داخل أسوار مقر المخابرات المركزية الأمريكية «السي.آي.ايه» في العاصمة واشنطن، وعلى مساحة أكثر من أحد عشر ألف قدم مربعة تنقسم إلى خمسة أجنحة في مجمع «يانجلي» شديد التحصين، يقع واحد من أكثر متاحف العالم غرابة وخصوصية أيضاً، إذ لا يسمح بزيارته إلا للعاملين في المخابرات الأميركية، وأولئك الذين تنطبق عليهم شروط الزيارة، وهم قلة قليلة. إنه متحف التجسس والجواسيس الذين قدموا خدمات كبيرة لوكالة المخابرات الأمريكية. فعندما يحتاج أحدهم لجهاز ما، أو وسيلة مبتكرة للمساعدة في أعمال التجسس في العراق أو أفغانستان، أو في أي مكان آخر من العالم تنشط فيه الوكالة، لا بد له من زيارة المتحف للاطلاع على منجزات الأولين والعودة إلى الماضي.. وبالذات منجزات التجسس والمراقبة العائدة لسنوات الحرب الباردة والحربين الكورية والفيتنامية، حيث يستطيع الباحث أن يعاين آخر ما كانت تكنولوجيا تلك الأيام قد توصلت إلى ابتكاره. ومن حروب الخمسينات والستينات، إلى حروب القرن الحادي والعشرين.. ففي المتحف يمكن للزائر أن يطلع أيضاً على تفاصيل بعض العمليات السرية التي قام بها عملاء المخابرات الأميركية في أفغانستان بعد أيام قليلة فقط على أحداث 11 سبتمبر. ومنها صور لفريق من سبعة عملاء أميركيين وقد ارتدوا ملابس أفغانية بالية.. الأسلحة التي كانت بحوزتهم، وحتى السروج التي استخدموها لامتطاء الجياد بحثاً عن رجال طالبان وتنظيم القاعدة. وعلى عكس المتحفين الآخرين اللذين سبقاه بسنوات، وهما متحف التجسس العالمي الذي يزوره سنوياً ما لا يقل عن سبعمائة ألف زائر، وزيارته متاحة لكل من يدفع رسم الدخول وقدره عشرون دولاراً، والمتحف الآخر المخصص للكتابات السرية بالشيفرة، تاريخها ومنجزاتها، فمتحف التجسس محاط بستار كثيف من الغموض لأن كل معروضاته سرية ولم يزره طوال العام الماضي سوى أربعة آلاف شخص، لكن مراسلا لصحيفة يو.إس.توداي تمكن من زيارة بعض مرافقه برفقة مديرة المتحف وكتب تقريراً نشرته الصحيفة قبل أيام. ومن ابتكارات عالم التجسس التي يمكن مشاهدتها وقراءة ملخص عن الأماكن التي تم استخدامها فيها بنجاح ما أطلق عليه اسم الحشرات الطائرة.. وهي جهاز صغير جداً على شكل تنين أو ذبابة عملاقة، تم تطويره في السبعينات من القرن الماضي ويستطيع الطيران والتوجه نحو مناطق العدو ومن ثم الدخول عبر النوافذ أو الفتحات للاستماع إلى ما يقوله ذلك العدو ونقل التفاصيل إلى الجاسوس.. أي أنه سماعة متحركة قادرة على اقتحام مراكز العدو حتى ولو كانت شديدة التحصين وعلى بعد مئات الأمتار. ومن الأجهزة المعروضة كاميرا صغيرة جداً كان يتم ربطها بأرجل نوع من الحمام المدرب للطيران فوق مناطق تواجد العدو لتصوير كل ما يدور فيها، ومن ثم العودة إلى حيث يوجد الجاسوس لتظهير الفيلم وطبعه قبل اتخاذ القرار بالخطوة التالية. ومن المعروضات أيضاً، جميع «صرعات» الجاسوس الأكثر شهرة في العالم جيمس بوند.. مسدس لا يُرى وسكاكين متحركة «تعرف» كيف تفتك بالعدو. وهناك أيضاً زاوية لعرض كاميرات مختلفة الأشكال والأحجام، إحداها على شكل علبة سجائر تحمل اسم ماركة معروفة، وهناك أيضاً سماعة سرية على شكل غليون يتم بواسطته نقل المعلومات والتعليمات إلى الجاسوس على صورة ذبذبات إلى الفكّين ومن هناك تنتقل إلى الأذنين. وفي زاوية أخرى من المتحف، يوجد مجسمان لرجلين أمام قارب تم تطويره لعمليات إنزال الجواسيس على شواطئ العدو.. وبالقرب من القارب، يوجد المكتب الذي كان الجنرال ويلي دونوفان يدير منه عمليات التجسس أيام الحرب العالمية الثانية. «توني هيلي» مديرة المعرض منذ عام 1999 تقول «اننا نعمل دائماً على تنقيح وسائلنا التكنولوجية، نستفيد من دروس الماضي لنتعلم كيف نواجه احتياجات المستقبل». وتضيف قائلة، ان المتحف يتلقى العديد من الطلبات أو الاستفسارات التي يتقدم بها ضباط العمليات السرية، أو من العلماء العاملين مع الوكالة، لمشاهدة أو معرفة أو الاطلاع على ملفات سرية أو أجهزة تجسس معينة فتتم الاستجابة لتلك الطلبات أو الاستفسارات. لكن مديرة المتحف رفضت الكشف عن طبيعة تلك الطلبات باعتبارها معلومات سرية. وتشير المديرة إلى أن الهدف من المتحف هو دعم أعمال وكالة المخابرات المركزية ودعم عمليات التجسس ولتدريب العاملين الجدد في الوكالة.. ففي اليوم الأول لمباشرتهم العمل في الوكالة يتوجب عليهم زيارة المتحف برفقة المسؤول المباشر عنهم. وتشرح قائلة ان مثل هذه الجولة، أثبتت نجاحها الكبير في تشجيع العاملين الجدد على المضي قدماً في العمل مع الوكالة لأنها تفتح أمامهم أبواب عالم سحري مليء بالمغامرات. وتمضي قائلة ان المتحف ليس كبقية متاحف العالم، فهو للخاصة فقط وزيارته تقتصر على العاملين في وكالة المخابرات المركزية وغيرها من وكالات التجسس والأمن القومي الأمريكية «فالمتاحف عادة ما تشرح للزائر الكثير من الأمور لكن هذه مسألة لا تهمنا في الوقت الحاضر». وفي المقابل، هناك أصوات تنادي بفتح أبواب هذا المتحف لكل من يرغب «لأن من حق دافع الضرائب الأمريكي أن يعرف بالضبط أين تُصْرَف الأموال».