هموم مصر في أميركا الشمالية الأزمة بعيون غير غربية يتسارع التحوّل الاقتصادي نحو إنتاج السلع غير الملموسة والخدمات والصناعة العالية التقنية. وكذلك يزداد الاستثمار فى البحث والتطوير، وتستعر المنافسة بين الدول على جذب الأدمغة والاستثمارات المتصلة بالتكنولوجيا. وعلى غرار «وادي السيليكون» في الولاياتالمتحدة، أنشئ «هينشو بارك للتقنية» فى تايوان و«وادي سيليكون بِتسكوبا» في اليابان و«مدينة الإنترنت» في دبي و«القرية الذكية» في مصر و«مُجمّعات التقنية» في مونتريال الكندية. ويظل نجاح أودية التقنية رهناً بالاستقرار السياسي، توافر التسهيلات الحكومية، التركيز على الأبحاث التطبيقية، الشراكة مع القطاع الخاص، البنية التحتية الالكترونية الأساسية وتطوير القطاعات الداعمة مثل الصحة والاتصالات والتعليم. هموم مصر في أميركا الشمالية في هذا السياق، اجتمع «إتحاد الدارسين المصريين في أميركا الشمالية» فى مقر المكتب الثقافي المصري في مونتريال لمناقشة طُرق الاستفادة من تجارب المُجمّعات التقنية، وإشراك العلماء والأكاديميين في تحقيق نهضة مصر معرفياً وتقنياً. وباستخدام تقنية «المؤتمر عِبْر الفيديو» Video Conferencing، شارك في الاجتماع عينه الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مصر والدكتور ماجد الشربينى مساعد الوزير لشؤون البحث العلمي والدكتور أحمد خيري رئيس قطاع الشؤون الثقافية والبعثات. افتتحت الدكتورة نيبال الطنبولي، المستشارة الثقافية المصرية في كندا، الاجتماع بالحديث عن تدني مردود الاستثمار في البحث العلمي مصرياً، وأرجعته إلى انعدام التخطيط وليس لقلة الموارد أو الكفاءات. ونادت بتحويل المشروعات إلى مدارس علمية لتطوير منتجاتها باستمرار كي تظل في حلبة المنافسة عالمياً. كما شدّدت على ضرورة التركيز على الأبحاث التطبيقية، لاجتذاب القطاع الخاص، ما يكفل تحويل نتائج الأبحاث إلى فرص اقتصادية. وأشارت الطنبولي إلى شروع الباحثين فى تسويق أبحاثهم للشركات مباشرة، من دون المرور بالوسيط الحكومي. وبيّنت أن كندا أوقفت تمويلها لجامعة «سنغور» الفرنسية في الاسكندرية بسبب تدني الحضور المصري في الفرانكوفونية، ما يدلّ على أهمية الجهود المشتركة فى تعميق التعاون العلمي. وفي المقابل، ثمّنت الجهود الحكومية لإصلاح التعليم الفني باعتبار أنه يؤدي دوراً مهماً في ردم «الفجوة التقنية» بين العمالة الماهرة وغير المُدرّبة. وفي سياق مُشابه، ذكرت الدكتورة أماني فؤاد (الملحقة الثقافية في كندا) أن الحكومة تركز الآن على استعادة الأدمغة المصرية المهاجرة، من خلال توفير الحوافز اللازمة المناسبة والاستفادة من أبحاثهم وإمكاناتهم اذا تعذرت عودتهم، وهو ما يُعرف ب «إعادة تدوير الأدمغة» Brain Recycling. كما تحدثت الدكتورة مهى كامل المستشارة الثقافية في واشنطن عن جهود السفارة المصرية في تفعيل التعاون مع علماء المهجر والتي تمخضت عن الاتفاق مع عشرة منهم على المساهمة في العلوم المتصلة بالتنمية في مصر، وذلك في ظل توجّه الحكومة لربط البحث العلمي بالأولويات الوطنية. وأوردت أمثلة عدّة عن التعاون مع المؤسسات والجامعات الأميركية في هذا المضمار. وتحدث الدكتور أحمد خيري عن أهمية التعاون العلمي، وكذلك ضرورة التنويع عند إرسال الأكاديميين إلى للدراسات العليا في الخارج، وذلك للاستفادة من الأنساق التعليمية والثقافية والحضارية. وطالب الدارسين في الخارج ببذل أقصى الجهود للاغتراف من غنى تجربة المجتمعات الغربية، وعدم التركيز حصراً على التخصّص العلمي. ورأى في ذلك إسهاماً في صوغ شخصية غنية علمياً وثقافياً وحضارياً يمكنها المنافسة عالمياً. وعرض الشربينى جهود وزارته في تطوير الطاقة المتجدّدة وتنمية الموارد المائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في زراعة القمح وتنمية الثروة السمكية ومواجهة فيروسات الكبد وغيرها. وأوضح أنها تُجرى بالتعاون مع الوزارات المعنية والشراكة الأجنبية والاستعانة بعلماء المهجر والبعثات العلمية. وضرب مثلاً على ذلك التعاون بين مصر وشركة كندية لصناعة لقاحات الوقاية من الالتهاب المزمن في الكبد بأسعار معقولة. وتناول الحوافز المتوافرة راهناً لتشجيع العلماء المصريين على الاستمرار في بحوثهم، وكذلك لاستعادة الأدمغة المغتربة. وفي هذا السياق، تحدث الشربيني عن مشروع «اس تى دى اف» STDF الذي يصل راتب الباحث فيه إلى 10 آلاف جنيه شهرياً، إضافة الى إمكان الحصول على منح تصل إلى 750 ألف جنيه وذلك بالتعاون مع ألمانيا. وتضمن المشروع نشر 45 شبكة للتعاون العلمي مع ألمانيا. وأضاف «أن العمل جار لإجراء مسح لحاجات الباحثين والمشاكل التي تواجههم، بهدف دراسة سبل التغلب عليها، إضافة الى التوجّه لإعادة هيكلة قطاع البحث العلمي في مصر. وبيّن أن التعاون جار مع إيطاليا في مجال التكنولوجيا المتصلة بحاجات المجتمع، إضافة الى العمل مع اليابان في مشروع تنمية الابتكار عند الأطفال من خلال اللعب. وتجدر الإشارة إلى أن مصر تتعاون مع اليابان أيضاً لإنشاء جامعة للعلوم والتكنولوجيا. الأزمة بعيون غير غربية كان للأدمغة المُهاجرة كلمتها أيضاً. فقد عقّب ياسر شريف، مُنَسّق «حملة الكتاب» في كندا المنبثقة عن «اتحاد الدارسين المصريين في أميركا الشمالية»، موضحاً أن الحملة استطاعت تجميع كتب ودوريات علمية مستعملة بما يعادل 2.5 مليون دولار هذا العام بغية تحديث مكتبات الجامعات المصرية. ولاحظ أن الأخيرة تتلكأ في التعاون مع المشروع على رغم أنها لا تتحمل سوى تكاليف... الشحن. ولم يمنع ذلك التلكؤ الشريف عن إيضاح أن الاتحاد يفضل إهداء تلك الكتب للجامعات الحكومية التي يُفترض أنها تتلهف على مثل هذا النوع من التعاون. وفي السياق عينه، تحدث إيليا فرح نائب رئيس «مُجمّع مونتريال انترناشونال التقني» عن أسباب نجاح المُجمّعات التقنية في كندا. وأوضح أن أهمها يتمثل في التسهيلات الهائلة التي تُقدّم للعقول المهاجرة، إضافة إلى منحهم إعفاءات ضريبية عن أموال الاستثمار في البحث والتطوير. ولاحظ أن ضخامة مدينة مونتريال تشكل عنصراً إيجابياً، إذ يصل عدد سكانها إلى 3.7 مليون نسمة يتحدثون 80 لغة، كما تستضيف 70 منظمة دولية. وتحتل المرتبة الثانية في أميركا الشمالية بالنسبة لعدد المؤتمرات العلمية بعد نيويورك. كما تُعدّ أكثر المدن الكندية تركيزاً على البحث والتطوير والجامعات ورصد الأموال للمشاريع العلمية. وتضمّ 11 مؤسسة علمية على رأسها جامعات «ماغل» و «كنكورديا» و «مونتريال» و«كيبك». ويصل عدد الطلبة فيها إلى 180 ألفاً منهم 17 ألف أجنبي. ويُشكّل ذلك غذاء لتجمعاتها التقنية، كما يمنحها تكاملاً فريداً بين سياسات الهجرة والمنظومة العلمية والبحثية والصناعية. ويُضاف إلى ذلك أنها بلد سياحي قريب من الولاياتالمتحدة، وتُغطيها شبكة مجانية للانترنت اللاسلكي، وتتصل بالمدن الكندية والخارج عن طريق نهر «سانت لورنس» وبحيراته. وهكذا أصبحت مونتريال موطناً للعقول المهاجرة ومركزاً لبحوث الفضاء والمعلوماتية والاتصالات والصناعات الغذائية والبيئة والصحة والنانوتكنولوجيا والبيولوجيا والجينات وغيرها. وأوضح أن «مُجمّع مونتريال إنترناشيونال التقني» يضم 110 مؤسسات خاصة وحكومية. ويضم «مُجمّع تكنوبول لافال» technopole laval ما يزيد على أربعين شركة. وتستضيف مونتريال معامل بحوث تابعة لشركات «آي بي أم» و»شبكات الاتصالات المتقدمة» و «ألكاتل» و «نورتل» في المعلوماتية، و «بومبارديي» و «إيه سي تي أس» في الفضاء، و «غلاسكو» و «سريون» و «نبتون» في بحوث البيولوجيا الحيوية وغيرها. وأعرب فرح عن اعتقاده بضرورة تركيز مصر على مزاياها التنافسية، مثل موقعها ومواردها الطبيعية واتصالاتها بالأسواق العربية والأفريقية. وشدّد على أهمية اختيار المكان المناسب والصناعة المناسبة. ولاحظ أن مصر بإمكانها منافسة الهند والصين في قطاع الصناعات الكثيفة العمالة، ما يخفف من مشكلة البطالة. ونبّه إلى أن المنافسة في قطاع التقنيات العالية تتطلب تخطيطاً دقيقاً، إضافة إلى توافر رأس المال البشري والبنية التحتية والاستقرار السياسي والتمويل وتقديم التسهيلات الحكومية والشراكة الحكومية مع القطاع الخاص. وذكر أن مُجمّعات التقنية بمونتريال أُعِدّت لتنافس الولاياتالمتحدة وأوروبا على جذب العقول المهاجرة إلى الشمال، وليس لمنافسة الصين والهند على جذب الصناعات التقليدية كثيفة العمالة. وأوضح أن خريجي جامعة ماكغيل أُعدّوا ليكونوا سفراء لها، ما يدلّ على أهمية التخطيط. وركّز على الأهمية الجوهرية لعاملي الأمن والاستقرار السياسي، ملاحظاً أن شركة «إريكسون» السويدية فضّلت مونتريال على «دالاس» الأميركية لفرعها في شمال أميركا لأن مواطناً سويسرياً قُتل في دالاس قبل اتخاذ القرار بأيام عدّة. واستشهد بتجربة سنغافورة التي بدأت من الصفر، وباتت مركزاً مالياً رئيساً فى جنوب شرق آسيا راهناً، ما يدل على تدني أهمية الموارد الطبيعة في القطاعات التكنولوجية. واختُتم الاجتماع بتصريح محمد وهبة رئيس «اتحاد الدارسين المصريين في أميركا الشمالية» بأن الاجتماع المقبل سوف يكون منتدى علمياً تعرض فيه كوكبة من الباحثين المصريين في الخارج والعلماء المغتربين آراءهم حول كيفية تطبيق أبحاثهم والاستفادة من خبراتهم لحل مشاكل مصر في العلوم والتكنولوجيا.