كالعادة لم يدم العرس اللبناني كثيراوبعد ثلاثة أيام فقط من احتفال جميع الفرقاء بانتخاب رئيس جديد وسط حضور عربي ودولي كبير تجددت الحرب الاعلامية بين الأغلبية والمعارضة بعد إصرار الأغلبية علي استخدام حقها الدستوري وإعادة ترشيح فؤاد السنيورة رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية الجديدة, الأمر الذي اعتبرته المعارضة هزيمة سياسية لها لفشلها في اسقاط السنيورة بكل الطرق والوسائل وبدأت التساؤلات حول مصير اتفاق الدوحة ولماذا كانت المعارضة تفضل تولي النائب سعد الحريري زعيم الأغلبية رئاسة الحكومة الجديدة وهل كان ذلك كمينا للحريري وكيف تحول السنيورة من قائد حكومة المقاومة حسب تعبير قطب المعارضة نبيه بري رئيس مجلس النواب في صيف2006 الي الهدف الأول لكل سهام المعارضة الآن في أول اختبار له حرص الرئيس ميشال سليمان علي تطبيق الدستور بدقة وفتح صفحة جديدة بين مختلف الاطراف السياسية اللبنانية بعيدا عن التحدي و الاستفزاز لاي فريق, لذا جاء تكليفه للسنيورة بتشكيل الحكومة الجديدة بعد حصوله علي النصاب البرلماني اللازم لذلك بالرغم من رفض أطراف المعارضة ذلك التكليف وخاصة' حزب الله' الذي لم يتمكن من إقصاء فؤاد السنيورة طوال السنوات الماضية. ورغم ان السنيورة نفسه كان يفضل ترك الحكومة إلا أنه اضطر لقبول التكليف موضحا ذلك بقوله ان الظروف التي سادت الفترة الاخيرة جعلتني انزل عند رغبة حلفائي في الغالبية النيابية في موضوع رئاسة الحكومة الجديدة فأنا كنت ولا ازال جزءا من قضية وفكرة بذلت كل ما في وسعي من جهود من اجل تنفيذهما وهما فكرة الدولة وقضية الدولة. اي اقامة دولة وتمكينها من الدفاع عن حقوق الناس وحماية لهاتين الفكرة والقضية والخط السياسي العامل من اجلهما وبعد تقويمي للمرحلة المقبلة وجدت ان علي ان اقبل ما لم اكن ارغب فيه واعرف ان هذا الموقف قد يجعل مني درعا أو بالأحري هدف رماية يصوب الكثيرون عليه سهامهم وربما يكون ذلك بدأ وانا لا انكره الآن. كما انني فكرت فيه قبل القبول. لكن علي من يؤمن بقضية او بفكرة ان يتحمل السهام. وفي تحليلهم لتفضيل المعارضة تولي الحريري رئاسة الحكومة بدلا من السنيورة يري كثير من المراقبين ان بعض المعارضين يعتبرون ان الأزمة الأخيرة احرقت السنيورة ويجب استغلال الموقف لإحراق الحريري ايضا والقضاء علي أي فرصة لتيار المستقبل في الانتخابات النيابية المقبلة. وبحسب المشاركين في اجتماع الأمانة العامة لقوي الأغلبية(14 آذار) مساء الثلاثاء الماضي الذي تم في نهايته الاتفاق علي تسمية السنيورة لرئاسة الحكومة فإن النائب سعد الدين الحريري أكد ان توليه هو شخصيا رئاسة الحكومة سيؤدي إلي انشغاله عن خوض المعركة الانتخابية المقبلة وسيفتح الباب أمام هجوم سياسي عليه واتهامه باستغلال رئاسة الحكومة في الجولات علي المناطق. ورد موقفه الي ثلاثة أسباب هي: انشغاله بترميم الوضع السني ومعالجة تداعيات اجتياح ميليشيا حزب الله لبيروت, وإشراف الحكومة علي الانتخابات النيابية وهو ما سيحتاج إلي جهد وخبرة كبيرين إضافة إلي نيته خوض هذه الانتخابات وثقته الكبيرة بأن السنيورة قادر علي مواجهة التحديات. وقد أثني سمير جعجع قائد تيار القوات اللبنانية علي اعتبارات الحريري مشددا علي دور الحريري الأساسي في انتخابات العام المقبل, واضاف الوزير مروان حمادة بعدا جديدا عندما أكد أن الحريري لايريد رئاسة الحكومة لأنه ليس في وارد تطبيع العلاقة مع دمشق حاليا قبل ظهور الحقيقة في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري. وردود الفعل الأولي من جانب المعارضة علي تكليف السنيورة تؤكد ان سعد الحريري كان محقا حين قرأ المشهد السياسي وتوقع فخا تنصبه له المعارضة لو كان قبل بأن يكون رئيس الحكومة المقبل فثمة ما يشير إلي ان المعارضة كانت تنوي ابتزاز الحريري وفرض الشروط عليه. بالاضافة الي أن عمر الحكومة الجديدة لن يتجاوز العشرة اشهر ولديها بند واحد ملح وهو اعداد قانون الانتخاب الذي ستجري انتخابات العام المقبل علي أساسه, الا أن ذلك لا يخفي أمورا أخري متعلقة بسياسات وخيارات إقليمية ودولية فمن المعروف أن كل الملفات ذات الوزن في المنطقة هي عمليا مؤجلة إلي ما بعد الانتخابات الأمريكية وبالتالي فان توابع هذه الملفات ينبغي تجميدها أو عدم إجراء تبديلات جوهرية فيها ويأتي اتفاق الدوحة ليساير هذا الخيار من منطلق إبقاء الأمور في لبنان إلي ما هو عليه في هذه الفترة ومن هنا جاء تكليف السنيورة تشكيل الحكومة. لكن الأمر لن يقف عند ذلك فثمة عقبات كثيرة يمكن أن تقف في وجه تشكيل الحكومة من ناحية نوعية الأسماء التي ستطرح للتوزير إضافة إلي نوعية البيان الوزاري الذي ستأخذ الحكومة علي أساسه ثقة المجلس النيابي في الجزء الأول فان حجم التمثيل لكل فريق محسوم من الناحية المبدئية16 للأغلبية و11 للمعارضة و3 لرئيس الجمهورية. إلا أن العقبة الأولي ستظهر في توزير بعض الشخصيات المحسوبة علي المعارضين والتي يمكن أن تشكل استفزازا لأقطاب منافسة لها في الأغلبية وبخاصة من الطائفة الدرزية والسنية. إضافة إلي ذلك إن نوعية الوزارات سيكون لها عمليات شد وجذب كثيرة وبخاصة وزارات الخدمات والسيادية. وإذا تم تخطي هذه العقبات فثمة البيان الوزاري الذي سيكون مطروحا لمناقشات ومداولات حادة وبخاصة ما يتعلق بالمقاومة وسلاحها وهي حجر الرحي في أية سياسة عامة ستقدم عليها الحكومة مستقبلا إلا إن ما يستشف من الأجواء الإقليمية والدولية أن ثمة اتفاقا مبدئيا علي تجميد الأمور في لبنان وعدم وصول الأوضاع إلي نهايات غير قابلة للسيطرة عليها وبالتالي ثمة مصاعب كثيرة سوف يتم تذليلها وبخاصة من قبل الراعي القطري والجامعة العربية. وحسب مصادر متابعة للمسعي القطري فإن الحكم الأساسي علي المنحي التوافقي إنما هو في طريقة تعامل جميع الأطراف خاصة رئيس الحكومة المكلف مع قضية توزيع الحقائب والتي يفترض أن تسبقها ورشة داخل كل من فريقي الأغلبية والمعارضة من أجل تحديد الأسماء والحقائب للانتقال نحو التفاوض الثنائي الذي ربما يقتضي إعادة تفعيل لجنة قانون الانتخاب أو عودة القطريين الي بيروت أو أن يقوم رئيس الجمهورية بلعب دور الوسيط بين المعارضة والأغلبية وإذا مرت عملية تشكيل الحكومة بخير وهي غير محددة بسقف زمني دستوريا لكن يفترض ألا تتجاوز الأسبوع الواحد فإن عملية الانتقال نحو البيان الوزاري يفترض أن تكون عملية أسهل من سابقاتها خاصة أن الجانب القطري قد أخذ علي عاتقه مهمة انجاز البيان الوزاري الذي سيكون مزيجا من بنود اتفاقي بيروتوالدوحة وخطاب القسم الدستوري للرئيس والكلمة التي ألقاها السنيورة بعد تكليفه. وقد أكد السنيورة في هذه الكلمة أن مهمة تعزيز بناء جيشنا الوطني وقوانا الأمنية تبقي في أعلي سلم أولوياتنا الوطنية ورأي أن التنافس يمارس بالانفتاح وقبول الآخر داعيا الجميع الي مراجعة الماضي لعدم العودة اليه وإلي التمسك باتفاق الدوحة استنادا الي اتفاق الطائف والدستور, مشيرا الي انه علينا إقامة علاقات متبادلة وندية مع سوريا وتطبيق القرارات الدولية لاستعادة ارضنا المحتلة. كما يجب تنظيم خلافاتنا من خلال المؤسسات الدستورية وحصر الأمور الخلافية ومعالجتها بروح الانفتاح. وتوقع أحد أقطاب الأغلبية أن يأخذ السنيورة وقته في تشكيل الحكومة وذلك رغبة منه في أن تهدأ النفوس أكثر في ضوء ردود الفعل السلبية التي أبدتها المعارضة علي تكليفه. واعترف القطب بأن اتفاق الدوحة لم يحقق الوفاق المطلوب علي كل القضايا بين أركان الأغلبية والمعارضة وهدفه الأساسي كان التوافق علي رئيس الجمهورية ولكن الوفاق ينبغي أن يحدث عندما تؤلف حكومة الوحدة الوطنية علي أساس برنامج يتوافق عليه الجميع. وفي كل الأحوال فنحن أمام حكومة عمرها عشرة أشهر فقط, ستشكل وتعمل بالحد الأدني من التوافق وسيكون الهدف الوحيد لكل وزير بها سواء من الأغلبية أو المعارضة هو استغلال موقعه الوزاري, خاصة في وزارات الخدمات لتعزيز موقفه الانتخابي في الانتخابات النيابية التي ستجري العام المقبل والتي يراهن كل طرف علي أنها ستكون لصالحه ووقتها يكون لكل حادث حديث.