بدء التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ بسفارات مصر بالسعودية والكويت والأردن    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    توقيع بروتوكول تعاون بين الجمارك والغرفة التجارية بالقاهرة لتيسير الإجراءات الجمركية    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    الدفاع الروسية: اعتراض وتدمير 112 طائرة مسيرة أوكرانية    مواعيد مباريات السبت 2 أغسطس 2025.. البدري ضد كهربا وافتتاح أمم إفريقيا للمحليين    مواعيد مباريات اليوم السبت 2- 8- 2025 والقنوات الناقلة    ماسكيرانو: نحلم باستمرار ميسي مع إنتر ميامي.. والقرار بيده    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    الرئيس البرازيلي: نستعد للرد على الرسوم الجمركية الأمريكية    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    مصطفى عبده يكتب: خيانة مكتملة الأركان    ذات يوم.. 02 أغسطس 1990.. اتصالات هاتفية بالرئيس مبارك والملكين فهد وحسين لإبلاغهم بمفاجأة احتلال العراق للكويت ومحاولات الاتصال بصدام حسين تفشل بحجة «التليفون بعيد عنه»    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    استقرار أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 2 أغسطس 2025    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    يحيى عطية الله يعود إلى الوداد بعد موافقة سوتشي الروسي    «مياه الإسكندرية» تنهي استعداداتها لتأمين انتخابات مجلس الشيوخ    الطقس اليوم السبت 2-8-2025.. أجواء حارة ورطبة نهارًا على أغلب الأنحاء    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أخبار مصر: مفاجأة بمنزل البلوجر أم مكة، وفاة غامضة لعم أنغام، ترامب يهدد بوتين ب"النووي"، مأساة في زفة عريس بكفر الشيخ    وفاة عم أنغام .. وشقيقه: الوفاة طبيعية ولا توجد شبهة جنائية    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا عن مجلس الشيوخ.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 26.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    أسعار السبائك الذهبية اليوم السبت 2-8-2025 بعد الارتفاع القياسي العالمي    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    "تيسلا" مطالبة ب 242 مليون دولار كتعويض عن حادث مميت    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    الأجهزة الأمنية تداهم منزل البلوجر «أم مكة» في شبرا الخيمة وتتحفظ على معدات التصوير    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. قائمة الكليات المتاحة لعلمي علوم ورياضة ومؤشرات الحد الأدنى    جريمة تهز سيوة.. مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة وإصابة ابنهم    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«رمضان كريم» حل سحري للعصبية
نشر في أخبار مصر يوم 17 - 09 - 2008

«رمضان كريم».. كلمة لها وقع السحر خاصة في ساعة ما قبل الإفطار العصيبة، حيث يتسابق الجميع للحاق بموعد الإفطار وسط لمة الأهل والأصدقاء.
تتعدد صور هذا السباق وتأخذ مناحي شتى.. في الشارع، في المواصلات العامة، في المحال، في أماكن العمل، بعضها طريف، وبعضها الآخر، يتسم بالعصبية وضيق الصدر، ويتحول أحيانا إلى شجار بلا داع ، تتناثر في غباره بهجة الصوم، وحكمته في ترويض النفس وكبح جماحها عن الملذات الحياتية البسيطة. «يا أخي الناس هي الناس، لا أحد يراعي وقار وعظمة هذا الشهر الكريم» .. وحين سألته لكنك عصبي قليلا، استجمع هدوءه المضطرب «أنا مش عصبي هو اللي غلطان.. أنا ماشي في طريقي وفجأة نط أمامي، منحرفا من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال بدون أن يعطي إشارة بذلك ..الحمد الله ربنا ستر مجرد خبطة بسيطة في الفانوس الخلفي».. وفي لحظة انفض الشجار بعناق الرجلين وتبادل كلمات الاعتذار مشفوعة بعبارة «رمضان كريم».
في المترو وقبل ساعتين من الإفطار، حيث ذروة الزحام، ينسخ المشهد نفسه بإيقاعات متتالية، تبدأ عادة بإيماءات مقتضبة ونافرة من الوجه تعبيرا عن الغضب أو الضيق، ثم يعقبها أحيانا تبادل كلمات توحي بالعتاب أو النصح، وتحت وطأة الإحساس بالعطش والجوع سرعان ما تتحول هذه الكلمات إلى تراشق بألفاظ مستهجنة، تصل إلى التلويح بمد الأيدي، والاتهام بقلة الأدب والذوق، وعدم مراعاة الأصول .. وهلم جرا، لكنها على عكس الأيام العادية سرعان ما تنفض، وكأنها زوبعة في فنجان، والفضل أولا وأخيرا يرجع للشهر الفضيل، فالكل يستهجن مثل هذه المشاهد في الشهر الكريم، ويسعى إلى إخمادها في الحال باعتبارها سلوكا خاطئا لا يليق بالصائم .
لكن محمد وهو مثقف وله رؤية خاصة يقول «ورثنا عن طفولتنا، وربما بحكم الأعراف والتقاليد والتراث الشعبي أن الشياطين تُقيَّد بالسلاسل في شهر رمضان .. مازال هذا الإرث يقفز إلى ذهني، كلما حل رمضان، ومع ذلك صعب أن أتحكم في أعصابي، خاصة في هذه الدقائق الثقيلة جدا قبل الإفطار، وإحساسك بأن رشفات الشاي ورائحة الشوربة تكاد تنزلق على شفتيك، أصعب شيء في الصيام هذه الدقائق، إنها تمر وكأنها دهر..
أترك محمد إلى مشهد آخر قبل ساعة الإفطار: ( نهار خارجي ) حافلة نقل عام مزدحمة كالعادة بالركاب.المحصل يصيح، والسائق تبدو عليه علامات الضجر. على الجانب الآخر، يفز السائق منتفضا من مقعده ياناس وسعوا واتحملوا بعض فيه كراسي فاضية هناك .. يضحك أحد الركاب: نعم فيه كراسي فاضية في دماغي: ( قطع ) الرجل المسن للشاب الجالس خلفه: من فضلك اقفل الشباك... بعد هنيهة من فضلك اقفله وداني تعباني. الشاب: «أنا واربته .. الأتوبيس خانقة ..مش قادر اتنفس». المحصل يعاود صياحه، والسائق لامرأة شابة: «ما ينفعش أقف هنا .. ممنوع يا ستي»..الست بغضب شديد: «انت معندكش دم ، يا أخي راعي إني واحدة ست وفاضل ساعة على الفطار عاوزه أعمل لقمة لأولادي».. السائق: وعجلة القيادة بدأت تهتز في يده: «ومش هنزلك إلا في المكان اللي أنا عايزه» .. ( قطع ) همهمة تسود الركاب، وأصوات تعلو وتخفت: هيه إللي غلطانه. لا السوّاق لازم يراعي، الناس صايمة، وروحها في حلقها.. (قطع) الراجل المسن يقف بعصبية موجها سيلا من الشتائم للشاب.. لحظة وتنزل المرأة الشابة.. لحظة، ويتكهرب الجو، وكلمة من هنا، على كلمة من هناك. تنضبط عجلة القيادة في يد السائق، ويفتح الشاب الشباك، ويصيح المحصل: رمضان كريم. اللهم ارحمنا برحمتك، وسع يا أستاذ لأخيك المواطن. تعلق إمرأة عجوز لجارتها: « يا أختي الدنيا حر وفي ساعة البطون تتوه العقول .. الجوع كافر».
خناقات المصريين التي تتحول إلى طرفة في الشهر الكريم على أبسط وأتفه الأشياء يفسرها أحد الأصدقاء الباحثين في علم الاجتماع ، بفكرة الحرمان ويقول: إنه على الرغم من أن الحرمان هنا مؤقت وعابر ومقنن بحكم الوازع الديني إلا أنه يزيد من الرغبة في الاستحواذ على الشيء المحروم منه، وتتكثف هذه الرغبة كلما اقترب ميقات الاستحواذ والإشباع، فالصائم عند هذا الحد يكون مشدودا بكل حواسه إلى الطعام والشراب، وأي شيء يفسد أو يعطل إشباعه لهذه الرغبة، والتفكير فيها يحوله إلى كائن عصبي، شديد الانفعال، وكثيرا ما يصعب أن يسيطر على نفسه، بخاصة في المواقف الحرجة التي تحتاج إلى سعة صدر وحنكة في التعامل .
يبرر شهاب وهو أخصائي نظارات طبية عصبيته المفرطة في شهر رمضان قائلا: اخترت الشهرغير المناسب للإقلاع عن التدخين. أمس تشاجرت مع زبون بلا داع، وأحسست بالغضب الشديد من نفسي، وأول أمس تشاجرت مع سائق تاكسي طيب، أراد أن يختصر الزحام المعتاد قبل ساعة الإفطار بالدخول من طرق جانبية، فاتهمته ظلما بأنه يريد تطويل المشوار، حتى يزايد في الأجرة، وحين سألته بعد أن أوصلني للبيت: كم الحساب فاجأني بقوله «اللي تجيبه سيادتك» وحين أعطيته الأجرة أخذها بنفس راضية، وودعني قائلا: «مع السلامة .. رمضان كريم كل سنة وأنت طيب».
وحين سألته: هل ستقلع نهائيا عن التدخين، قال لا أكذب عليك ففي كل رمضان أعلن ذلك، لكنني بعد أسبوع أو أسبوعين أعود بالتدريج كالطفل إلى السيجارة اللعينة. المسألة تحتاج إلى إرادة من نوع آخر، لا أعرف كيف أمتلكها، مع إن رمضان يوفر مناخا صالحا للكف عن هذه العادة السيئة.
على مقربة من محل شهاب يقف بائع عرقسوس شاب، لكن لصوته رنّة جميلة «العرقسوس .. بلِ ريقك يا صايم» .. قالها بزيه المزركش اللافت وهو يمد أحرف الكلمة الأخيرة، كأنها موال شعبي ينساب في إيقاع متواتر، ثم أردف بندائه الشهير «شفا وخميرة يا عرقسوس». لكن سرعان ما انقلب الحال إلى مشاجرة مع أحد الزبائن حول الأسعار: « يا راجل اتقي الله دول باتنين جنيه ؟!»..« ياعم الدنيا غِلت. إنت مش عايش في الدنيا ولا إيه».. « إديني شويه المدفع هيضرب» ..« أنا متوصي بيك». وعلى أنغام الصَّاجات دبت مشاجرة بينهما، كادت تتحول إلى معركة حقيقية لولا تدخل أحد رجال الشرطة الذي تصادف مروره بالمكان.. وباسم الشهر المفترج قبّل البائع المزركش رأس الزبون، رافضا أن يتقاضى ثمن العرقسوس ..« والله دول هدية مني ليك .. بالهنا والشفا.. حصل خير .. رمضان كريم».
تعلق سميحة، صحافية بإحدى المجلات الأسبوعية على هذا المشهد بمزحة ساخرة قائلة: أصل الراجل باع له«العِرق» وساب «السوس». الجو حر ، وسلوكياتنا متلخبطة .. صدقني «القناعة كنز لا يفنى» حكمة جميلة لو كل واحد حطها في دماغه كانت أحوالنا دائما للأحسن. في موائد الرحمن أنا باشوف ناس غلابة بيتمسمروا في الكراسي قبل موعد الإفطار بساعتين، حتى يضمنوا لقمة طيبة تبل الريق، بعد الكد والكدح طوال اليوم..
الناس طيبون بطبيعتهم، والمصري دمه خفيف ابن نكتة، لديه القدرة على السخرية من أي شيء، وتحويلها في لحظات الشدة إلى سلاح للهدم والبناء، حتى لو صام وفطر على بصلة .. فالمهم كرامته.
خناقات المصريين الرمضانية تتجدد كل يوم بإيقاع مختلف لكنها تحت مظلة «رمضان كريم» تظل في حيز خفة الروح والظل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.