الاهرام : 23/6/2008 كثيرا مانتوه في التفريعات والتعريفات, ونترك صلب الموضوع ذاته. من هنا بات علينا أن نؤصل في هذه المرحلة تحديدا. ماهو مدلول مصطلحات المواطنة والوطن والانتماء في منظومة القيم المصرية. ولن نتناول هذا التوصيف بأسلوب التقعر والتنظير والدراسات الأكاديمية ولكن سوف نعود إلي قاموس الخبرة الذي أصبح عرفا نعيش به وعليه وقد يتساءل القاريء: ولماذا لم أدخل العقيدة الدينية تحديدا في هذه المنظومة, وأقولها صريحة, لأنني لا أري ان هذا المصطلح له علاقة بالمواطنة ولا الانتماء ولكنه يدخل في منظومة منفردة ومنفصلة, تربط الإنسان بذاته وبربه, وإيمانه بقيم أكبر من قدرات البشر, واعز من مضمون الانتماء. وأبدأ بمصطلح الانتماء والذي لا أجد له مكانا في علاقتي بالوطن, فأنا لا أنتمي للوطن, بل الوطن هو أنا, وأنا جزء من هذا الوطن.. فأنا نشأت في مصر, وكبرت في مصر, وارتبطت بمصر ارتباطا جذريا من خلال أهلي وخلاني وثقافتي وتاريخ وطني.. فمصر هي جلدي وشراييني ولحمي والدم الذي يجري في عروقي.. ولا أقول هذا التوصيف كنوع من البلاغة أو التناطح بالألفاظ لأنني لا أشعر أنني احتاج إلي المزايدة علي وطنيتي, لأنني مواطن ولست مهاجرا.. فالمهاجر, يرتبط بدولة المهجر برباط الانتماء: فهناك عقد سياسي واجتماعي يربطه بموطنه الجديد وأقولها موطنا وليس وطنا. ثم إن الفرد قد ينتمي إلي ناد رياضي فينحاز اليه بحكم الاختيار ثم الانتماء أو أن يكون خريجا لمدرسة تعلم فيها فيرتبط تاريخه بها, أو يشعر أنه ينتمي إلي محافظة محددة.. إلا أن كل هذه الظواهر لاترقي لمستوي المواطنة, وإنما الانتماء.. فالمواطنة حب وارتباط ومعايشة وتاريخ ووجود. فإذا ماطبقنا هذا المعيار علي الارتباطات السياسية التي نراها في عالم اليوم.. نري أن الارتباط بحزب سياسي هو نوع من ممارسة اللعبة السياسية, دون أن يلزمني هذا بالبقاء فيه كتأكيد علي وطنيتي.. فكم من وفدي تحول إلي سعدي, ولم يؤثر ذلك علي صلته وولائه لوطنه مصر.. نأتي لمعيار آخر, فهل كل مواطن حاليا يمارس دوره كمواطن. وقد يتساءل البعض, ولماذا أقولها مقصورة علي الحالي, ولا أعممها؟ لأنه عندما كان وطننا محتلا, فلم يكن هناك غير مستويين من التقويم وهما: - المواطن, أو الخائن.. فعدم المشاركة السياسية أو الاجتماعية, تحت قهر الاحتلال وسطوته لم تكن لتمنع عن المصري صفة المواطنة, لأنه كان يعايش, وينفعل, ويعاني من وضع بلده, ومن مقاومة المحتل في سبيل التحرير, ومن شح الامكانيات, وكثافة مايحتاجه وطنه, فلا صوت كان يعلو علي صوت المعركة كما قالها سياسيو مصر وقت الاحتلال. اما الآن فنحن دولة لاتعيش أجواء الاحتلال الغاشم, ومن ثم فإن من واجب كل مواطن أن يمارس دوره الوطني, لا أن يمتنع عن ممارسة حقه كمواطن, أو أن يمنع عن القيام بواجبات المواطنة. ودعونا نقولها بكل الصدق, إن الأمن يمكن ان يكون داعما لمنظومة المواطنة, فهو الذي يحقق أمن وسيادة وحدود الوطن, وتحقيق الأمن الداخلي ومنع استشراء الجريمة.. إلا أن الأمن لايمكن أن يغني عن المواطنة بالنسبة للوطن, بل هو والقضاء يحميان قيمة المواطنة وقداستها ممن يحاول ان ينتهك أسسها. كما أن المواطن الحق, يلتزم بالقانون لأنه يحب بلده, فإن أخطأ مواطن اعتبر متهما, وعلي الأمن ان يلاحقه ويتعقبه, ثم يحيل الأمر بعد ذلك للسلطة القضائية, فإن ثبتت علي المواطن التهمة, صار مجرما من المجتمع, إلا أنه لايفقد صفته كمواطن, إلا في جرائم محددة ينص عليها القانون. فضلا عن أن من أقدس واجبات الأمن والقضاء أن يحمي حق المواطن في أداء حقه الانتخابي بصورة سليمة وعادلة, لتمكين المواطن من ممارسة أقدس حقوقه, وهي المشاركة في حكم بلده.. فالأمن والعدل صنوا المواطنة, ولكن من منظور أن الأمن والقانون يحميان ويحافظان علي كرامة المواطن, ويحققان له الأمان داخل وطنه. نأتي إلي القول الفصل: فلماذا لانري في مصر سمة المواطنة الحقة في هذه المرحلة من تاريخنا المعاصر؟ وهنا أقولها بكل الصدق, إن المواطن المصري قد فقد إلي حد كبير سمة المواطنة فهو لايحترم القانون بل يخاف من الأمن, وهو لايري أن له دورا يؤديه كمواطن, بل هو مهمش عن المشاركة في حل المشاكل التي يمر بها وطنه, والتي تمسه نارها وتمس حياته بصورة مباشرة ومن ثم فقد نأي بنفسه عن المشاركة السياسية كمواطن, بعد أن شعر أنه يعاني من غربة في وطنه. فالحياة السياسية مقصورة علي حزب أوحد, والاوضاع الاقتصادية تلتهم حياته, والتمايز الطبقي جعله يشعر بعدم الانتماء حتي في حدوده الدنيا خاصة بعد أن وصل التمييز بين المواطنين إلي مرحلة شراء القادرين وذوي المراكز والمناصب لامتحانات الثانوية العامة المؤهلة لدخول بعض الجامعات الحكومية والتي كانت تتميز دوما بالتكافؤ والعدالة والشرف, مما كان له الفضل في اتاحة الفرصة أمام غير القادرين ماديا, أن يتفوقوا علميا ويكونوا فئة من العلماء والمتخصصين والأطباء والمهندسين والمهنيين المتخرجين من كليات القمة, الذين ينتمون للطبقة المتوسطة ودون المتوسطة. ومازلت علي قناعة تامة بأن الأمر يلزم تداركه بصورة حتمية وفورية حتي يشعر المواطن, ولو بمجرد الانتماء, وليس المواطنة وهي حق له ليمكنه أن يعايش حياته الصعبة بقدر كبير من التعاون حتي نعبر مرحلة معايشة المصاعب ليتحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي.. فدون الاحساس بالمواطنة الحقة, أو علي الأقل الاقتناع بحتمية الانتماء كحد أدني, سوف يعاني هذا الجيل, وربما الأجيال المقبلة من وطأة المعاناة وعدم الانتماء.. ففرصة مصر لتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي وغيرها كبيرة الآن فهل سنلحق قطار التطور؟!