استقطب حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، الذي أقيم مؤخراً في العاصمة الصينية بكين اهتماماً غير مسبوق، حيث شاهده أكثر من أربعة مليارات شخص حول العالم عبر شاشات التلفزيون ومن استاد عش الطير الذي شهد فعاليات الافتتاح. لقد امتزجت الرياضة بالسياسة في أولمبياد بكين، التي تعتبر أكثر دورة جرى تسييسها في تاريخ الأولمبياد منذ عام 1936. فالصين استغلت استضافتها للحدث في إظهار تنامي مكانتها في العالم كقوة اقتصادية كبرى، حيث يحتل اقتصادها الآن المرتبة الرابعة بين اقتصادات العالم. لذلك، فإنها لم تتوان عن إنفاق مليارات الدولارات من أجل تنظيم هذا الحدث، بل قامت بتنفيذ مشروعات ضخمة في البنى التحتية وتطبيق إجراءات صارمة للحد من التلوث في بكين والمدن التي تستضيف الألعاب. وقد شهد حفل الافتتاح 80 رئيس دولة بالإضافة إلى عدد كبير من السياسيين من مختلف دول العالم، الأمر الذي دفع البعض إلى وصف الحفل بالقمة السياسية العالمية، وهذا بحد ذاته يعد إنجازاً لبكين، خصوصاً في ظل بعض الدعوات الغربية التي نادت بمقاطعة حفل افتتاح الأولمبياد في الصين. ويبدو الآن أن تلك الدعوات لم تنجح في الترويج للمقاطعة أو في ربط الحدث بمواقف الصين من حقوق الإنسان داخل حدودها وخارجها.وتحدثت تقارير عن وجود تعاون أميركي صيني في مجال توفير الأمن للأولمبياد. فقد رفعت الولاياتالمتحدة بالفعل الحظر الذي كانت تفرضه على تصدير بعض التقنيات والأجهزة الخاصة بمكافحة الإرهاب إلى الصين. وعلى الرغم من المعارضة التي أبدتها بعض الأطراف في واشنطن إزاء إتمام صفقات توريد تلك الأجهزة والتقنيات إلى بكين، إلا أن وزارة الدفاع الأميركية دافعت عن موقفها من أن الحفاظ على أمن اللاعبين والجمهور يبرر رفع الحظر عن تلك الأجهزة. ويفسر مراقبون موافقة واشنطن على تقديم المساعدة لبكين في ضبط الأمن أثناء دورة الألعاب الأولمبية، وإصرار الرئيس بوش على حضور حفل الافتتاح رغم معارضة أعضاء في الكونغرس وعلى رأسهم زعيمة الأغلبية في المجلس نانسي بيلوسي، التي كانت ممن يدعون إلى تسمية دورة بكين ب«أولمبياد الإبادة» في إشارة منها إلى الجرائم التي ترتكب في دارفور وترقى بنظرها إلى مستوى الإبادة ودور الصين في دعم الحكومة السودانية يفسرون ذلك بوجود صفقة سرية من نوع ما بين الولاياتالمتحدة والصين. ويذهب هؤلاء المراقبون إلى القول إن الصفقة تتضمن قيام واشنطن بتقديم الدعم الأمني لبكين في الأولمبياد وعدم ربطها بما يجري في دارفور، والتعهد في الوقت نفسه بمعارضة أي استفتاء قد تقوم به الحكومة التايوانية من أجل الانضمام إلى الأممالمتحدة. وفي الجانب المقابل، تنص الصفقة على أن تبدي بكين مرونة في مواقفها من قضية دارفور ومذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، ومن قضية الملف النووي الإيراني والمطالبة الغربية بفرض عقوبات دولية على إيران في حال إصرارها على الاستمرار في تطوير برنامجها النووي. وبصرف النظر عن مدى دقة تلك التقديرات، فإن الأمر الواضح تماماً هو أن هناك مصالح متشابكة بين الصين والولاياتالمتحدة تجعل مواقف كل منهما تقترب من بعضها في بعض الموضوعات وتتباعد في أخرى. ويبدو أن مصالحهما في الأولمبياد قد تلاقت على النحو الذي انعكس تعاوناً على مستويات عدة بين الدولتين، وإن لم يخل في بعض الأحيان من المطالبة الأميركية الخجولة لبكين باحترام حقوق الإنسان وإطلاق المزيد من الحريات وإشاعة الديمقراطية. لم يكن انطلاق فعاليات الأولمبياد الحدث الوحيد الذي شد أنظار العالم إلى الصين، فقد وقع حدث آخر استبق حفل الافتتاح وحظي باهتمام المنشغلين بالسياسة أكثر من الرياضة، وهو قيام شخصين من الإيغور، وهم أقلية مسلمة في الصين بشن هجوم على تجمع للشرطة الصينية في بلدة كاشي بإقليم شينجيانغ مما أدى إلى مقتل 16 شرطياً وجرح آخرين. وقع هذا الهجوم بعد أيام من إعلان جماعة تطلق على نفسها اسم «حزب تركستان الإسلامي» مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات في الصين وتحذيرها من شن هجمات أخرى تستهدف الألعاب الأولمبية. وبالفعل وقعت سلسلة من التفجيرات الجديدة في الإقليم ضد قوات الأمن الصينية وخلفت ثمانية قتلى. وتربط السلطات الصينية بين هذه الهجمات والحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، التي تحذر منها بكين باعتبارها أكبر تهديد «إرهابي» تواجهه الصين خلال دورة الأولمبياد. وعلى الرغم من التحذيرات الصينية، التي يراها البعض مبالغاً فيها وتهدف إلى قمع الحريات، وعلى الرغم التركيز الإعلامي المكثف على الإيغور، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من الضبابية حول الإيغور وقضيتهم. فمن هم هؤلاء الإيغور؟ ولماذا يخوضون صراعاً ضد الصين؟ الإيغور هم إحدى الأقليات الإسلامية في الصين وينتمون إلى العرق التركي وموطنهم الأصلي هو إقليم تركستان الشرقية المسلم الغني بالبترول والثروات المعدنية الأخرى والذي يقع شمال غربي الصين وتطلق عليه الصين اسم «شينجيانغ» ويعني المستوطنة الجديدة. ألايبلغ عدد السكان الإيغور نحو 25 مليون نسمة بحسب مصادر في إقليم تركستان بينما تقول الأرقام الرسمية الصينية إن عدد سكان المسلمين الإيغور لا يزيد على ثمانية ملايين نسمة. والإيغور يتكلمون لغة محلية تركمانية ويخطون كتاباتهم بالعربية ولهم ملامح القوقازيين. وقومية الإيغور هي واحدة فقط من عشر قوميات مسلمة تضمها الصين هي: خوي والقازاق ودونجشيانج والقرغيز وسالار وقومية الطاجيك وقومية الأوزبك وقومية باوآن وقومية التتار. وتتركز القوميات المسلمة الصينية في منطقتي شينجيانغ ونينجشيا، ومقاطعات قانسو وتشينغهاي وشنشي بصورة رئيسية. وأبناء قومية خوي هم أكثر القوميات انتشارا في الصين خارج تركستان، حيث ينتشرون في مدينة بكين، ومقاطعات صينية أخرى. ويصف البعض الخوي بأنهم الصينيون المسلمون؛ مما يعني أنهم ليسوا عرقا منفصلا، بل مجرد صينيين يدينون بالإسلام، وبعكس الإيغور فإن الخوي يتحدثون اللغة الصينية المركزية (الماندرين)، ويحملون الملامح الصينية المميزة، ويوجد بعض الخوي في شينجيانغ، ولكن ذلك جاء في إطار خطة إعادة توزيع السكان التي تتبعها الحكومة المركزية في المناطق ذات النزعات الانفصالية، حيث تقوم بإرسال مواطنين من قوميات مختلفة لكسر الحاجز الديموغرافي بين تلك المناطق وبين بقية أنحاء الصين، لكن الدين بالنسبة للقوميات المسلمة يمثل جانبا آخر غير المعتقد، فهو جزء من ثقافتهم وهويتهم المميزة في هذا البلد المترامي الأطراف المركب التكوين، والذي تمثل فيه قومية الهان أكثر من 91 % من مجموع السكان. يعتبر إقليم «شينجيانغ» أكبر إقليم في الصين، حيث تبلغ مساحته 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي نحو 17% من مساحة الصين الحالية. وكان المسلمون الإيغور في صراع دائم مع الصينيين، الذين شنوا عدة هجمات فاشلة على الإقليم. ولكن في عام 1759، نجحت العائلة الحاكمة الصينية الماتشو في احتلال هذا الإقليم، ثم استرده الأتراك.. وظل الإقليم مستقلاً لفترة قصيرة، إلى أن نجحت العائلة الصينية نفسها في احتلاله مجددا بمساعدة البريطانيين في عام 1876. ومنذ ذلك الوقت والإقليم خاضع بالكامل للصين باستثناء فترتين قصيرتين من عام 1933 إلى عام 1934 ومن عام 1944 إلى عام 1949نشأت فيهما جمهورية تركستان الشرقية كجمهورية إسلامية في شمال الصين. بعد ذلك قام ماوتسي تونغ (الزعيم الصيني المعروف) بفرض سيطرته على المنطقة كلها عام 1949، وإن كان قد أعطى الإقليم بعد تغيير اسمه صفة إقليم متمتع بالحكم الذاتي ثقافيا وإثنيا ودينيا ولغويا، إلا أنه من الناحية العملية حدث العكس تماما، وقامت الحكومة الصينية بضرب الإقليم بيد من حديد. وبالطبع أدى ذلك التجاهل للإيغور إلى المقاومة والمواجهة، وتأزمت الحالة، خاصة في سنوات التسعينات من القرن الماضي عندما طالب عدد كبير من الإيغور وبإصرار بإقليم مستقل، متأثرين ومدعومين بالتطور الذي شهدته منطقة «تركستان الغربية»، الذي تمثل في بروز جمهوريات إسلامية مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مثل: قيرغيزستان، وكازاخستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان. وقوبل مطلب الإيغور بالاستقلال وحق تقرير المصير بقمع شديد وباضطهاد واسع من قبل السلطات الصينية تمثل في الاعتقالات التعسفية، إغلاق المساجد والمدارس الإسلامية، وفرض القيود على حرية العبادة. وقد سجّلت منظمة العفو الدولية اعتقال آلاف الإيغوريين، بالإضافة إلى إعدام المئات منهم في السنوات الأخيرة. وبالإضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان، قام النظام الصيني باعتماد برنامج تمييزي يهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لإقليم شينجيانغ. فمنذ الخمسينات من القرن العشرين، والسلطات الصينية تسعى سعيا حثيثا تجاه تغيير المزيج الإثني في الإقليم. وبذلت ما في وسعها لتطبيق نظام «طفل واحد لكل أسرة» على الإيغور، بينما لم تطبقه على باقي الإثنيات التي تعيش في الإقليم نفسه. وكانت النتيجة أن تغير التوزيع السكاني تماما؛ فبعد أن كان المسلمون في تركستان الشرقية يشكِّلون أكثر من 90% والصينيون (الهان) يشكلون 6% فقط في1942، ارتفعت نسبة الصينيين بشكل ملحوظ، وباتوا يشكلون؟حسب إحصاءات نوفمبر 2001- حوالي 40% من سكان الإقليم.ولم ينتهِ الأمر عند ذلك الحد، بل تطور حتى صار الصينيون الهان يسيطرون على المجالات الاقتصادية والسياسية. وقد تم ذلك من خلال خطط مدروسة مثل: إلغاء اللغة الإيغورية، وتوفير الخدمات المتميزة والوظائف لمجتمع الهان الذي يتزايد يوما بعد يوم؛ وكذلك مُنع الإيغوريون من العمل في الشركات الصينية، خاصة بعد اكتشاف آبار البترول التي تتواجد بغزارة في المنطقة؛ الأمر الذي يصعد من أزمة البطالة بينهم.لكن لماذا كل هذا الاضطهاد؟ من الواضح أن هناك أسبابا اقتصادية وعسكرية. فمن الناحية العسكرية، تشكل منطقة تركستان الشرقية بحدودها المشتركة مع منغوليا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وأفغانستان، وباكستان، وروسيا منطقة عازلة من الأخطار الخارجية. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، استمرت الأهمية الإستراتيجية للمنطقة في التنامي والازدياد؛ حيث صارت تضم مقر إحدى الفرق العسكرية الكبرى، التي تمد الدولة بالجنود والقادة في وقت الطوارئ. ومن الجدير بالذكر أن معظم الصواريخ النووية الباليستية التي تملكها الصين موجودة في إقليم شينجيانغ.أما السبب الاقتصادي، فهو يتمثل في مخزون الثروات المعدنية التي يمتلكها هذا الإقليم، فقد اكتشف فيه 138 نوعا من المعادن منها الذهب والزنك واليورانيوم. وبعض التقديرات تذهب إلى أن احتياطي البترول في شينجيانغ يبلغ 86,20 مليار طن، تمثل 30% من الاحتياط الإجمالي في الصين، ويبلغ احتياطي الغاز الطبيعي 3,10 تريليونات متر مكعب، بنسبة 34% من إجمالي احتياطي الغاز القاري بالصين. ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي احتياطي الفحم في شينجيانغ 2190 مليار طن، وهو ما يمثل 40% من إجمالي الاحتياط الوطني. إضاءة دخل الإسلام شينجيانغ أو تركستان الشرقية على يد القائد الإسلامي المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي عام 88 - 96ه، ومن بعده بدأت ثمار الاتصال الحضاري بين الإسلام والحضارات الأخرى، فتحول التركستانيون للإسلام تحت قيادة زعيمهم «ستوف بغراخان» خاقان الإمبراطورية القراخانية عام 323ه ، وقد أسلم مع هذا القائد أكثر من مائتي ألف عائلة، أي ما يقارب مليون نسمة تقريبا. وارتفعت البلاد في النواحي الحضارية لا سيما في عهد «هارون بغراخان» حفيد الزعيم السالف ذكره، وكانت أوقاف المدارس تشكل خمس الأراضي الزراعية، وقد سُمِّي القائد هارون شهاب الدولة وظهير الدعوة. وقد استمر انتشار الإسلام بين القبائل فشمل القرغيز والغز السلاجقة والقرلوق، وقد عرفوا فيما بعد بوقوفهم القوي مع الإسلام، وكانت فتوحاتهم في بلاد الدولة الرومانية سببا في إعادة تشكيل أجزاء واسعة من خريطة الشرق الأوسط وتركيا الحديثة.