انتخابات الشيوخ 2025.. التنسيقية: لجان الاقتراع في نيوزيلاندا تغلق أبوابها    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    «الاتصالات» تطلق مسابقة «Digitopia» لدعم الإبداع واكتشاف الموهوبين    روسيا: تحرير بلدة "ألكساندرو كالينوفو" في دونيتسك والقضاء على 205 مسلحين أوكرانيين    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    الكوري سون يعلن نهاية مسيرته مع توتنهام الإنجليزي    تفاصيل القبض على سوزي الأردنية وحبس أم سجدة.. فيديو    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب ميكروباص بطريق "بلبيس - السلام" بالشرقية    «تيشيرتات في الجو».. عمرو دياب يفاجئ جمهور حفله: اختراع جديد لأحمد عصام (فيديو)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت 26 مليونا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يوما    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    مبابي: حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    "قول للزمان أرجع يا زمان".. الصفاقسي يمهد لصفقة علي معلول ب "13 ثانية"    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    رئيس جامعة بنها يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري المراكز والوحدات    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    الثقافة تطلق الدورة الخامسة من مهرجان "صيف بلدنا" برأس البر.. صور    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    مشاجرة بين عمال محال تجارية بشرق سوهاج.. والمحافظ يتخذ إجراءات رادعة    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواطنة الإلكترونية‏..‏ خضوع الثقافة للتكنولوجيا


الأهرام: 1/9/2008
مثل غيرنا في كل أنحاء العالم نحن مفتونون بثورة الاتصال‏.‏ نتحدث عنها بإعجاب شديد‏,‏ ولم نعرف بعد كيف نصل إلي المدي النهائي للاستفادة منها‏.‏ سمحنا لها بتغيير اشياء كثيرة في حياتنا‏.‏ لكن هذا الإعجاب لا ينبغي ان يخفي عنا حقيقة المشكلات التي تصاحبها‏.‏ صحيح أن تلك المشكلات لن تمنع انتشارها ولن تقلل من استخدامها‏.‏ ولكن المعرفة بها اصبحت ضرورة‏.‏ فتكنولوجيا الاتصال الحديثة تخفي تحت ردائها المبهر مشكلات لا تظهر إلا حينما تصبح وسائلها جزءا من الواقع الاجتماعي والثقافي اليومي‏.‏
فالإنسان الذي أوجد التكنولوجيا يمكن أن يصبح أسيرا لها‏,‏ تؤثر في نمط حياته وأساليب معيشته بل وثقافته العامة ورؤيته للعالم من حوله‏.‏ وبصرف النظر عن الجدل حول العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا وأيهما اكثر تأثيرا في الآخر‏,‏ فإن هناك ظواهر تشير إلي أن تكنولوجيا الاتصال اصبحت عاملا مؤثرا في الثقافة السائدة إن لم تكن في بعض الأحيان عاملا حاسما‏.‏
ربما كانت اللغة هي الضحية الأولي لتكنولوجيا الاتصال الجديدة‏.‏ فاللغة التي يستخدمها الشباب اليوم عبر الانترنت ورسائل الموبايل ظهرت بتأثير الوسائل التي يستخدمونها في نقل الرسائل‏.‏ أي أنها ناتج تكنولوجي فرضته وسائل الاتصال الالكتروني‏.‏ ولم تظهر نتيجة العوامل التي أدت إلي تطور اللغة ذاتها في العصور السابقة‏.‏ ولعل التأليف الموسيقي الشائع الآن باستخدام الحواسب الآلية يعطي مثالا آخر للابداع الذي تعرض لتهديد تكنولوجيا الاتصال الجديدة‏.‏
فالاتصال الالكتروني يهدد علي المدي البعيد كثيرا من العمليات الإبداعية التي سادت عصور الاتصال السابقة ومنها الكتابة الإبداعية‏.‏ فمع اختزال اللغة وخضوعها لقدرات وسائل الاتصال الجديدة ستفقد اللغة شيئا من وظائفها وتختفي كثير من الفنون الأدبية التي تعتمد عليها‏.‏ هنا تصبح اللغة ناتجا تكنولوجيا بدلا من أن تكون إبداعا إنسانيا لجماعات مختلفة تثري الحياة الانسانية بتنوعها‏.‏ وليس من المستبعد أن تفرض تكنولوجيا الاتصال حدود اللغة وعدد مفرداتها وتحدد دلالات ألفاظها‏.‏ منذ ثلاثة عقود كان عدد المفردات اللغوية المستخدمة في المحادثات التليفونية حسب الدراسات الغربية نحو‏5000‏ مفردة‏.‏ هبط هذا الرقم إلي نحو‏1800‏ في رسائل الاتصال الالكتروني‏.‏ وهبط متوسط عدد المفردات اللغوية المستخدمة في تأليف الروايات من‏10.000‏ مفردة إلي نحو‏3500‏ مفردة في الأعمال الأدبية المنشورة إلكترونيا‏.‏
ومنذ ثلاثين عاما ساد لدي البعض اعتقاد بأنه مع التحول نحو البث الالكتروني للمعلومات ستصبح مهمة الإعلام أيسر كثيرا وسيوجد جيل أكثر معرفة من جيل وسائل الإعلام التقليدية غير أن الحقيقة هي أن عصر المعلومات جاء بجيل أقل اهتماما وأقل معرفة كما يقول تقرير مجموعة تايمز ميرو‏.‏
في ستينيات القرن الماضي أطلق العالم الكندي مارشال ماكلوهان صيحته المعروفة بالقرية العالمية‏.‏ تنبأ الرجل بأن التطورات في تكنولوجيا الاتصال سوف تحيل العالم كله إلي قرية صغيرة تتردد في أرجائها المعلومات في وقت واحد‏.‏ غير ان الواقع الجديد وإن كان قد حقق تلك النبوءة‏,‏ فإنه جاء مخيبا لكل الآمال التي أحاطت بشعار القرية العالمية‏.‏ فالسنوات العشرون الماضية تؤكد أن تكنولوجيا الاتصال لم تجعل من العالم قرية واحدة بل إنها أعادت تقسيم العالم إلي مئات من القري المنعزلة‏.‏ ولم تكتف تكنولوجيا الاتصال بتقسيم العالم وإنما قسمت الدولة الواحدة إلي مجموعة من القري المنعزلة أيضا‏.‏ فالدور الذي كانت تقوم به وسائل الإعلام من قبل في تحديد أولويات الاهتمام وجمع الجمهور حول أهداف واحدة وتحقيق إجماع الأمة اصبح اليوم محل شك‏.‏
هذا التقسيم الجديد الذي جاءت به ثورة الاتصال لا يستند إلي أسس المواطنة التقليدية جغرافية ترابية أو حتي عرقية‏.‏ وإنما يرتكز علي أساس جديد له مغزاه في حياة الإنسان‏.‏ فالتقسيم يتم اليوم استنادا إلي رغبات الانسان الفرد واهتماماته الشخصية‏.‏ فقد قسمت وسائل الإعلام الجديدة البشر علي أساس ما يرغبون في مشاهدته أو متابعته بصرف النظر عن ثقافتهم أو أماكن وجودهم‏.‏ هذه الظاهرة أوضح ما تكون الآن في مجالات الرياضة والموسيقي والترفيه‏.‏ فقد اصبح للأندية الأوروبية في كل أنحاء العالم مشجعون مهووسون بلاعبيها أكثر من اهتمامهم بأنديتهم المحلية‏.‏ هذه الظاهرة الوليدة دفعت ببعض علماء الاتصال إلي الحديث عن نوع جديد من المواطنة هي المواطنة التلفزيونية أو الإلكترونية‏.‏ وهي نبوءة تحتمل الصدق أو الكذب بدرجة واحدة نظرا لسيطرة الأساطير الثقافية بدلا من النظريات العلمية في تفسير العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا‏.‏ غير أن هناك ظواهر تستحق التأمل‏.‏ فحينما يقضي الفرد خمس أو ست ساعات يوميا في المتوسط العام يتجول بين مواقع الانترنت ويشاهد قنوات التليفزيون التي يشاهدها‏.‏
هذه المواقع وتلك القنوات تصبح روافد قادرة علي تشكيل ثقافة من يتعرض لها بصرف النظر عن الدولة والثقافة التي يعيش فعليا فيهما‏.‏ هي تصبح قادرة علي إحداث نوع من التجانس المعرفي والثقافي بين مشاهديها في الأرجنتين وروسيا والولايات المتحدة ومصر والهند والصين وفنلندا ونيجيريا مثلا حين تنتزع مشاهديها من ثقافتهم المحلية لحساب الثقافة التي تنشرها‏,‏ وتوجد بينهم روابط ثقافية أقوي من تلك التي تربطهم بثقافتهم المحلية‏.‏ ربما يري البعض في هذه الأقوال نوعا من المغالاة ولكن الحقيقة أن هناك شواهد علي هذه الظاهرة برغم أن عمر الانترنت والتلفزيون الفضائي قصير ولا يزال من الصعب تحديد تأثيراتهما الثقافية بشكل محدد‏.‏ ففي الصين واليابان مثلا اختفت كثير من القيم الثقافية الوطنية التقليدية لدي الذين يعتمدون أكثر في المعرفة والترفيه علي قنوات التليفزيون الغربية في حين انها لا تزال قائمة لدي الأكثر اعتمادا علي القنوات المحلية‏.‏
بل إن تصوراتهم عن العالم أقل تماثلا مع تصورات مواطنيهم وأكثر تماثلا مع تصورات المشاهدين لتلك القنوات في بلدان أخري مختلفة ثقافيا‏.‏ وعلي المستوي الوطني فإن التعدد الهائل في وسائل الاتصال ليس علي الدوام ظاهرة صحية فهي تؤدي إلي تجزئة اهتمامات الجمهور وتقطع أواصر علاقات أقامتها النظم الاجتماعية والتعليمية والثقافية بين مواطني كل دولة مما يولد المزيد من الاحساس بالاغتراب والمزيد من عدم الثقة بالحكومات والمؤسسات الأخري التي تحتاج إلي قدر لازم من الإجماع لتكون أكثر فاعلية‏.‏ ولست أجادل في حقيقة أن التعددية في الآراء التي تحملها وسائل الإعلام ضرورة لكل المجتمعات‏.‏ ولكن حين تفتقر تلك المجتمعات إلي الحد الأدني من الاجماع بشأن منظومة من القيم والمفاهيم والقضايا‏,‏ وحين تظل المواطنة مفهوما غائبا في بعض جوانبه أو غير ناضج بالقدر الكافي فإن تلك التعددية لن تكون ظاهرة صحية في كل جوانبها‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.