اخبار الخليج: 29/5/2008 "وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا"، فى هذا الشهر مايو يعد اليوم العالمي للصحافة فأول ما يتبادر الى الذهن في هذه المناسبة هو حرية الكلمة وقدسيتها، وفي هذا الصدد أكد صاحب السمو رئيس الوزراء في تصريحه مؤخرا أن الصحافة البحرينية أثرت الحراك السياسي بجهودها الواعية وإسهاماتها البارزة في تلمس احتياجات المجتمع وتعاملها المهني المتميز مع مختلف الموضوعات المطروحة على الساحة المحلية والعربية والدولية ووصف سموه صحافة البحرين بأنها صحافة نزيهة ومنفتحة على العالم وهي ثرية بالأقلام الشريفة وهو ما يؤكد حرية الكلمة التي يتمتع بها الصحفي البحريني واحترامه للكلمة المقدسة انسجاما مع التوجه الذي يبديه جلالة الملك في إرساء صحافة محلية حرة ومستنيرة بشكل يجعل مجتمعنا رائدا لهذه الكلمة التي أصلها طيب وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ولما كانت النهضة الأدبية الحديثة التي عمت العالم العربي منذ مطلع القرن التاسع عشر نتيجة اللقاء بين الشرق والغرب إثر حملة نابليون الشهيرة على مصر، كذلك كان مولد الصحافة العربية وليد اتصال الغربيين ببلاد المشرق العربي، فالفن الصحفي كبقية الفنون مكمل لبعضه ومقتبس في بعض الأحيان، وكما نعرف أنه نشأ وترعرع في أحضان الحضارة الغربية وكان الغربيون هم الذين ابتدعوه وحسّنوه وجاءوا به الى الشرق، لكن سحر الشرق يجب أن يسود ويطغى، وبخصوص حرية الكلمة يقول الدكتور مصطفى رجب في مقال له بصحيفة «الشرق« القطرية (ان كل الاتفاقات الدولية تكفل بشكل غير محدد حرية الكلمة وحرية التعبير عن الرأي في أي مكان وزمان ومن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص المادة رقم 19 على أن لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء من دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود). الموضوع الخاص بالصحافة الالكترونية وحرية الكلمة فيها يدفعنا إلى أن نؤكد أنه على الرغم من انتشار ظاهرة هذا النوع من الصحافة بشكل متسارع فى بقاع شتى من العالم لايزال هذا النوع من الصحافة في بداياته بالمنطقة العربية ويحتاج إلى المزيد من التوضيح لمفاهيمه وقواعده الأساسية خلافا عن الخصائص التي تميزه عن الصحافة الورقية المكتوبة، وفي ظل الاتجاه المتزايد نحو استخدام الإنترنت كوسيلة للإعلام والحصول على الأخبار ومتابعة ما يجرى عالميا فقد أنشأ معظم الصحف المطبوعة لنفسها مواقع إلكترونية تخاطب بها جمهور الإنترنت الذي يتزايد بصورة كبيرة حيث يزخر هذا المدخل بالعديد من النقاط الجديرة بالمناقشة مثل مستوى الجودة في الموقع من حيث التصميم والتبويب ودورة تحديث البيانات بالموقع والخدمات المقدمة عليه وغير ذلك من الأمور المهمة التي تعزز من مصداقية الموقع، ولا شك أن هذه الجوانب وغيرها يجب أن تحمل قدرا كبيرا من الثراء المعرفي خصوصا فيما يتعلق بمواقع الصحف العربية التي لم تأخذ حقها في الانتشار الالكتروني، ويبقى العامل الأهم في الصحف جميعا هو المعلومات لأنه ان لم تكن هناك معلومات كافية فلن يكون هناك رأي كاف وواضح، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه، هل ستحل الصحافة الالكترونية محل الصحافة الورقية الاعتيادية؟ وهل ستتمتع كلمتها بنفس مستوى المصداقية لدرجة تجعل القارئ يأنس اليها ويثق بها؟ أعتقد أنه من الخطأ النظر إلى ظاهرة الصحافة الإلكترونية كقافلة خير وكفى فقد حملت معها الكثير من التحديات التي يمكن أن تعصف بالصحافة عموما كمهنة سواء كانت تقليدية أو إلكترونية وفي مقدمة هذه التحديات قضية الأخلاقيات المهنية، و أكثر ما نخشاه على الصحافة الالكترونية أن تكون كلمتها ملعوبا فيها أو غير معتمدة بما فيه الكفاية حيث انه يسهل تزوير الحقائق أو عدم خضوعها لقوانين ومحددات رقابية وربما تكسر تعابير مفرداتها القيم الاجتماعية أو تخدش الحياء حيث المشاركة من قبل أفراد الشارع بلا قيود أو مهددات، كما أخشى أن تكون الصحافة الإلكترونية مجرد بالون سينفجر في وقت ما ويتبخر أثره في الهواء بدل أن تكون قنبلة ستفجر الأرض من تحت أقدام الصحافة المطبوعة، وفي الوقت الذي نتطلع فيه الى تطوير مستوى الطرح الصحفي وحرفيته بدل أن تكون الكلمة مبتذلة قوبلنا بهذا النوع من الصحافة وهي الصحافة الاكترونية التي تعتبر نكسة وتطورا في نفس الوقت وفي هذا الجانب بالذات، واذا كانت الكلمة المدونة في الصحافة التقليدية عرضة لأن تكون مقتبسة أو مسروقة فإنها للأسف قد تكون مسخة ووضيعة في الصحافة الالكترونية، بل قد يضعها شخص وينسبها الى آخر لأهداف سياسية أو اجتماعية أو غير ذلك، لذلك نجد أن الأشخاص الذين ليس لهم منابر حقيقية يجدون أنفسهم في الصحافة الالكترونية ويترعرعون في أحضانها بما فيه الكفاية، ويقال ان أحداث مصر الأخيرة حركتها المواقع الالكترونية، وحيث يؤخذ على الصحافة المكتوبة سلبيتها بغياب التخصصية وطغيان الخبر على الفنون الصحفية الأخرى مع قلة اهتمام الشارع عادة بالإعلام المكتوب، وأبلغ كلام سمعته بهذا الخصوص من أحد الزملاء القدامى وهو مصرفي مخضرم أنه يرى صورتي كثيرا في الجريدة وعندما سألته عما هو مخبأ تحت الصورة من كلام أو في السطور، بدا وكأن الأمر ثقيل ومتعب، فأرجو ألا يكون وضع القارئ ممن يلقي نظرة على العناوين فقط، واذا كان هذا هو حال القارئ العربي أو الخليجي فاني كثير الاستغراب والاندهاش لمن كلف نفسه ذلك العناء في تفكيك الكلمات وهي قدسية وهو لا يختلف عن هذا الشخص الذي لم يقرأ سطرا واحدا منها عندما كانت مكتوبة، كما لاحظت مؤخرا أن بعض الكتاب في صحف أخرى اتجهوا لأن تكون مقالاتهم على شكل سرد قصصي شخصي بدل أن تكون ذات صبغة أكاديمية ربما خوفا من ضعف التوثيق ومنهم من يلمزك في الايحاءات وهذا اتجاه سلبي يجب عدم مسايرته حتى لو ارتفعت أصوات النشاز أو المشككين في المصداقية، علينا أن نعيد للكلمة الحرة ملائكيتها ونخلصها من أدران الخداع والتلون ونعتقها من قيود الوصاية التي تمارس الرذيلة الفكرية معها بأبشع صورة، نرجو ألا تكون كلمة الصحافة الالكترونية هي السفلى، ولكن سوف تبقى طبعاً كلمة الله هي العليا.