تعتبر حديقة النباتات في وسط نهر النيل بمدينة أسوان من أروع المعالم السياحية التي يحرص جميع المصريين والسائحين علي زيارتها. وتتميز الحديقة بتاريخها العريق وكانت شاهدة علي العديد من الاحداث التاريخية المهمة وأطلق عليها أسماء عديدة خلال القرون الماضية فسميت بحديقة النطرون عندما كان يقطنها بعض أهالي النوبة في الماضي ثم أطلق عليها اسم جزيرة الردار عندما اتخذها اللورد الانجليزي كيتشنر مقراً لقيادته العسكرية أثناء حربه بالسودان في نهاية القرن 19 وفي عهد الملك فؤاد الاول سميت بجزيرة الملك في عام 1928 وأخيراً اشتهرت باسم حديقة النباتات او جزيرة النباتات بعد ان اصبحت تابعة لوزارة الزراعة في عام 1971. وحسبما يقول المهندس أمين محمد الامين مدير عام الحديقة النباتية في اسوان في حديثه لالراية فإن الحديقة عبارة عن جزيرة في وسط نهر النيل العظيم تكونت من رسوب الطمي الموجود في مجري النيل ويواجه الجزيرة مجموعة كبيرة من معالم أسوان الأثرية والسياحية مثل متحف جزيرة الفنتين ومقابر النبلاء ومقبرة اغاخان وقبة ابو الهواء ومحمية سالوجا وغزال. وهي تأخذ الشكل البيضاوي وتبلغ مساحتها 17 فدانا وأضيف اليها مؤخراً مزرعة أبحاث البط بالجهة الجنوبية والتي تقدر بمساحة 3 أفدنة ويصل طول الحديقة الي 650 متراً وأقصي عرض لها 115 متراً ومقسمة الي 27 حوضا بكل حوض مجموعة رائعة من الاشجار والشجيرات والنخيل والنباتات الاستوائية وشبه الاستوائية ويوجد فيها اربع مشايات طولية وتسعة مشايات عرضية صنعت ارضياتها من الجرانيت الوردي الاسواني الذي يكسو كل الممرات اما المشاية الرئيسية في وسط الحديقة فيصطف علي جانبيها النخيل الملوكي بلونه الابيض الرخامي كأعمدة السواري وهي أشبه ما تكون بحرس الشرف الذي يقف علي الجانبين للترحاب بالزائرين واتخذتها وزارة الزراعة مركزاً لإجراء الأبحاث والتجارب الزراعية علي نباتات المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية كصوبة طبيعية بدلاً من اجراء هذه الابحاث في الصوب الزجاجية الدفيئة بالقاهرة التي تكلف مبالغ باهظة وعالية وفي عام 1971 تحولت مصلحة البساتين الي معهد بحوث البساتين الذي يتبع مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة. متعة مزدوجة ويلفت المهندس أمين الي ان حديقة النباتات تعتبر من أروع المزارات السياحية في أسوان لما تحتويه من النباتات الاستوائية النادرة كما تعتبر مزارا رئيسيا لجميع المصريين في الاعياد والمناسبات ويصل عدد الزائرين في فترة الاعياد الي حوالي 10 آلاف زائر يومياً وتعد متنفسا طبيعا لوجود ها فوق جزيرة وسط النيل وتتميز بأنها تعطي فرصة للزائرين بان يتجولوا في نهر النيل ثم يزوروا الحديقة بعد ذلك أي انها متعة مزدوجة للنيل والنباتات النادرة. وكشف عن التطوير الشامل الذي شهدته الحديقة في الآونة الأخيرة وذلك عن طريق القيام بإجراء تكاسي من الحجر الجيري المنحوت لحماية جوانب الجزيرة من التآكل والنحر كما تم القيام بتوسعة للمراسي النهرية الخاصة بالجزيرة لتسهيل عملية صعود ونزول الزائرين واستقبال أكبر عدد من المراكب الشراعية واللانشات بالاضافة الي تطوير المرافق الحيوية داخل الحديقة مثل البرجولات والمشايات ودورات المياه مشيراً الي أن العائد المادي للجزيرة يتم استخدامه في تطوير الحدائق العامة بمدينة أسوان مما يساهم في الحفاظ علي الواجهة الحضارية لمحافظة أسوان ويتراوح عدد الزائرين شهرياً ما بين 30 و40 ألف زائر. النباتات المعمرة ويشير المهندس محمد علي سلاوي نائب المدير النباتية الي أن الحديقة تضم مجموعة نادرة وجميلة من النباتات المعمرة والتي تم زراعتها منذ أعوام طويلة كأنها شاهدة علي التاريخ والاحداث عبر العصور ويصل عدد هذه النباتات الي حوالي 380 نوعاً نباتياً وتنتمي الي 250 جنسا وحوالي 85 عائلة بالاضافة الي 20 نوعاً مجهولاً وغير معروف وجارٍ تعريفهم من خلال قسم الفلورا بمعهد بحوث البساتين ومعشبة حديقة الأورمان. وأضاف أن النباتات تنقسم الي سبع مجموعات علي حسب أهميتها الاقتصادية وهي مجموعة الأشجار الخشبية وتشمل 32 جنساً وتنتج أجود الانواع الخشبية التي تستخدم في الاغراض المختلفة والتي ساعد مناخ اسوان علي سرعة نموها مثل الكايا الافريقي ، الماهوجني ، الأبنوس ، خشب الصندل وغيرهم. كما تضم الجزيرة مجموعة أشجار الفاكهة الاستوائية والتي تشمل 20 جنساً وهي فاكهة غير تقليدية وغير متداولة في الأسواق المصرية مثل عين الخروف ، الجاك فروت والباباظ والبشملة والاوجينيا والكازميرو وغيرهم. وتحتل مجموعة النباتات الطبية والعطرية مكانة كبيرة داخل الجزيرة النباتية وهي ليست لمجرد العرض او المشاهدة فقط ولكنها تعتبر معملاً ثابتاً ودائماً للابحاث .. وينتقل اليه العلماء لدراسة النباتات والزهور في مكان زراعتها بدلاً من انتزاعها ونقلها للمعامل أو إنباتها داخل معامل مغلقة في حيز ضيق وصغير. وتشمل النباتات الطبية والعطرية 16 جنساً منها حشيشة الليمون والريحان والقرنفلي والبردقوش والجاتروفا والحناء والزنجبيل والقرنفل والتمر هندي والسواك والدوم والكركدية. كما تضم مجموعات من نباتات التوابل ونباتات الألياف ونباتات الزينة والنباتات الزيتية. كما تضم معشبة النباتات التي تحتوي علي نبذة عن موطن النبات والاسم العلمي والقيمة الاقتصادية له. ويختتم المهندس محمد سلاوي حديثه قائلاً : إن الحدائق النباتية بصفة عامة هي حدائق علمية تقسم فيها النباتات تبعاً لموقعها في المملكة النباتية .. والحدائق النباتية أختلفت في شكلها ووظيفتها علي مر العصور ، وأول حديقة نباتية اكتشفت في الصين بواسطة الرحالة ماركو بولو (1275 - 1292). وأكد أن أقدم الحدائق التي عرفت علي مر التاريخ هي الحدائق النباتية لقدماء المصريين ، وكانت في حوالي عام 1300 ق . م.. وأول من أنشأتها هي الملكة حتشبسوت وانتشرت بعد ذلك في الحضارة الرومانية والإغريقية وفي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت هذه الحدائق في القارة الأمريكية. وتعتبر الحدائق النباتية في مفهومها الحديث عبارة عن مؤسسات علمية نباتية ترفع شعار الثقافة والاقتصاد والترفيه بهدف تأصيل دورها في خدمة المجتمع وتنمية البيئة. ويقول أبو الحسن محمود دسوقي 270 سنة - مدرس - أن حديقة النباتات من أجمل المزارات السياحية في محافظة أسوان وتتميز بالهدوء الشديد وتعتبر مكانا مثاليا لنزهة العائلات نتيجة وجود مساحات واسعة من المسطحات الخضراء التي تثير البهجة والسعادة في نفوس الجميع وخاصة الأطفال. وأضاف أن أي رحلة داخل مدينة أسوان لا تكتمل في جمالها إلا بزيارة حديقة النباتات التي تمتلك جميع عناصر الجمال وهي الخضرة والماء والوجه الحسن كما يقولون. وأوضح أن الرحلات الي جزيرة النباتات دائماً ما تختتم بتنظيم حفلة سمر ، يشارك فيها جميع أعضاء الرحلة مما يعطي نوعاً من الألفة والمودة بين جميع زائري حديقة النباتات. ويري محمد عبد الرحمن عبد الكريم - موظف - 37 سنة - أن حديقة النباتات من أجمل الأماكن الطبيعية علي مستوي الجمهورية لأنها تعتبر ثروة طبيعية وقومية لا تقدر بثمن وتعد متحفاً حياً لأندر النباتات الاستوائية بمختلف أنواعها. وأشار الي أن الموقع المتميز والفريد لحديقة النباتات في وسط نهر النيل أعطي للحديقة أهمية كبيرة لكي تكون مزارا سياحيا عالميا ومتنزها ومتنفسا لأبناء أسوان وضيوفها من المحافظات الأخري. وأضاف أن حديقة النباتات هي القاسم المشترك لجميع أهالي أسوان في فترة الأعياد .. ويستطيع الانسان أن يشاهد جميع أصدقائه الذين لم يرهم منذ سنوات عن طريق زيارة واحدة لحديقة النباتات التي يزورها جميع أبناء أسوان بلا استثناء في أيام العيد. وفي لقاء مع السائح الهولندي لورنس فرندايج أشار الي أنه يزور الحديقة لأول مرة ، وقد استمتع بهذه الزيارة للغاية لأن الحديقة تتميز بموقع رائع وجميل في وسط نهر النيل ، كما أن الانسان أثناء وجوده داخل الحديقة يمكنه مشاهدة مجموعة كبيرة من المعالم الأثرية التي تحيط بالحديقة مثل أثار جزيرة الفنتين ومقابر النبلاء ودير الانبا سمعان ومقبرة أغاضان والبر الغربي برماله الصفراء الرائعة. وأضاف أن التنوع الكبير في الأشجار والنباتات داخل الحديقة هي أكثر الأشياء التي أثارت أعجابه لأنها تتميز باختلاف الألوان والأنواع والأشكال مما يعطي انطباعاً بأن حديقة النباتات لا يوجد لها مثيل في أي مكان آخر في العالم.