لم يقتصر الغلاء الذي يجتاح قطر حاليا على الكماليات أو السلع والبضائع الثمينة التي لم يكن ليجرؤ على الإقتراب منها بأي حال ، سوى أصحاب الدخول التي تناطح أبراج الدوحة على إرتفاعاتها الشاهقة ، وإنما تعدى الأمر الى أن يطال هذا الغلاء كل شيء.. نعم كل شيء.. من العقارات والإيجارات.. الى السلع الثمينة والزهيدة أيضا ، حتى "حبة الفلافل".. الأكلة الشعبية الشهيرة لم تسلم منه. أصبحت "حبة الفلافل" على بساطتها وضآلة فوائدها الصحية ، أصبحت ربما صعبة المنال بالنسبة للكثيرين من أصحاب الدخول "المهترئة" الذين إعتادوا ملء بطونهم ب "الفلافل" دون أن يتحسسوا ما تبقى في جيوبهم من نقود أو دون أن تشعر جيوبهم ذاتها ب "الألم". لقد بات يتحتم على من يبحث عن "الفلافل" ، دفع "ريال كامل" للحصول على حبة واحده من هذه الأكلة الشعبية أو حبتين في أحسن الأحوال وذلك بعد أن كان الريال يساول "خمس حبات فلافل" في الأمس القريب. إذا كانت "حبة الفلافل".. آخر القلاع الحصينة والعصية على إرتفاع الأسعار لفترة طويلة بسبب رخص أسعار المواد الداخلة في صناعتها ، قد طالها "الإعصار" أخيرا.. إعصار الإرتفاع فإن ذلك يؤشر بالفعل على مدى فداحة المستوى الذي بلغته أسعار السلع والبضائع في السوق المحلي القطري. ومن شدة أثرها وتداعياتها السلبية المباشرة ولجت ظاهرة إرتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي مبنى مجلس الشورى الذي ناقشها غير مرة خلال الأشهر القليلة الفائتة بحضور يوسف حسين كمال وزير المالية وزير الإقتصاد والتجارة بالإنابة. تدني الدخول شريحة كبيرة من المستهلكين في قطر أصبحت تعيش "ضائقة مالية" بسبب الإرتفاع المتصاعد لأسعار معظم السلع والمواد الأساسية في السوق المحلي ، وخصوصا المستهلكين الذين تتدنى معدلات دخولهم بشكل كبير ولا تكاد تكفي لدفعها كإيجارات للمساكن التي يشغلونها والتي سجلت إرتفاعات قياسية غير مسبوقة خلال الفترة الفائتة تجاوزت نسبتها في كثير من الحالات %350 بحسب معطيات السوق وخبراء عقاريين. وكشفت دراسة حديثة أجراها "بيت دوت كوم" ، وهو موقع إلكتروني للتوظيف يتخذ من دبي مقرا له ، عن أن أكثر من نصف المقيمين في دولة قطر (51%) يخصصون %30 من رواتبهم الشهرية لتسديد الإيجارات السكنية ، ما يعكس الإتجاه الصعودي لسوق السكن في السوق المحلي. وتبلغ نسبة التضخم في قطر حاليا 13,7% حسب أرقام رسمية صادرة عن جهاز الإحصاء القطري ، في حين كانت هذه النسبة بحدود %12 في عام 2006 ، بينما لم تكن تزيد عن 9% في عام 2005 ، و6% في عام ,2004 وتتأثر نسبة التضخم في قطر بإرتفاع تكاليف المعيشة وإستمرار ضعف الدولار أمام عملات رئيسية مثل اليورو والين والإسترليني ، ما يشكل ضغوطا تضخمية مع إرتفاع أسعار الورادات وسعر صرف الريال القطري الذي يرتبط بعلاقة ثابتة مع الدولار وهو العملة الرئيسية لمعظم الصادارات القطرية ، عدا عن أن بعض الواردات القادمة من الإتحاد الأوروبي مقومة باليورو ، ما يجعلها أكثر غلاء خلال فترات ضعف الدولار كما هو حاصل في الوقت الراهن. ويقول بنك كريدي أجريكول الفرنسي في تقرير حديث إن قطر تحصل على نحو %50 من وارداتها من منطقة اليورو. وأدى ضعف الدولار الى أن يفقد نحو %50 من قيمته على مدى السنوات الأربعة الفائتة. ارتفاع الاسعار...جنوني،؟ ويعتبر معدل دخل المواطن القطري من أعلى معدلات الدخول في العالم ، حيث يقترب في الوقت الراهن من نحو 62 الف دولار سنويا بحسب تقارير رسمية صادرة عن البنك الدولي ، في حين لم يكن يزيد عن 35 الف دولار قبل بضع سنوات. ولا يتورع العديد من المواطنين والمقيمين على حد سواء من وصف إرتفاع أسعار السلع والبضائع في السوق القطري ب "الجنوني" ، في حين يعتقد بعضهم أن معدل إرتفاع الأسعار تجاوز الضعف لمعظم المنتجات والخدمات التي يحصلون عليها. ويشكو مستهلكون مر الشكوى من عدم مقدرتهم على مجاراة الأسعار المتصاعدة بقوة في السوق المحلي القطري ، مؤكدين أنها لا تتناسب مع مستويات دخولهم. محمد القاسم 55( عاما) واحد من هؤلاء ، يقول "الجيوب الخاوية تستغيث ، والتجار لا يراعون ذلك ، ولا يفكرون بأحوال شريحة كبيرة من الناس ، لأن ذلك لا يعنيهيم من قريب أو بعيد ، فيقومون برفع الأسعار كما يحلو لهم بين فترة وأخرى بشكل كبير وغير مبرر ودون وازع من ضمير". وبالنسبة الى حسن العلي 45( عاما) وهو مقيم في قطر منذ تسعة أعوام ، فإن الإرتفاع الكبير في أسعار السلع في قطر أرغمه على التوجه الى أسواق دول مجاورة بحثا عن أسعار في متناول دخله ولا تحتمل أي مغالاة. وأكثر ما يلفت إنتباه علي العرقان 46( عاما) في موجة إرتفاع الأسعار التي تشهدها قطر ، هو إرتفاع أسعار اللحوم التي قال إنها أصبحت "تحلق على إرتفاعات شاهقة" ، وأضاف "وداعا للحوم". وتابع العرقان قوله إن الأسعار في قطر لم تعد تتناسب بأي شكل من الأشكال مع المستويات العامة للأجور والرواتب ، لقد أكل إرتفاع الأسعار الأخضر واليابس. ويترحم عبد الله العليان 51( عاما) الذي يقيم في قطر منذ أكثر من 18 عاما على الأيام التي كان فيها كل شيء يباع بثمن بخس ، يقول "سقى الله على تلك الأيام". وقال خالد العزب 50( عاما) إن الأسعار في السوق القطري نار ، خصوصا المواد الغذائية والإستهلاكية ، إنني لا أستطيع مجاراتها ، أنا ذاهب الى دبي لشراء إحتياجاتي". العقارات:ضاقت الارض،، القفزة الكبيرة للأسعار التي تجابه قطر حاليا ، عدا عن تمدد العقارات التجارية الضخمة على حساب الأبنية السكنية ، جعل حال المستأجرين في البلاد كمن "ضاقت عليهم الأرض بما رحبت" ، فوجدت شريحة كبيرة من ذوي الدخل المتوسط والمحدود كافة الأبواب موصدة أمامها ، لتضطر تحت وطأة تكاليف الحياة المعيشية الجديدة الباهظة الى إعادة أسرها وعائلاتها الى بلادهم. أحمد أبوجودة 44( عاما) مقيم يعمل مهندسا في قطر منذ عام 1989 ، إضطر الى إعادة أسرته بعد أن قفزت أجرة الشقة التي كان يسكنها من الفي ريال (549,4 دولار) الى 7 آلاف ريال 1923( دولار) مرة واحدة. أبوجودة الذي يتقاضى راتبا لا يزيد على 10 آلاف ريال (2747,2 دولار) دولار ، لجأ الى أصدقاء له مروا بنفس التجربة ليقيم معهم مقابل 1500 ريال 412( دولار). يقول "مدينة الدوحة لن تكون لنا بعد اليوم ، هذه المدينة التي أصبحت تجارية بإمتياز سترحب بالأثرياء فقط".