نقلا عن الاخبار 22/4/2008 انعقد مؤتمر تطوير التعليم وانفض دون ان يصدر قراراته ودون ان يعرف علي وجه الدقة ماذا يدبر لابنائنا في السنوات القادمة، بعد ان تركت التوصيات في عهدة الوزير ليقرر ما يشاء وقتما يشاء باسم المؤتمر!! وقد افتتح الرئيس مبارك المؤتمر بخطاب مهم، وحضرت الدولة والاعلام، ولولا ذلك لما سمع بالمؤتمر احد، ومع ذلك يقال ان 'الحوار المجتمعي' بشأن قضية تطوير التعليم قد تم علي سنة الله ورسوله، وان كل الاطراف طرحت افكارها وناقشتها، وان التوافق تم علي كل شيء.. من نظام الثانوية العامة، إلي المناهج إلي الدروس الخصوصية، إلي تعديل اسلوب القبول بالجامعات!! ولست من خبراء التعليم، ولكني ادرك أنه عندما يتحدث عن قضاياه ومشاكله من هم في قامة الدكتور حامد عمار والدكتور عبدالسلام عبدالغفار علما وتجربة، فعلي الجميع وبدون اي استثناء ان ينصت ويستفيد ويتعلم قبل اتخاذ قرارات ستؤثر في كل منزل في مصر. وحتي لا يستمر مسلسل تحويل ابنائنا إلي حقول تجارب فاشلة ندفع ثمنها غاليا!! وكلنا يذكر كيف ألغينا عاما دراسيا من المرحلة الابتدائية و سط التهليل بان هذا طريقنا لكي نلحق بالعالم المتقدم، ثم كيف اعدنا العام الذي ألغيناه بعد ذلك وبقينا حتي الان نعالج اثار ما حدث!! وكلنا يذكر ان الثانوية العامة كانت عاما واحدا، وتم تعديلها قبل بضع سنوات إلي النظام الحالي الذي اصبحت فيه عامين. وقال الخبراء ومازالوا يؤكدون انها النظام الأصح، وانها ليست المسئولة عن مضاعفة الدروس الخصوصية التي تبدأ الان منذ دخول الطفل إلي المدرسة وتستمر حتي الدراسات العليا بالجامعة!! والان يقال للناس ان كل شيء سيتم اصلاحه لو عدنا بالثانوية العامة لكي تصبح عاما واحدا لحين اشعار اخر بالطبع، وإلي ان يأتي وزير اخر ربما يكتشف '!!' ان الثانوية العامة ستكون افضل لو اصبحت ثلاث سنوات أو لو تم اختصارها في نصف عام دراسي، وفي الحالتين سنجد من يهلل لعبقرية الوزير، وسيتم تجاهل اراء الخبراء والعلماء وسيتم التنفيذ بسرعة، ثم يتم التراجع بعد ان يدفع المجتمع الثمن غاليا!! لقد انعقد المؤتمر الاخير ليناقش الافكار الجديدة التي قدمتها وزارة التعليم للتطوير، وبسبب اختلاف الرؤي وكثرة الانتقادات لم تصدر توصيات المؤتمر في ختام اعماله، وقيل انها ستصدر حين ميسرة '!!' أو بعد حل المشاكل المعلقة بين وزيري التعليم. وهكذا تحول المؤتمر في افضل الاحوال إلي جلسات استماع كان ينبغي ان تتم في مرحلة مبكرة وقبل ان يصاغ مشروع التطوير أو يعقد المؤتمر. اما وقد حدث ما حدث فان الامر الان بيد وزير التعليم. يضع الخطة ثم يعرضها علي مجلس الوزراء ثم يبدأ في اتخاذ اجراءات التطبيق علي الفور ودون حاجة لقرارات من مجلس الشعب لان تعديل اللوائح يكفي كما قيل، وهو أمر من سلطة الوزير!! ولا أظن ان موضوعا يتعلق بكل اسرة مصرية، ويمس مستقبل مصر بصورة اساسية يمكن ان يمر بهذه الطريقة.. خاصة في ظل التجارب السابقة، وفي ظل ارتباط حق التعليم بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية لكل المواطنين وبتكافؤ الفرص بينهم. ولا اظن ان الحوار الذي دار في مؤتمر التعليم يعطي الوزير المختص ولا حتي الحكومة، الحق في تقرير التعديلات الاساسية التي تتناول الثانوية العامة وتمتد لتغيير نظام القبول بالجامعات دون الأخذ في الاعتبار هذه المعارضة الواسعة من جانب كبار الخبراء المستقلين للخطوط الاساسية لهذه التعديلات. ولا أظن ان المشاورات بين وزيري التعليم يمكن لوحدها ان تزيل المخاوف من ضرب مبدأ تكافؤ الفرص عن طريق الاختبارات الاضافية المقترحة للقبول بالجامعات، خاصة بعد رفض مقترحات موضوعية طرحت في المؤتمر باضافة اختبارات القدرات إلي امتحان الثانوية العامة منعا لفتح ابواب الفساد والافساد التي سيكون ضحاياها هم ابناء الفقراء ومحدودي الدخل. ولا اريد ان استرسل في التفاصيل، ولكن ما ينبغي التوقف عنده هو ان قضية تطوير التعليم لا يمكن ان تترك لمزاج وزير أو لتوجهات آخر.. هكذا تقول مباديء التخطيط السليم.. ومن هنا يجب نقل هذا الملف الذي يمثل الركيزة الاساسية المطلوبة لمستقبل مصر إلي مستوي اعلي واكثر استقلالا. ومن هنا نقترح تشكيل لجنة عليا تابعة لرئاسة الجمهورية تضم عددا من كبار علمائنا في مجال التربية والتعليم تقوم بوضع الاستراتيجية الكاملة لمستقبل التعليم في مصر. علي ان تقوم كل مؤسسات الدولة بوضع ما لديها من بيانات ودراسات امام هذه اللجنة التي تعلو علي الانتماءات الحزبية وتنطلق من رؤية علمية للواقع في مصر مع الانفتاح الكامل علي العالم والاستفادة من التجارب الاخري خاصة من دول تعاني مثل ظروفنا. هذه اللجنة العليا هي التي تستطيع ان تضع الاستراتيجية المطلوبة لانقاذ العملية التعليمية من الوضع المأساوي الذي تعايشه الآن.. حيث اختفت المدرسة وضاعت هيبة المدرس، ولم يعد امامنا إلا نوع من التعليم يقتل الموهبة، ثم الاخطر وهو هذا التمييز الذي يحول التعليم الاساسي من عنصر لتوحيد الأمة إلي عامل لفرض تقسيم طبقي وطائفي بصورة لم نعايشها منذ سنوات الاحتلال. وهو وضع يضاعف من خطورته انتشار تعليم اجنبي بإجندات اصحابه، وتعليم خاص تحول في معظمه إلي 'بيزنس' لا يستهدف إلا الربح، ولا يفرق بين الاستثمار في التعليم أو في التجارة. وفي هذا الاطار تتحدد مهمة الوزراء في تنفيذ برامج الاصلاح التي يتم وضعها والتي لا تتغير بتغير الحكومات ولا بمزاج هذا الوزير أو ذاك. بل تكون سياسة دولة تحشد كل امكانياتها لنجاحها، ومعركة مجتمع يعرف ان انتصاره فيها شرط اساسي لكي يصنع المستقبل الذي تستحقه مصر. الى مزيد من الاقلام والاراء