ماذا يجمع بين أمينة الكرواتية وبول - جايمس الإرلندي وعاطفة الأميركية وإدواردو الغواتيمالي وداميان البرازيلي ومارتا البولندية ونانيت الجنوب أفريقية؟ وماذا يجمع كل هؤلاء بالرئيس الكولومبي السابق أندريس باستانا ووزير المالية الأفغاني السابق أشرف غاني؟ ثمة قاسم مشترك بين كل هؤلاء ونحو مئة مشارك آخر في مؤتمر عقدته منظمة ال «يونيسكو» في العاصمة البحرينية المنامة يومي 16 و17 الجاري. ذلك القاسم المشترك ليس سوى دائرة العنف والتطرف التي لا يقف بلد في العالم بمنأى عنها وإن كل بحسب ظروف خاصة وتجربة مختلفة، وسبل الخروج منها إن كان ذلك لا يزال ممكناً. المؤتمر الذي انطلق تحت عنوان «الشباب عند مفترق طرق: نحو مستقبل بعيد من العنف والتطرف»، برئاسة رئيس الجامعة الأميركية - اللبنانية جوزيف جبرا، ورعاه وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وحضره نائب مدير عام ال «يونيسكو» مارسيو باربوسا، ونائب أمين عام الأممالمتحدة السابق أنور الشودري حمل رسالة أساسية هي أن العنف والتطرف ليسا حكراً على الديانة الإسلامية وحدها كما بات يبدو عليه الأمر منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، وإنما هما ظاهرتان متفشيتان في دول العالم كلها، ولهما أبعاد ومسببات اقتصادية واجتماعية وسياسية. ولم يأت هذا الكلام بصفته مجرد سرد نظري أو ترجمة لروايات متنقلة، وإنما جاء على لسان من عاشوا التجربة بأنفسهم سواء كضحايا أو كأفراد منظمات مسلحة تسببوا في تعنيف الآخرين وإرهابهم. ولعل نقطة القوة في هذا المؤتمر تكمن هنا بالذات، إذ نجح المنظمون في جمع الضحايا والجلادين السابقين إن صح التعبير في قاعة واحدة، وتحت سقف واحد. ممثلو المجتمع المدني والجمعيات التي تعمل على انتشال الشباب من دوامة العنف تلك حضروا أيضاً برسومهم البيانية وتحاليلهم، فيما أحيا 3 فنانين من دول مرت بأزمات ليالي المجتمعين، وهم جومانا مدور من لبنان، وسيزار لوبيز من كولومبيا وشريف لانسانا من سييرا ليون. والأخيران محاربان سابقان، نبذا السلاح وحملا آلة موسيقية بدلاً منه دعماً للسلام. ويستوقف المشارك في المؤتمر تجارب عديدة بعضها تم عرضه خلال الجلسات الرسمية وبعضها الآخر احتضنته أروقة القاعات وطاولات الطعام حيث تجمع شبان وشابات تبادلوا عناوين بعضهم بعضاً ليكملوا رواية ما بدأوه بسرعة في المنامة. الرئيس الكولومبي السابق أندريس باستانا تحدث بإسهاب عن مافيا المخدرات في بلاده، وكيف كان يحاول الكشف عن زعمائها منذ كان صحافياً شاباً. وفي عام 1988 عندما رشح نفسه لمنصب عمدة بوغوتا، عاصمة بلاده، تم اختطافه على يد كارتيل «إسكابون» الشهير. ثم عام 1998 حين رشح نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية، أدرك المسؤولية الملقاة على كاهله في محاربة المافيا والحد من سطوتها. لكنه وعلى رغم ما بذله من جهود، إلا أنه لم يحقق النتائج المرجوة في القضاء كلياً على تجارة المخدرات وعصابات الجرائم المنظمة. ولفت باستانا إلى أن المتورطين في نشاطات عنيفة من هذا النوع يشكلون 0،1 في المئة من مجموع السكان في كولومبيا لكن ذلك العدد الضئيل كان ولا يزال كفيلاً ببث الرعب في نفوس الكولومبيين، وإرهابهم وزعزعة أمنهم. التجربة الأخرى التي تستحق التوقف عندها، والتي تم عرضها عبر تسجيل فيديو بث على شاشة هي لعضو سابق في عصابة شوارع العاصمة الأميركية واشنطن. شاب أسود لم يتجاوز النصف الثاني من عشريناته، تحدث بكل جرأة عن المرة الأولى التي تم تجنيده فيها. كان عمره آنذاك 14 سنة حين انخرط في الجرائم والمخدرات وأعمال السطو وإرهاب السكان العزل. قال «استغلوا شعوري بأنني فاشل وغير مرغوب بي فجعلوني أشعر بقوتي وقدرتي، أما الآن فيكفيني من السعادة أني خرجت من تلك التجربة حياً. لأن غالبية رفاقي قتلوا في مواجهات مع العصابات الأخرى أو بجرعة مخدرات زائدة». وتناول المؤتمرون الأسباب التي تدفع الشباب إلى اعتماد العنف والتطرف سبيلاً للخروج من واقعهم فلم يتم الكشف عن أي جديد في هذا المضمار، إذ بقي التهميش وغياب فرص العمل والتسرب المدرسي وغياب الأفق والقدوة الحسنة على رأس القائمة، وهي كلها عوامل مشتركة بين كل المؤتمرات التي تتناول مشاكل الشريحة العمرية الممتدة بين 14 و30 سنة. وكشفت الناطقة باسم مركز «برنسز تراست» البريطاني عن رقم مفجع يتناول وسائل الإعلام ويفيد بأن 71 في المئة من التغطيات الإعلامية والخطاب الإعلامي يحرض على العنف ويحض على الكراهية. وأعطت الناطقة مثالاً الأحياء ذات الطابع العرقي الواحد في لندن والتي تعاني كلها مشكلات مع أحياء الجوار مبنية على الكراهية والحقد. وفي دراسة أجراها المركز، تبين أن 1.2 مليون شاب غير متعلم ولا يملك أي كفاءة مهنية أو حرفية وأن كل شاب من أصل 6 يخرّج من المدارس الحكومية شبه أمي وغير قادر على القراءة، وأن واحداً من ثلاثة لديه سجل إجرامي قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره. ولعل نقطة ضعف المؤتمر الأساسية هي غياب الحديث عن أي تجربة عربية في هذا السياق. فكل العنف والتطرف الذي تعاني منه بلداننا، سواء كنا مشاركين فيه أو وقعنا ضحايا له لم يتم التطرق إليه في جلسات المكاشفة تلك. فاختزل العنف الذي تعاني منه مجتمعاتنا العربية بتبرئة الإسلام منه والكلام على وجوب التمييز بين الإرهابيين الخارجين عن الدين والتعاليم الدينية. وفي هذا الإطار تحدث النائب البحريني الإسلامي عادل المعاوضة عن وجهة نظره في هذه القضية فقال إن «العنف ربط مع الإسلام للأسف، لكن لو نظرنا إلى الدين لوجدنا الكثير مما يمارس باسمه بعيداً منه». وشبه المعاوضة المتطرفين ب «الإبرة في كرسي مريح. فمن يجلس ينسى الكرسي ويركز على الإبرة، لكن الواقع أن المنحرفين فكرياً هم قلة قليلة من أعداد المسلمين». وتساءل «ما الذي جناه المسلمون من 11/9 وأحداث لندن ومدريد غير الحروب والضيق والتضييق عليهم قبل غيرهم؟». وفي سياق تبرئة الدين من ارتكابات الإرهابيين، وهي تبرئة تكاد تصبح بديهية، لم يتوقف أحد عند أشكال العنف الأخرى التي تشهدها المجتمعات العربية ثقافياً أو سياسياً أو جندرياً. وإذ تتسم المؤتمرات عادة بالطابع الرسمي الذي يميل إلى الجدية المبالغة، يبقى أن الأروقة هي أفضل مكان لتبادل الخبرات. أمينة الشابة الصربية - الكرواتية وصلت من زغرب منهكة بعد رحلة عبر امستردام فاسطنبول فالمنامة. تعرفت أمينة على ميموزا وصديقها المقدونيين فأمضى الثلاثة أوقاتاً ممتعة. وقالت أمينة «قد يبدو أننا نأتي من خلفيات متباعدة على أساس السياسة والدين والعرق، لكننا في العمق متقاربون جداً وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا». وأخذت أمينة على منظمي المؤتمر عدم إعطاء الوقت الكافي للاستماع لمداخلات الشباب وإفساح المجال لهم بطرح الأسئلة على صناع القرار. هذا الرأي هو أيضاً ما عبرت عنه بشرى الهندي الناشطة البحرينية التي قالت «أفهم تماماً أن المؤتمر عند هذه المرحلة هو نتاج عمل طويل ويأتي كختام لجهود كثيرة، لكنني كنت فضلت لو أعطي الشباب المشاركون حيزاً أكبر». عاطفة الأميركية التي اعتنقت الإسلام وتحجبت تعمل منذ أربع سنوات في منظمة «غلوبال يوث» أو الشباب العالمي في واشنطن. هي منسقة برامج تتعلق ب «تمكين» الشباب ليصبحوا قادة في مجتمعاتهم. و «تمكين» هي الكلمة السحرية لأي منظمة أو مؤسسة. لكن عاطفة تقول أن عملهم يتخطى النظريات ليطبق على أرض الواقع إذ يستضيفون شباناً من بلدان عربية فترة أربعة أسابيع ويرسلون في المقابل شباناً أميركيين لكسر الأحكام المسبقة التي تحملها المجتمعات تجاه بعضها بطريقة عملية وتطبيقية. وقالت «هذه المرة الأولى التي أسافر فيها إلى هذا الجزء من العالم، وانتبهت إلى أنني وعلى رغم عملي في هذا المجال كانت لدي أفكار مسبقة كثيرة تغيرت كلها بمجرد أن التقيت الشباب هنا». وأضافت «توقعت أن يكون الناس هنا أكثر انغلاقاً ورفضاً للآخرين فهذه فكرتنا في أميركا وهذا ما يقدمه لنا الإعلام». يبقى أن المؤتمر عرض تجارب كثيرة وخبرات لم يكن ممكناً التعرف إليها لولا المشاركين الذين جاءوا محملين بالأفكار والتجارب ومستعدين للكشف عن أخطائهم والتراجع عنها. عسى أن تجد التوصيات القيمة سبيلها إلى التطبيق فلا يبقى الشباب واقفاً عند مفترق طرق فتتلقفه أيادي العنف والتطرف والإرهاب!