غطّت حوادث النهب والتخريب التي حاقت ب«المتحف الوطني» في بغداد، غداة سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، على تدمير وسرقات ثقافية وفنية ترافقت معها، وربما لا تقل فداحة عن سرقة تاريخ العراق القديم الذي كان محفوظاً في ذلك المتحف. وحينها، انشغل الاعلام بنهب المتحف الوطني العراقي وتابعه بذهول كبير. ولم يهتم كثيراً بالدمار والسرقات التي اصابت التراثين الاذاعي والتلفزيوني في العراق، حين طاولت الفوضى التي اجتاحت بغداد بعد دخول القوات الأميركية اليها، مباني الاذاعة والتلفزيون العراقيين، وقضت تقريباً على أرشيف نحو أربعين عاماً من المواد المرئية والمسموعة، التي يسجل بعضها مناسبات تاريخية كبيرة الأهمية في تاريخ العراق الحديث. سلم من ذلك التدمير الكثير من المواد الارشيفية التلفزيونية، التي أنقذها بمبادرات فردية عراقيون يقطنون بالقرب من مباني الاذاعة والتلفزيون. انتهى الأمر بجزء من هذه المواد الى أدراج أحزاب وشخصيات عراقية كانت تعارض نظام الحاكم السابق صدّام حسين. والمفارقة أن ملكية هذه المواد تعود للدولة العراقية، ولكنها عادت لتظهر في فضائيات تسيطر عليها تلك الاحزاب والشخصيات، وبدأت البثّ بعد عام 2003. لم يبدأ تدمير الأرشيف التلفزيوني العراقي مع دخول القوات الأميركية الى بلاد الرافدين، بل استمر ببطء طوال السنوات العشرين الأخيرة من عمر النظام العراقي السابق. وفي تلك السنوات، اتلف النظام عمداً كميات ضخمة من المواد الارشيفية لأنها تختلف عن توجهاته الفكرية. وتعامل ذلك النظام نفسه بلا مبالاة كبيرة أيضاً مع هذا الارشيف. وينقل بعض العاملين السابقين في التلفزيون العراقي، ان النظام سجّل العديد من خطب صدام حسين، ونشاطاته على مجموعة من الاشرطة التلفزيونية المستعملة والمخزّنة والتي كانت تضم مواد نادرة، لا يحتويها أي ارشيف تلفزيوني عربي آخر. ولم تهتم الحكومات العراقية الجديدة، وعلى غرارها فعلت عشرات الفضائيات الحزبية والدينية في البلاد، بتجميع هذا التراث أو بمحاولة تنظيمه. حتى أن المواد التي أُنقِذت لم تُعطَ مساحة ثابتة وكبيرة من البثّ على تلك الشاشات. الانترنت «أرشيفاً» للتلفزة جاء الاهتمام فعلياً بالمواد التلفزيونية العراقية النادرة من خارج مؤسسات التلفزة المحلية وسلطاتها. ونهضت بهذا الأمر مجموعة من المواقع الرقمية على الانترنت، أطلقها عراقيون يعيشون في المنافي. وركزت تلك المواقع على جديد الفنانين العراقيين ممن لا يحوزون شهرة كبيرة خارج بلاد الرافدين، فعرضت إنتاجاتهم ما عوّضهم نسبياً عن تغاضي الفضائيات العربية والعراقية عنهم. ويبدو أن الاتجاه في استخدام الانترنت لعرض المواد التلفزيونية العراقية، يرتبط بجيل من الشباب تربى خارج العراق، كجزء من بحثه عن هوية ثقافية وفنية لنفسه. ومن المشاريع البارزة في هذا الاطار، موقع iraqhere.com (وترجمتها «العراق هنا») الالكتروني. وقد انطلق في عام 1998 كشركة صغيرة لا تملك سوى إمكانات بسيطة. وحينها، قرّر شابان عراقيان أثناء دراستهما في الجامعات الهولندية إطلاق مشروع طموح يهدف الى تجميع عدد من المواقع العراقية (وخصوصاً التي يصنعها الهواة من الشباب) في منصة الكترونية تحمل اسم «العراق هنا». وفي عام 2005، تحوّلت هذه المجموعة من مواقع الهواة الى مؤسسة رسمية مسجلة في هولندا باسم «العراق هنا». تعتبر هذه المنصة الرقمية والمواقع المنضوية تحت لوائها من انجح المشاريع الالكترونية العراقية على الشبكة الدولية للكومبيوتر. وتتكوّن من مجموعة من الاقسام المتخصصة، التي يملك كل منها ترسيمة خاصة بها، لكنها ترتبط جميعاً بالموقع الأُم، ضمن تصميم متناسق وعملاني إلى حد بعيد. وتتكوّن منصة «العراق هنا» من المواقع التالية: «الفنانون العراقيون»، «كرة القدم» «الثقافة» و «الفيديو كليب» و «الأخبار» وخدمات أخرى. ولعلها الموقع العربي الوحيد الذي ينظم حفلات الموسيقيين العرب في هولندا وأوروبا، وينقلها كملفات مرئية ومسموعة، وباسلوب الوسائط المتعددة «ميلتي ميديا» عبر شبكة الانترنت. والمفارقة أن الشابين ساري البدري ونبيل جاسم، اللذين يملكان مؤسسة «العراق هنا»، ما زالا بعيدين عن اهتمام المؤسسات الرسمية العراقية والعربية. ولا يلقيان دعماً من أي جهة ليساعدهما على الاستمرار في مشروعهما التطوعي وتطويره. ومن اللافت أن عدد زوار موقع «العراق هنا» يتجاوز مئات الألوف يومياً. ولا يمنع هذا «الاهمال» الشابين من الاستمرار في تجربتهما الالكترونية وتطويرهما وانضاجهما. ويُلاحظ أنهما يدخلان الكثير من التبديلات والتعديلات على تلك المنصة الالكترونية بصورة شهرية منتظمة. ولعل الأحدث في نشاطات مؤسسة «العراق هنا» يتمثل في إنشاء موقع للفيديو كليب العربي يحمل اسم «فيديو فور آرَب.كوم» video4arab.com . ويحمل هذا الموقع شبهاً قوياً من تركيبة وعمل موقع «يوتيوب» You Tube الشهير، المتخصّص في تبادل أشرطة الفيديو بين جمهور الانترنت. ويأتي بعض الفارق في أن معظم مواد «فيديو فور آرَب» تأتي من الدول العربية وشبابها وحتى شركاتها العاملة في السينما والبث المرئي - المسموع. ويحتوي هذا الموقع الاقسام التالية: الموسيقى العربية، المواد التسجيلية، الأغاني الاجنبية، الاغاني العراقية، الرياضة والاخبار. من الصعب التنبؤ راهناً، بقدرة موقع «فيديو فور آرَب» على منافسة مواقع الفيديو الاجنبية مثل «يوتوب»، وكذلك بقدرته على جذب أعداد كبيرة من جمهور الانترنت العربي إليه. والارجح أن اختصاص الموقع بالمواد المرئية - المسموعة العربية يزيد حظوظه في جذب الباحثين عن المحتوى العربي على الشبكة الدولية للكومبيوتر.