صناديق الخدمات الخاصة بالمحافظات وبعض الهيئات والجامعات.. قضية غامضة.. خارجة عن القانون والرقابة و"المواطنة".. فلا أحد يعرف موارد إيراداتها أو مصادر تمويلها أو أوجه الصرف من أموالها.. وهل الهدف منها دعم الخدمات والمرافق والمشروعات التنموية التي تخدم المواطنين.. أم تصرف مواردها في مجاملات التهاني والتعازي وتوزيع المكافآت علي المحاسيب من العاملين. الجهاز المركزي للمحاسبات انتقد تلك الصناديق في تقاريره.. راصداً مخالفات بالجملة فيها وسوء استخدام مواردها.. ومطالباً بضمها إلي الموازنة العامة للدولة لتشديد الرقابة عليها وتحقيق الهدف من انشائها. فالصناديق الخاصة تسجل مخالفات مالية بالجملة وهو ما رصده تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات العام الماضي والذي أكد وجود مخالفات مالية في صندوق الخدمات بمحافظة الاسماعيلية.. فاللوائح المالية والإدارية للمشروعات التابعة لحساب الصندوق تسمح بتوزيع الفائض المحقق في نهاية العام المالي مما أدي لحرمان إيرادات الحساب كامل الفائض المحقق. بالمخالفة لأحكام قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وتعديلاته وبلغت قيمة ما تم تحصيله من فوائض المشروعات عن العام المالي نحو 4 ملايين و67 ألفاً و100 جنيه فضلا عن عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيل مستحقات حساب صندوق الخدمات والتنمية المحلية مما أدي إلي تراكم المديونيات من عام إلي آخر. وبلغت قيمة ما أمكن حصره منها نحو 13 مليونا و805 آلاف و679 جنيها. وفي السويس كشف تقرير المجلس الشعبي المحلي عن وجود مخالفات مالية ومحاسبية جسيمة في الحسابات الختامية الواردة من المحافظة للعام المالي الماضي. من بينها مخالفات في صندوق الخدمات والتنمية المحلية. وعدم وجود بند استهلاك للأصول الثابتة. مما يعد مخالفة للقواعد الحسابية المتعارف عليها. والذي يظهر الفائض بشكل غير حقيقي ولا يعطي للميزانية مصداقية بالاضافة إلي عدم وجود حساب خاص للمقبوضات والمدفوعات. هذه المخالفات وغيرها أكدت ان هذه الصناديق تحتاج إلي رقابة خاصة وان الكلام عن استخدامها في الانفاق العشوائي وفي الهدايا والورود والعزاءات والتهاني.. أصبح أمراً مستفزا في الظروف الراهنة.. كما أثارت العديد من علامات الاستفهام حول قانونية صناديق الخدمات ومصادر تمويلها في الوقت الذي تزداد فيه الأعباء المالية علي المواطن المصري الأمر الذي يمثل ارهاقا لجيوب المواطنين وزيادة الأعباء عليها وعدم وجود قانون خاص بها يتيح جمع الأموال أو فرض الرسوم. الغريب ان هذه الأموال التي تدخل إلي صناديق الخدمات ليس لها قانونية واضحة بل هي مثار جدل وخلاف بين المسئولين منذ ان بدأت الصناديق في الظهور في بداية الثمانينيات لمواجهة تزايد العجز في الموازنة الذي بلغ وقتها 21% من الناتج المحلي الاجمالي. وجاءت فكرة تأسيس هذه الصناديق في المحافظات والجامعات والوزارات والهيئات لتقوم كل هيئة من خلال تلك الصناديق بأداء خدمات معينة مقابل رسوم لاتاحة موارد لهذه الهيئات وتقوم بالصرف منها علي الصيانة والحفاظ علي البنية الأساسية للمرافق بها.. ومن القرارات الغريبة التي تصدرها المحافظات فرض رسوم تبرع 500 جنيه علي أي مواطن يريد عمل فرح "لصالح صندوق خدمات المحافظة وبايصال" وكذا 500 جنيه ايضا لكل من يريد توصيل الكهرباء إلي منزله وغيرها من الرسوم الغريبة وكل ذلك غير دستوري ومخالف لمبدء "لا ضريبة بدون قانون". ففي محافظة الجيزة يتمتع صندوق الخدمات بالمحافظة بموارد مالية ضخمة من المحاجر الواقعة في المناطق الريفية لكن الصندوق لا يقدم الخدمات إلي أصحاب هذه القري أو المراكز التي تخرج منها كل هذه الخيرات. خدمات الصناديق الأمر لا يختلف كثيرا في محافظة السادس من أكتوبر الوليدة التي يدخل يوميا إلي صندوق الخدمات بها من المنطقة الاستثمارية والمنطقة الصناعية والمحاجر ايضا عشرات الآلاف من الجنيهات بالاضافة إلي الأسواق ومخالفات المباني والمواقف والسرفيس والجراجات الا ان أياً منها لا يذهب إلي ريف الجيزة المحروم من الخدمات تماما ويعاني من نقص شديد منها الأمر الذي دفع أعضاء مجلسي الشعب والشوري بها وعلي رأسهم رجب معوض حجازي ومصطفي سماح والمهندس حسني بدوي وتوفيق شقوير لتقديم طلبات عديدة إلي الدكتور فتحي سعد محافظ السادس من أكتوبر الجديد من أجل عمل كوبري علي الرياح البحيري بدلا من معديات الموت علي الرياح في قرية أبوغالب ووردان كذا توسعة طريق الموت المناشي الخطاطبة من موارد الصندوق الكبيرة جدا الا ان الطلبات لم تلق اي اهتمام.. هذا بالرغم من ان هذه القري الواقع في نطاقها الطريق والكوبري تدخل يوميا إلي صندوق الخدمات عشرات الآلاف من الجنيهات الا انها تخرج إلي الحبايب في القطاع المدني في السادس من أكتوبر والشيخ زايد أما الريف فهو محروم من كل أموال الصندوق والتي يقدرها البعض بمليار جنيه. يتشابه هذا إلي حد قريب مع القرار الغريب الذي اتخذه محافظ بني سويف بتخصيص ربع مليون جنيه من أجل بناء وتطوير مقر الحزب الوطني بالمحافظة مما أثار استياء الأحزاب الأخري خاصة وان المحافظ خصص هذا المبلغ من صندوق خدمات المحافظة.. في الوقت الذي تحتاج فيه القري والمراكز إلي خدمات أهم بكثير من تطوير مقر الحزب. دعم المشروعات محمود عامر - عضو مجلس الشعب - يقول: صناديق الخدمات أنشئت أصلا لدعم مشروعات التنمية وليس لاعطاء القروض للحبايب والمحاسيب علي حساب التنمية والمشروعات الخدمية لكن الذي يحدث الآن هو العكس تماما فأموالها تعتبر تحت امرة المحافظ أو السكرتير العام الذي يتحكم فيها حسب مزاجه. يضيف انشاء تلك الصناديق كان استثناء عن القاعدة الرئيسية وهي شمولية الموازنة العامة للدولة.. لكن تحولت الصناديق إلي قاعدة وتم التوسع في تأسيسها بعيدا عن أي رقابة ولم تعد وزارة المالية تعرف عن هذه الصناديق شيئا وأصبح المحافظ أو رئيس الهيئة التابع لها الصندوق يتحكم في موارده ونفقاته وخرجت موارد الصناديق ونفقاتها بعيداً عن اطار الموازنة العامة للدولة.. وفي النهاية لا تستفيد القري والمراكز من أي شيء منها. ويؤكد عبدالحميد السيد - عضو مجلس الشعب الأسبق - ان هذه الصناديق تحولت إلي بؤر للفساد تستخدم أموالها في اغداق المكافآت والحوافز علي قلة من العاملين دون غيرهم دون النظر إلي الجهد الذي يبذله العاملون نظرا لعدم وجود أي رقابة عليها ويطالب بضرورة وضع نظام يحول دون اساءة استخدام أموال هذه الصناديق ومنع الانحرافات فيها وهذا يحتاج إلي قيام وزارة المالية بمراقبة أنشطة هذه الصناديق وان يكون هناك شخص مسئول عنها مسئولية مباشرة أمام وزارة المالية أو أي جهة أخري. موارد ضخمة اللواء محمد هاني متولي - محافظ جنوبسيناء - من المحافظين النشطين الذين حصلوا لصندوق الخدمات بالمحافظة علي العديد من الموارد الضخمة وبالرغم من انه رئيس مجلس إدارة كل صناديق الخدمات إلا انه يرفض حتي تقاضي أي أموال كبدل جلسات ويوزع البدلات علي العمال وصغار الموظفين. يقول اللواء هاني متولي أموال الصندوق أمانة في رقبتي ولا يمكنني ان اتصرف فيها إلا في المكان الصحيح هذا بالرغم من المعيقات البيروقراطية وضعف الميزانية المخصصة للمحافظة من الموازنة العامة فنحن في جنوبسيناء ننفق كل شيء علي التطوير من أموال الصناديق. حرية الصناديق اللواء محمد شعراوي - محافظ البحيرة - يقول: هذه الصناديق يجب ان تتمتع بقدر من الحرية في نشاطها حتي تستطيع ان تقوم بأداء أهدافها وأنشطتها المختلفة بعيدا عن التعقيدات البيروقراطية وان تعمل بمفهوم وفكر يهدف إلي التطوير خاصة وان موازنة الدولة لا تتحمل أي أموال أو مساهمات في تمويلها بل تحصل الضرائب علي 6% من مواردها. يضيف يجب الاشراف عليها ومراقبة أنشطتها ومواردها ونفقاتها وحساباتها المالية والتأكد من انها تتم وفقا لقواعد واحتياجات الموازنة العامة وبعيدا عن الاسراف والبذخ وسوء الاستخدام من الأمور الهامة والجيدة لكن ليس معني ذلك ان تكون هناك مركزية في التصرف المالي بالنسبة للمحافظات. دور كبير اللواء محسن النعماني - محافظ سوهاج - يقول: صندوق الخدمات بالمحافظة أو أي محافظة أخري يؤدي دوراً كبيرا في دعم الإدارة المحلية وتقديم خدمات في مجال الاسكان وتحسين أحوال الصحة وتحسين الخدمة التعليمية. ودعم رغيف الخبز وفصل الانتاج عن التوزيع. وهناك قانون ولائحة تنظيمية تحكم عمل هذه الصناديق. ولدينا نص حاسم في هذه اللائحة يؤكد انه لا يجوز توزيع مكافآت من هذه الصناديق أو انفاق أي مبالغ خارج اطار التطوير. تطوير وتنمية ويؤكد اللواء محمد شوشة - محافظ شمال سيناء - ان للصناديق دوراً أساسياً في التطوير والتنمية فنحن نصرف منها علي كل شيء والميزانية تكبل المحافظين فليس بها أي بنود للانفاق اليومي لكن لها الأجهزة المركزية التي تنفق علي أساسها ووفق خطط وبرامج مركزية. يضيف يوميا نحتاج إلي مبالغ مالية كبيرة لتسيير العمل اليومي وهي من مصادر دخل المحافظة من المحاجر وغيرها لكن المشكلة في القرارات التي تمنع التصرف في أموال الغرامات والمخالفات خاصة الخبز إلا بعدما تدخل وزارة المالية أولاً وعندما نطلب أي أموال منها كمكافآت أو حوافز للعاملين المجتهدين بديلا من ان يحصلوا علي حوافز من أي طريق آخر نجد معيقات بسبب هذه القرارات. يضيف المحافظ ان النظافة تحتاج شهريا في العريش 250 ألف جنيه ونحصل فقط 50 ألفاً والباقي لابد منه وليس في الموازنة أي بند للنظافة لذا نحصل عليه من الصندوق هذا يحدث في الوقت الذي نقوم فيه بكافة الخدمات ولا نحصل حتي علي أموال من ايجار الكافتيريات أو المنافع علي البلاجات التي نقدم لها الخدمات خاصة في الصيف مثل النظافة وأعمال التأمين والغطاسين وكل هذه البنود ليس لها أي مخصصات في الميزانية. موارد غير رسمية بينما انتقد أحد المحافظين السابقين فكرة وأسلوب إدارة الصناديق مؤكدا ان موارد هذه الصناديق غير رسمية ورغم ذلك فان كل من يتبرع لصالح هذه الصناديق يهدف إلي استخدام هذا التبرع في مجاله. بمعني ان وزير الثقافة عندما يخصص نسبة من قيمة تذاكر المتاحف. فان العائد يستخدم في تطوير المناطق الأثرية ومداخلها ومخارجها. وبالمثل عندما يتبرع وزير السياحة بمبلغ للصندوق يتم استخدامه في انشاء الكباري ورصف الطرق وتجميل مخارج ومداخل المحافظة وتطوير المراسي النيلية وأعمال التجميل ومشروعات التشجير والنظافة العامة أو في استكمال المشروعات التي تقوم بها الدولة. يشاركه الرأي مسئول كبير آخر سابق والذي يؤكد ان أموال هذه الصناديق يتم استغلالها بشكل سييء حيث يقوم المسئولون عنها بانفاق مواردها علي تجديد مكاتبهم وتغيير ديكوراتها والاحتفالات والمهرجانات والدعاية ومنح المكافآت والحوافز للمقربين من العمال والموظفين اليهم وبذلك تخرج هذه الصناديق عن دورها والهدف من انشائها. حتي ان أموال هذه الصناديق أصبحت وسيلة المسئول لمجاملة بعض العاملين علي حساب البعض الآخر عن طريق توزيع مكافآت وحوافز دون أي قواعد محاسبية أو مالية. رقابة المالية ويطالب بضرورة اخضاع جميع الصناديق الخاصة والوحدات ذات الطبيعة الخاصة لرقابة وزارة المالية أو أي جهة أخري ووضع لوائح صارمة علي الإيرادات والمصروفات وربط هذه الصناديق بالموازنة العامة للدولة حتي تصبح موردا اضافية يساعد في تمويل الخزانة وتقليل العجز في الموازنة مشيرا إلي أن عدد هذه الصناديق يتجاوز ألف صندوق وتتجاوز مواردها خمسة مليارات جنيه يتم انفاقها بشكل سييء خارج إطار الموازنة.