الأهرام 6/7/2008 مرة أخري وقد لاتكون الأخيرة حاول مئات من الفلسطينيين, اقتحام معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة, في محاولة لتكرار أحداث شهر فبراير الماضي, ورغم سعي رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية إلي تهدئة ردة الفعل المصري, والتخفيف من نتائج ماحدث, بإعلانه أن ماحدث كان تلقائيا وليس مخططا, فإن مسئولية محاولة الاقتحام الفاشلة تقع بالكامل علي حركة حماس التي تسيطر عناصرها المسلحة علي القطاع, لذلك لاتبدد تصريحات هنية المخاوف من عودة لعبة توزيع الأدوار بين قادتها, وبداية للتراجع عن التزامها باتفاق التهدئة, بينها وبين إسرائيل, أو استخدام ورقة المعابر في الحوار الوطني الفلسطيني القادم في القاهرة, لتحقيق قدر من المكاسب علي حساب فتح والسلطة الوطنية, وبقية الفصائل الأخري. أحداث الحدود الأخيرة ومارافقها من محاولة اقتحام البوابات الفلسطينية ثم محاولة اقتحام الميناء البري من الجانب المصري, تم بنوع من غض الطرف المقصود من جانب عناصر حماس المسئولة عن الأمن علي الجانب الفلسطيني, وهي تأتي استكمالا للتسهيلات التي قدمتها حماس لبعض الفصائل لإطلاق بعض الصواريخ علي المناطق الحدودية الإسرائيلية, فمنذ إعلان الهدنة أو التهدئة قبل أكثر من أسبوع تم قصف الحدود أربع مرات علي الأقل, بصواريخ لم تسفر عن أية أضرار مادية أو في الأرواح, مما يؤكد أن إطلاق الصواريخ لم يكن هدفه إصابة مواقع أو مدن للعدو, بل كانت صواريخ سياسية تستهدف في الأساس خرق التهدئة وإفشال الاتفاق, يعقبه عمل عسكري إسرائيلي في غزة أو الضفة, وهو ماكانت تنوي إسرائيل فعله, لولا تدخل مصري أقنع إسرائيل بخطورة مثل هذا العمل. الجهود المصرية نجحت في إجهاض محاولات بعض الأجنحة في إفشال اتفاق التهدئة, واستطاعت أن تؤكد التزام حماس بالاتفاق وهو ما أعلنه المتحدث الرسمي باسمها عندما أعتبر الصواريخ أمرا استثنائيا وأن حماس ستتابع مع بقية الفصائل الالتزام بالتهدئة. حماس من جهتها لم تتابع مع بقية الفصائل, كما قال متحدثها الرسمي, الالتزام بالتهدئة, فالكل يعرف علاقات حماس بحركة الجهاد, والكل يدرك قوة حماس القابضة علي القطاع التي لاتسمح فيه بأية حركة إلا بمعرفتها والتي تصل إلي منع لقاء شاب وفتاة علي شواطئ غزة. ويبدو أن اتفاق التهدئة, ومبادرات الحوار الفلسطيني الفلسطيني لاتجد ترحيبا لدي بعض قادة وأجنحة حركتي حماس والجهاد. وقد تصطدم هذه التطورات التي تصب في صالح الشعب الفلسطيني مع استراتيجية البعض في استمرار انفراد حماس بغزة, وانقسام السلطة الفلسطينية بين رام الله والقطاع. لقد أدي اتفاق التهدئة إلي تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني, وبدأ تنظيم فتح المعابر, وبدأت أحوال الفلسطينيين في غزة في التحسن, وتم إدخال الكثير من احتياجاته الغذائية والدوائية والغاز إلي أراضي القطاع وانتظمت حركة المرور في المعابر التجارية بعد أن فتحتها إسرائيل, وعاد الهدوء والتنقل علي معبر رفح, وبدأ الحديث عن المصالحة الوطنية الفلسطينية بعد مبادرة الرئيس محمود عباس لإنهاء الانقسام وإنهاء ازدواجية السلطة, استعدادا لمفاوضات سياسية شاقة مع طرف إسرائيلي يري في الانقسامات الفلسطينية قوة له ويسعي لتعميقها ليجد أمامه مفاوضا ضعيفا لايملك سلطة كاملة, ولاتأييدا شعبيا. إن حماس التي قبلت بقناعة وإرادة سياسية كاملة, اتفاق التهدئة عليها أن تدرك أنها مسئولة أمام الشعب الفلسطيني عن إنهاء معاناته, وأن عليها وبرؤية وطنية التمسك بهذا الاتفاق, ومنع بعض الأجنحة والعناصر من تخريبه وعدم السماح بإفشاله, وعليها أيضا الإسراع في قبول دعوة الرئيس أبو مازن لبدء حوار وطني يعيد للشعب الفلسطيني وحدته وتلاحمه المفقود. إن لعبة المعابر وتوزيع الأدوار لاتصلح مع الأشقاء, والحفاظ علي أمن وسلامة الشعب الفلسطيني هدف لابد أن يسبق أي هدف حزبي أو عقائدي, فالخريطة السياسية مقبلة علي تغير كبير, فتصاعد التصريحات الأمريكية والإسرائيلية عن ضرب إيران, لن يخدم كثيرا القضية الفلسطينية وسيدخلها, كما فعلت الحرب علي العراق إلي دائرة نسيان أخري قد تصل لعشر سنوات, والتحالفات الاقليمية التقليدية بدأت ملامحها في التغير, إيران ستجد نفسها في مواجهة مع واشنطن وتل أبيب, وربما ستسعي وهي تحاول الآن منعها بتصريحات هادئة, ودمشق ركبت قطار التسوية بقطار تركيا, وفي لبنان يتحدث حزب الله عن تسوية سلمية لمزارع شبعا, وقبول وصاية دولية عليها. علي حماس إذن أن تعيد النظر في خريطة المنطقة وتقسيماتها الجديدة وتدرك أن هذه التطورات تلزمها بالعودة إلي مواقعها الصحيحة, وألا تراهن علي مواقف ودعم لعواصم رأت أن مصالحها القومية أو الوطنية تسبق الحديث عن التحرير, ودعم المقاومة. تحتاج حماس إلي وقفة وطنية سياسية, تعيد بها نفسها إلي حضن شعبها الفلسطيني ومصالحه الوطنية, تكبح جماح بعض أجنحتها التي تصورت أنها أصبحت قوة إقليمية. بحسابات الوضع اللبناني, مع إدراكهم أن غزة ليست لبنان, وأن خالد مشعل ليس حسن نصر الله. إن قوة حماس ودورها لن يكتمل إلا بالعودة إلي البيت الفلسطيني وإدراك أن الدور المصري الساعي للتهدئة وللتضامن الفلسطيني يصب في النهاية لصالح المشروع الوطني الفلسطيني الهادف إلي استرجاع حقوق هذا الشعب وإقامة دولته المستقلة وتحقيق السلام لكل شعوب المنطقة. إن الأوضاع الفلسطينية تدخل بدورها منعطفا جديدا, فإلي جانب انقسام السلطة بين رام الله, وغزة, ستواجه المؤسسات الفلسطينية خلال الشهور القليلة المقبلة فراغا دستوريا, فالرئيس الفلسطيني تنتهي ولايته خلال عام, والمجلس الوطني الفلسطيني لم يجتمع منذ سنوات وهناك حكومتان, واحدة مؤقتة وأخري مقالة, ومؤسسات منظمة التحرير لم تجتمع منذ سنوات, ومكاتب المنظمات التنفيذية كلها موزعة بين عواصم عربية عديدة, وبات الوضع الفلسطيني كله في مأزق, يحتاج عملا وطنيا صادقا للخروج منه. إن القادة الفلسطينيين مطالبون بإنهاء هذه الأوضاع, وفي اعتقادي أن دعوة الحوار الفلسطيني المقرر عقده في القاهرة قريبا يجب التمسك بها وإنجاحها, فلعبة توزيع الأدوار لم تعد صالحة هذه الأيام.