يوم جديد تنكس فيه اسرائيل اعلامها. انه 14 اغسطس مجدداً. مضى عامان على 33 يوماً من الاعتداءات الاسرائيلية الدموية والشرسة بحق كل بقعة من لبنان، من أقصاه الى اقصاه، اعتداءات لم توفر البشر والحجر. في 14 أغسطس 2006 تدافع النازحون للعودة إلى قراهم، إلى بيوتهم وأراضيهم، بعدما احتضنهم سكان بيروت والجبل والشمال وشرعوا لهم ابواب بيوتهم. عودتهم كانت عودة الانتصار بغض النظر عن هول القتل والمجازر ال57 وكل الدمار الذي لحق حتى بالتراب. بريق العيون مختلف، ما فيها ليس بقايا دموع حزن وخوف فيها احتفاء بالنصر الذي طال انتظاره وتحقق اخيراً. النصر تخضب بدماء 1300 من اللبنانيين، فيما تجاوز عدد الجرحى الخمسة الآلاف. جسور دمرت بلغ تعدادها 120 جسراً وعبارة. اكثر من 15 الف وحدة سكنية تهدمت. حصيلة الخسائر المادية بلغت 6،3 مليارات دولار، مع ذلك فشلت اسرائيل فشلاً ذريعاً في اعادة لبنان 20 عاماً الى الوراء كما زعمت لا بل من الممكن الجزم بأن جيشها «الاسطوري« عاد ادراجه 20 مرة الى الوراء. والاهم ان عودة الاسرى، وعلى رأسهم سمير القنطار، من السجون الاسرائيلية قد تحققت وبذلك سطر لبنان المشهد المحوري من انجازات حرب يوليو .2006 اما فيما يتعلق بالدمار، فقد شيدت مبان كثيرة خلال عامين وانحسرت آثار العدوان الى حد كبير حتى باتت شبه غائبة، وذلك بفضل مساعدات كثيرة قدمتها الدول العربية الصديقة التي اخذت على عاتقها اعادة اعمار جزء كبير من لبنان المهدم. ولكن بالطبع لن ينسى اللبنانيون تلك الحرب الغاشمة، التي بلغ فيها مجموع الغارات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على لبنان، ما يفوق 7000 غارة جوية، مستهدفاً 7000 هدف في لبنان، كما نفذت البوارج الحربية 2500 عملية قصف، وذكرت صحيفة (هاآرتس) ان مجموع القذائف التي القيت على لبنان 237 الف قذيفة. وارتكبت اسرائيل ما يزيد على 57 مجزرة بشرية في العديد من القرى والبلدات، من أبرزها مجازر قانا، صريفا، موكب نازحي مروحين، موكب نازحي مرجعيون. احتفاء بهزيمة إسرائيل في مناسبة 14 أغسطس، وجهت شخصيات سياسية بطاقة معايدة الى كل لبنان في عيد الانتصار على اسرائيل، فاعتبر رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص «ان هذه الذكرى مجيدة، اذ حقق لبنان فيها ما لم يتحقق في السابق عبر تاريخ الحروب العربية- الاسرائيلية المتتالية«، مهنئاً كل اللبنانيين في هذه المناسبة. وأضاف: «لقد صمد لبنان في وجه ما يسمى بأعتى قوة في الشرق الاوسط وانتهت الحرب بخيبة كاملة للعدو الاسرائيلي الامر الذي جعل منها مفصلاً اساسياً في مسار الصراع العربي - الاسرائيلي، فلم تعد اسرائيل تضمن انتصارها على العرب في اي حرب تخوضها ضدهم، بل اصبحت بعد الحرب على لبنان ونتائجها تحسب الف حساب قبل ان تفكر في شن حرب مماثلة في المستقبل، وهذا انجاز يستحق كل تقدير«. واستذكر النائب ميشال موسى في يوم 14 اغسطس امرين، «الاول هو الانتصار الكبير على العدو الاسرائيلي الذي لم يستطع بآلته العسكرية اختراق الارض اللبنانية وارساء قواعد احتلال جديدة فيها بالرغم من اطماعه الكثيرة، اما الثاني فهو استذكار كل الشهداء الذين سقطوا خلال الحرب من مدنيين ومقاومين ومن عناصر الجيش اللبناني الذين لولاهم لما تحقق هذا النصر«. وأضاف: «للأسف فقد تعودنا ان تكرر اسرائيل دوما مجازرها المتعمدة بحق اللبنانيين من اجل اخضاعهم لارادتها وكسر ارادتهم ولكن هذا لم يحصل بفعل المقاومة، ومساندة الجيش، وحضانة الشعب اللبناني لهذه المقاومة«، لافتا الى «ان لاسرائيل مطامع دائمة في لبنان، بلد التنوع والتعددية وصلة الوصل بين كل الحضارات، هذا البلد الذي يشكل صورة مغايرة لواقع الحال في اسرائيل التي تقوم على الاحادية والآفاق المحدودة«. اما النائب وليد خوري فرأى «ان مرحلة العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006 كانت خطيرة جداً، ولكن تمكن خلالها الشعب اللبناني من تأكيد وحدته بكل طوائفه بالرغم من انقساماته السياسية، واثبت قوته وحقه في العيش الحر الكريم«، مشيرا الى «ان العيد للجميع وليس لفئة من اللبنانيين«. وأضاف: «لقد اثبت الشعب اللبناني مدى قوة ارادته وعزمه على دحر العدوان الاسرائيلي واثبت لبنان للعالم بقراراته التي اتخذها ان المستضعف اللبناني اصبح جبارا وكسر اكبر واقوى جيش في المنطقة وهذا مصدر فخر لكل اللبنانيين من دون استثناء«. بدوره، هنأ النائب حسن حزب الله والشعب اللبناني والأمة العربية جمعاء بهذا «الانجاز الكبير الذي حققه لبنان«، متمنياً على جميع اللبنانيين «على اختلاف آرائهم السياسية وتوجهاتهم ان يحفظوا هذا الانجاز وأن يكونوا يداً واحدة لحماية بلدهم من الاخطار والاعتداءات الصهيونية«. وقال: «لم تحقق اسرائيل في عدوان يوليو الاهداف التي ارادتها، ولكن لبنان والمقاومة حققا تقدماً كبيراً على العدو الصهيوني تمثل في اسقاط قوته الردعية وفي ارجاع القوة الصهيونية الى الوراء عبر اسقاط اسطورة الجيش الذي لا يقهر، وبعدما كان العرب يذبحون ويقتلون ويشردون نتيجة الاعتداءات الاسرائيلية الغاشمة والمتكررة، بات اي عدوان يجابه بدحر للعدو«. دروس التاريخ الفيلسوف الامريكي جورج سانتينا يقول: «من لم يتعلم دروس التاريخ، محكوم عليه بأن يكررها«، وربما لا تفقه اسرائيل من التاريخ شيئاً لكنها تعلم جيدا انها ان فكرت في تكرار عدوانها على لبنان فستجد حتما من يردعها. ولعل الخسائر التي تكبدتها، او بالاحرى الجزء من الخسائر الذي اعلنته، سيلقنها درساً لا تنساه، هي التي اعتادت اغراء المستوطنين للقدوم اليها لكنها فشلت حتماً في غرس حس المواطنة لديهم. وقد كشف بعض الإحصائيات الإسرائيلية أن حصيلة حرب يوليو في اسرائيل كانت كالتالي: مقتل 117 عسكريا و39 مدنيا إسرائيلياً، سقوط 5000 جريح، سقوط 3970 صاروخ كاتيوشا من صواريخ المقاومة على مدن شمال ووسط اسرائيل، وقوع خسائر اقتصادية تصل إلى 25 مليار شيكل. أما على صعيد العتاد العسكري فقد خسر الجيش الإسرائيلي خلال الحرب عددا كبيرا من دبابات ميركافا وهي من أحدث الدبابات في العالم وأكثرها تحصيناً، كما خسر عددا من الجرافات العسكرية العملاقة وأربع طائرات استطلاع من دون طيار وثلاث مروحيات من طراز أباتشي وبارجة حربية من طراز (ساعر -5) وهي واحدة من ثلاث بوارج تعتبر الأحدث في سلاح البحرية الإسرائيلي. وفي نظرة خاطفة الى الصحف الاسرائيلية لا بد ان يستوقفنا تقرير حول نهاية حرب يوليو يعبر عن الغيظ الاسرائيلي من عودة الاسرى اللبنانيين الى موطنهم، وعن هزيمة اسرائيل وهي تستعيد «جنديين ميتين قضى من اجلهما نحو 160 اسرائيلياً«. كذلك فإن الإفراج عن مائتي جثة لشهداء فلسطينيين ولبنانيين وعرب لا يقل أهمية عن تحرير الأسرى الأحياء، فإسرائيل التي دفنت كل هؤلاء المقاومين في «مقبرة الأرقام« اضطرت ايضاً لتسليم جثامينهم. القنابل العنقودية القت اسرائيل في الايام الاخيرة لحربها على لبنان قنابل عنقودية بشكل مكثف استهدف اكثر من 450 حقلاً، بلغت في مجموعها مليونا و200 الف قنبلة عنقودية. وتتسبب هذه القنابل بضحايا يقضون يومياً في مختلف القرى والبلدات حتى اليوم، لكن المفارقة ان تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2006 قال «ان «حزب الله أطلق قذائف عنقودية على المناطق المدنية الإسرائيلية أثناء الحرب الأخيرة«!. في ذكراهم في 14 اغسطس 2006 وعند الساعة التاسعة صباحاً قضى الراعي ابراهيم عماشة نتيجة انفجار قنبلة عنقودية في انصار بينما كان يرعى قطيعه في خراج البلدة التي نالت قسطاً وفيراً من الاعتداءات اثناء العدوان. والراعي الذي دمر بيته في بلدته فرون انتقل الى انصار ظناً منه انها اكثر أمناً على قطيعه من فرون. وبعده بساعتين في بلدة حبوش سقط الطفل هادي حطاب صريعا بينما كان يلهو بقنبلة انفجرت به بجوار منزله بينما جرح أربعة أطفال آخرين هم موسى ومحمد ابراهيم وعلي حطاب وهنية الخطيب. كما جرح في حبوش أيضاً العنصر في الدفاع المدني مازن نحلة. كما اصيبت سليمة بركات في يحمر الشقيف. وفي يحمر كذلك، سقط الشيخ يوسف خليل بينما كان يحاول إزالة القنابل العنقودية من الطريق العام في البلدة