الأهرام: 29/6/2008 أصحاب وملاك العقارات القديمة ذات الايجارات المنخفضة والمنخفضة جدا, والمتدنية في كل الأحيان ليسوا أعضاء في جمعية خيرية, ولا هم أيضا مسئولون عن جمعيات أخري للبر والإحسان, وفي نفس الوقت لا يمكن اعتبارهم من أبناء وأحفاد فرانكشتاين, وليسوا أيضا من فريق الرأسمالية المتوحشة ولا الرجعية الجشعة مصاصة دماء المستأجرين الغلابة الكبار في السن, الذين لا يجدون قوت يومهم, ولايمكن أن تنطبق عليهم تلك الأوصاف التي شبت وترعرعت في العصر الاشتراكي شقيق العصر الشيوعي. وهم أولا وأخيرا مجموعة من الملاك تعرضت للظلم مرتين خلال العصر الاشتراكي تم فيهما تخفيض الايجارات, ومرات منذ ذلك التاريخ علي أيدي الحكومات المتعاقبة التي أدركت حقيقة الظلم الواقع عليهم ولم تقدم علي تصحيح الأوضاع إما خوفا من المستأجرين وغضبهم وسخطهم المتوقع, وإما بسبب الميول اليسارية وكراهية الأثرياء بصفة عامة والملاك بصفة خاصة. وفي منتصف التسعينيات من القرن الماضي, التقيت بوزير الاسكان السابق أو الأسبق وعندما ناقشنا هذه القضية قال بوضوح إنه علي يقين من الظلم الذي تعرض له هؤلاء الملاك, وعلي بينة من أن قرارات تخفيض ايجارات المساكن كانت السبب المباشر لابتعاد الناس عن بناء عقارات للايجار, وتحول الجميع للبناء من أجل التمليك, مما تسبب في أزمة الاسكان وتفاقمها فيما بعد, عندما تبينت كل الحكومات عجزها عن توفير مساكن لكل المحتاجين لسكن. واذا كنا نعمل من أجل علاج مشكلة بناء المساكن بإصدار قوانين جديدة تحدد العلاقة بين المالك والمستأجر وبما يشجع أصحاب رءوس الأموال علي استثمار أموالهم في هذا المجال, إلا أنني وغيري لن نقترب من المساكن القديمة لأن الاقتراب منها إنما هو اقتراب من عش الدبابير, والعاقل أو الحكيم هو من يتجنب مثل هذا العش. ثم تساءل: هو غيري يغرقها وأنا اللي ينتشلها من الغرق!!؟ وأوضح وجهة نظر مقبولة, اذا افترضنا أن نصف المستأجرين الذين يدفعون الملاليم للملاك سيقبل بقرار أو قانون انصاف هؤلاء الملاك, فإن النصف الآخر لن يقبل, وسيتعرض الوزير أو المسئول صاحب القانون أو القرار لحملة تشهير واسعة النطاق, وسيجد الغاضبون مساندة من قوي سياسية كثيرة, ومن عدد كبير جدا من الكتاب والصحفيين والإعلاميين, وستثور جلبة لا نهاية لها, وسيجدها اليساريون فرصة هائلة لإحراج الحكومة والنظام, وسيتهمون الجميع بالعمل من أجل أصحاب رأس المال والأثرياء علي حساب الغلابة والفقراء ومحدودي الدخل. وأمام هذه الثورة وهذا الغضب قد تجد الحكومة نفسها مضطرة للتراجع وسيجد الوزير نفسه وقد جري تحميله مسئولية هذا القرار الخاطئ. وباختصار سيدفع الوزير الثمن وقد تدفعه الحكومة, والباب اللي تيجي منه الريح.. وهذا الوضوح لا يعني إلا الخوف من احقاق الحق, وإلا عجز المسئول أو المسئولون عن مخاطبة الرأي العام والدفاع عن قضية واضحة المعالم والأبعاد. وطوال السنوات الماضية, لم تتوقف المطالبة بانصاف الملاك وتصحيح العلاقة بينهم وبين المستأجرين مثلما تم تصحيح العلاقة بين ملاك الأراضي الزراعية والمستأجرين, كما أسهم مسئولون كثيرون من مختلف المستويات في هذا الحوار تحت قبة البرلمان أو خارجها, كما عبر عدد من النواب بالمجلسين التشريعيين عن آرائهم ووجهات نظرهم في هذه القضية. وكانت هناك علي الجانب الآخر كتابات كثيرة تصر علي استمرار الأوضاع كما هي وتدافع عن المستأجرين وتتبني قضيتهم, ويمكن تلخيص أسانيدهم في التالي: * الحرص علي الاستقرار السياسي والاجتماعي, لأن أي مساس بالوضع الحالي سيؤدي الي زعزعة هذا الاستقرار وسيثير الكثير من الاضطرابات. * مراعاة الظروف الحالية, خاصة موجة الغلاء التي تنشب أظافرها بقسوة في المجتمع ككل وتطال من بين من تطال جموع المستأجرين باعتبار غالبيتهم من محدودي الدخل وكبار السن. * كما أن معظم المستأجرين لا يمكنهم مواجهة أي ارتفاع في قيمة الايجار, وسيواجهون محنة التخلي عن مساكنهم, اذا ما عجزوا عن سداد قيمة الايجارات الجديدة, واذا ما حدث ذلك فالي أين في ظل أزمة الاسكان الحالية وارتفاع قيمة الايجارات واثمان الشقق الجديدة؟ * ان الملاك كلهم بلا استثناء قد استردوا رءوس الأموال التي استثمروها في بناء عقاراتهم مع نسبة هائلة من الأرباح منذ إنشائها حتي الآن, وبالتالي ليس من حقهم المطالبة بزيادة قيمة الايجارات. ثم إن هؤلاء الملاك الرأسماليين المتوحشين عليهم مراعاة ظروف المستأجرين الغلابة محدودي الدخل الذين أنهكهم المرض والتقدم في السن وقسوة الحياة. واذا كانت ظروف الملاك قاسية فإن ظروف المستأجرين أقسي, وهي الأولي بالنظر وهم الأولي بالرعاية, وبمثل هذا المنطق الأعرج لايمكن أن تستقيم الأوضاع, ويتعذر إحقاق الحق ورفع الظلم عن المظلومين, فما هي علاقة الملاك, أي ملاك العقارات القديمة بالاستقرار, انهم مجموعة من المظاليم وقد طالت فترة الظلم الواقع عليهم, والكل يعرف هذه الحقيقة, وكيف لا يعرفون, إن صاحب رأس المال لا يحصل إلا علي ملاليم أو قروش أو عدة جنيهات, وكأنه يعاقب علي استثمار أمواله في بناء هذا المبني. إن الحفاظ علي الاستقرار مهمة السلطة ولكن بشرط احقاق الحق, وعدم الميل لشريحة اجتماعية علي حساب شريحة أخري, ويدرك المسئولون علي كل المستويات أن الظلم وافتقاد العدالة من أهم أسباب السخط والغضب وعدم الاقتناع بهذه السلطة التي تحمي الظلم. ثم من قال إن الملاك مسئولون عن محدودي الدخل والمتقدمين في السن والغلاء والظروف الصعبة للمستأجرين؟ أما القول بأن أصحاب العمارات قد استردوا كل ما استثمروه من أموال وربحوا, فإنه قول بالغ السخف, لأنه يضع قاعدة مؤداها أن كل مستثمر أيا كان المجال الذي يستثمر فيه أمواله, يفقد ملكيته وحقوقه كلها حالما يسترد الأموال التي استثمرها مع قدر من الربح. فهل هذا هو المطلوب؟ أي أن يكتفي المستثمر من الأمر باسترداد المبالغ التي استثمرها؟ ولو كان الأمر علي هذه الصورة, لما كان هناك استثمار أو مستثمرون؟ إن مجرد طرح هذا المنطق, ووجود من يردده, أمر مخيف, وطارد للاستثمار والمستثمرين ونود أن نقول, إن أي قانون يعد لانصاف هؤلاء الملاك بعد كل المظالم التي تعرضوا لها, يجب أن يضع من يعدونه في اعتبارهم ظروف المستأجرين والتدرج في تطبيق أي زيادة في قيمة الايجار, مع مراعاة الموازنة بين كل الاعتبارات.