الأهرام: 24/8/2008 الحريق المدمر الذي شب في مجلس الشوري يشير إلي وجود أزمة حقيقية في كيفية أو كفاءة التعامل مع الحرائق.. والقضية جادة وخطيرة, فالمسألة ليست مجرد إطفاء ألسنة نيران مشتعلة.. ففي لحظة من اللحظات وقت الحريق كانت هيبة الدولة والبلد كله علي المحك.. تصور أن هذا كله يعتمد علي فرد المطافئ الذي اعتدنا علي التعامل معه بكل استهانة ونتجاهل كل احتياجاته؟ (1) أسوأ ما في موضوع حريق الشوري أن الوقائع كلها جرت في ميدان التحرير, بقلب القاهرة العامرة, وهذا ليس مكانا نائيا أو قرية مجهولة يتعذر الوصول إليها, فكل ما حدث جري علي الهواء مباشرة وتناقلته الفضائيات. في البداية, هل من حق أي جهة في مصر أن تدعي أنها جهة سيادية, وأن لها الحق المطلق في أن تتعامل مع الحريق بإمكاناتها الخاصة, وأن ترفض أي مساعدات من خارجها؟.. بالطبع مثل هذا المنطق, هو منطق أعوج ولا يستقيم.. ففي البدايات دائما يسهل السيطرة علي النيران, أما إذا استشرت وضربت النيران بجذورها في المبني, فلن يكون من اليسير أبدا إخمادها.. وثانيا, أن أي مبني, أيا كان, وبالذات المباني الخاصة بالمجالس النيابية والشعبية والوزارات والهيئات وغيرها, هي ملك للمصريين جميعا. فمن حقهم جميعا المشاركة في إطفاء أي حريق يتهدد أيا منها, بل ومن الضروري عند اللزوم حض الناس علي بذل الجهود للمعاونة في إخماد النار.. ولا يستقيم أبدا القول إن هذه المجالس هيئات سيادية تستبعد الناس العاديين, بل إن سياديتها نابعة من الناس وليست من فوقهم.. كذلك إن المبني عندما يتعرض لأي تلف, فلسوف تلجأ الدولة إلي الميزانية العامة لكي تمول أي إصلاح, وهذه الأموال تأتي من دافع الضرائب, أي من المواطن.. هذا فضلا عن أن المبني أصلا أقيم علي أرض ملك للناس, وبأموال الشعب, فمثل هذا الزعم هو كلام أجوف يخلو من أي حق.. وعلاوة علي كل هذا, إن مبني مثل مجلس الشوري عندما يتعرض لخطر, فإن المسألة تمس الأمة بكاملها. (2) علينا ألا ننسي أبدا أن التعامل مع كود الحرائق في مصر, هو تعامل بائس وتعيس.. وإذا أردنا أن نرصد عدد المنشآت والمصانع والهيئات الحيوية التي تخلو من أي تأمين ضد الحرائق, فإن السجل يصبح طويلا جدا, وهذا الكلام, كما ينطبق علي أحياء باب الشعرية, والسبتية, والمغربلين, وتحت الربع, ينطبق أيضا علي الأحياء الصناعية مثل شبرا الخيمة, بل وحتي العاشر من رمضان و6 أكتوبر. ففي أكثر من مناسبة, كانت تقارير مدينة العاشر من رمضان تتحدث عن خلو مصانع يمتلكها رجال أعمال ملء السمع والبصر من كل الاشتراطات اللازمة للتأمين ضد الحريق, بل إن بعضها حتي ليست لديه رخصة بالعمل, وأن حالة تجاهل شبه تام لاشتراطات الدفاع المدني تسود في أغلب المصانع. والسؤال الذي يفرض نفسه, هو: كيف يطمئن رجال الأعمال هؤلاء علي استثماراتهم, وهي بالملايين, دون تأمين علي المنشآت الصناعية؟.. في حين أن احتمال الحرائق أمر عادي جدا, سواء كان الحريق محدودا أو كبيرا. أم أن هذه المنشآت تحظي بمظلة التأمين بالرغم من افتقارها لأبسط اشتراطات الأمان؟.. وهذا لا يعني إلا أن هناك فسادا واضحا لو كان ذلك صحيحا! (3) أين هي التدريبات المتكررة التي تجريها كل مؤسسة, وهيئة, ومدرسة, وجامعة.. إلخ, علي: كيف سيتصرف العاملون والتلاميذ والطلبة والناس جميعا عندما يحدث حريق؟.. كيف سيتم إخلاء المبني؟.. ومن الذي سيخرج أولا ومن الذي سيخرج في الآخر؟.. وهل حنفيات الحريق تعمل؟.. وهل توجد خراطيم مياه سليمة أم أنها مثقوبة ومقطوعة؟.. وهل تناسب طبيعة المنشأة أو المصنع استخدام المياه في الإطفاء أم أنها في حاجة إلي مواد أخري مثل ثاني أكسيد الكربون؟.. وكم من الوقت تحتاج المؤسسة أو الهيئة لكي تكون في حالة استنفار ضد الحريق؟.. ثم وقبل كل هذا, هل يوجد في الهيئة أو المؤسسة أفراد لديهم القدرة وعندهم الخبرة الخاصة بالتعامل مع النيران؟ لقد اعتدنا في مصر علي أن يكون الناس الذين يتعاملون مع الحرائق, أشخاصا متواضعين محدودي القدرات والإمكانات ليست لديهم أي سلطة.. في حين أننا مثلا نجد أنهم في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية يعتبرون أفراد المطافئ أبطالا ومن أبرز شخصيات المجتمع وعندما يموت واحد منهم خلال مكافحة النار, فإن رئيس الدولة بذاته يحضر جنازته ويصطف المئات والآلاف من المواطنين لوداعه. هل لدينا شيء من ذلك؟.. كم يبلغ مرتب جندي المطافئ؟.. ما هي معلوماته؟.. ما هي خبراته؟.. ما هي علاوة الخطر التي يتقاضاها؟.. ما هي تدريباته؟.. هل أوفدناه إلي أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا ليتعلم شيئا جديدا؟.. المؤسف أن مكتب المطافئ في أي هيئة أو مؤسسة في مصر هو أقل المكاتب شأنا ونفوذا وسلطة, وعادة يعمل بها أقل الناس كفاءة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.