قد يبدو الحديث عن النفوذ الايراني او التدخل الايراني في العراق نوعا من اللغز، الى درجة تسمح بالتساؤل عن كونه اذا كان حقيقة ام وهما. فالذين يؤكدون وجوده لا يقدمون ادلة اثبات كافية، والذين ينفونه لا يقدمون ادلة نفي كافية، ما يجعل المراقب يدور في حلقة مفرغة. وليس من وظيفة هذا العمود بالطبع حسم الخلاف واعطاء الكلمة الفصل، لكن ما يستحق الانتباه هو ان المسؤولين العراقيين مختلفون حول هذه المسألة الى درجة يصعب معها القول بوجود موقف عراقي رسمي موحد، على عكس ما يقوله المسؤولون الامريكيون عنها. صحيفة لوس "انجلس تايمز" الامريكية نقلت يوم الاربعاء على سبيل المثال، عن قائدين "بارزين" في الجيش الامريكي، قولهما ان ايران تواصل تدريب وتوجيه ميليشيا شيعية في العراق، على الرغم من وقف اطلاق النار الذي يلتزم به السيد مقتدى الصدر، وانها تسعى باستمرار الى اضعاف الحكومة العراقية. وقال اللفتنانت جنرال ريموند اوديرنو، بحسب الصحيفة ان ايران اصبحت "اكبر تهديد على المدى الطويل لاستقرار العراق، وتشجع عناصر اصولية بين الشيعة على مواصلة الهجمات، على الرغم من ضغط بعض كبار قادة الميليشيات من اجل ايقاف اطلاق النار." وتابع اللفتنانت جنرال ريموند اوديرنو، الذي انهى للتو خدمته كقائد للعمليات اليومية في العراق واستغرقت 15 شهرا، ان دافع ايران في ذلك هو "الابقاء على حكومة ضعيفة في العراق،" مضيفا ان "ايران تفيد من ذلك،" الوضع. من جهته كان الادميرال وليام فالون، قائد القوات الامريكية في الشرق الاوسط، الذي وصل الى بغداد عشية مجيء الرئيس الايراني الى العراق قال انه "ما زال واضحا ان ايران تدرب ناشطين وتزودهم بالاسلحة." وقال فالون "لم أرَ اي شيء منذ تولي عملي توجها ايرانيا نحو العمل العلني، يساعد (على تحسين الاوضاع) في هذه المنطقة وبخاصة... في العراق." ولاحظ اوديرنو ان احمدي نجاد كان قادرا على التنقل في شوارع عراقية من دون وقوع احداث عنف خلال زيارته التي دامت يومين، مشيرا الى ان هذا دليل على ايران تستطيع وقتما تريد دفع جماعات شيعية مدعومة من جانبها الى تنفيذ هجمات او ايقافها. وقال اوديرنو "في اي وقت يأتي زائر من الولاياتالمتحدة، ترانا نحبط هجوما اما بالصواريخ او القذائف،" واوضح ان "عناصر مدعومة من جانب ايران تفعل ذلك. وعندما تعقد الحكومة العراقية اجتماعا، تحدث هجمات بالقذائف،" وتساءل اوديرنو "فلًمَ يحدث ذلك؟ لان عناصر تدعمها ايران تنفذ ذلك." على المستوى الرسمي العراقي يمكننا ان نسمع نوعين من الصدى لهذه التصريحات. الصدى الاول يؤمن بوجود تدخل ايراني في العراق، كما يقول نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، فقد نقلت عنه وكالة (آكي) الايطالية للأنباء قوله للقناة الفضائية الاردنية ان "ما مطلوب، هو وقف التدخل في الشأن العراقي الذي لم يعد سراً، وموافقة ايران في جلوسها مع الولاياتالمتحدة حول العراق دليل لا يرقى اليه شك". الصدى الثاني مختلف. فقد ثمن السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد لدى استقباله الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ما وصفه ب "الدور الايجابي الكبير الذي تلعبه الجمهورية الاسلامية في ايران الداعم للمسيرة السياسية" في العراق. بل ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، دعا اثناء استقباله الرئيس الايراني الدول العربية والاسلامية إلى ان تحذو حذو ايران وتساعد العراقيين على اعادة بناء بلدهم. ولا يصعب على المحلل ان يرى ان التباين في تقييم الدور الايراني في العراق يسير وفقا للخطوط المذهبية لمكوناته الاجتماعية. فالمناطق السنية، مثل الاعظمية والفلوجة، شهدت تظاهرات ضد زيارة نجاد، فيما كان سياسيون سنة يشنون حملات اعلامية ضده، على خلاف الشيعة الذين رحبوا بنجاد واشادوا بالدور الايراني.