويل العقاري "نورثرن روك" في مؤشرا خطيرا يعكس ما قد يؤول إليه الاقتصاد العالمي جراء أزمة الرهن العقاري واتبعته بتأميم اجزاء من بنك برادفورد اند بينجيلي. وأعلنت حكومات دول البنيلوكس - التي تضم بلجيكا وهولندا ولوكسمبورج- تأميم اجزاء من المجموعة في صفقة قيمتها23.3 مليار دولار بعد اقل من اسبوع من محاولة انقاذ اولى ضخت فيها حكومات الثلاث 15.4 مليار دولار. أعلن بنك هايبو الالماني للقروض العقارية انه يحارب من أجل البقاء بعد تداعي برنامج انقاذ تؤيده الحكومة، كما كشفت بلجيكا النقاب عن سعيها للتوصل الى مشتر لما تبقى من بنك ومجموعة فورتيس للتأمين بعد ان أممت الحكومة الهولندية الباقي. وفي ايطاليا، دعا يوني كريدت ثاني اكبر بنوك ايطاليا من حيث القيمة السوقية الى اجتماع غير عادي لمجلس ادارته لدراسة سبل تعزيز رأس بالبنك. وأثارت أيرلندا انزعاج البعض عندما وعدت بضمان كل الودائع المصرفية في خطوة دفعت بعض المودعين في بريطانيا الى نقل المدخرات لفروع بنوك أيرلندية. ويأتي انعقاد قمة باريس على خلفية موافقة مجلسي الشيوج والنواب الامريكيين على خطة انقاذ مصرفي قيمتها 700 مليار دولار لمعالجة أزمة أثارها انهيار سوق الاسكان وتزايد القروض العقارية المتعثرة. وتأتي أهمية قمة باريس - التي دعا اليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي- من انها تمخضت عن إعلان للمباديء فضلا عن كونها دعوة لتنسيق الردود الوطنية اكثر من كونها اعلانا عن اجراءات لمعالجة أسوأ ازمة مالية تتعرض لها القارة الصناعية منذ ثلاثينات القرن العشرين. ومن أهم المبادىء التي أعلنت عنها القمة إلتزام الدول الأوروبية الأربع الكبرى الأعضاء في مجموعة الثماني بدعم المؤسسات المالية المتعثرة، والدعوة لإعادة النظر في القواعد المالية بالدول الرأسمالية. وفي محاولة لردع المسؤولين عن الازمة التزمت الدول الاربعة بمعاقبة المسؤولين في اي مؤسسة تعلن افلاسها بدولهم، وطالبوا المفوضية الأوروبية بأن تظهر ليونة في تطبيق القواعد على صعيد المساعدة الرسمية للمؤسسات. ومن أبرز المقترحات التشريعية التي طرحتها القمة تأمين الودائع المصرفية في الكيان الاقتصادي الاوروبي واقامة مجمعات اشرافية عبر الحدود بشكل فوري لتحسين عمليات الرقابة. واشار بيان الزعماء صراحة الى حقيقة ان قواعد الاتحاد الاوروبي التي تفرض حدودا على العجز في ميزانيات الدول لابد أن تسمح بأن يؤخذ في الاعتبارات الظروف الاستثنائية كأن تستثنى اي حكومة تواجه عجزا اكبر بسبب اموالا ضختها في عمليات انقاذ للبنوك من حدود العجز التي حددها الاتحاد الاوروبي.