اعتبر سكان وهران، الذين يزورون مقبرة عين البيضاء، هذه الأيام، أن أشغال تهيئة مربع شهداء الثورة التحريرية ''جريمة ضد الذاكرة الجماعية وآبارتايد. فبأي حق تُعزل أضرحة أكثر من ألف شهيد عن غيرها من الأضرحة''. تجري هذه الأيام أشغال تزيين ''جزء'' من مربع الشهداء بمقبرة عين البيضاءبوهران تحسبا لزيارة السلطات المحلية لوهران بمناسة ذكرى مجازر 8 مايو 1945، وهي الأشغال التي طرحت تساؤلات العديد من سكان وهران عن الهدف من عزل قبور أكثر من ألف شهيد عن بقية الشهداء المدفونين في هذه المقبرة الضخمة ''بحائط العار'' كما سماه سكان وهران. وإذا كانت قبور شهداء الثورة التحريرية الذين يسكن ذووهم في وهران، توجد في حالة عادية، فإن مئات القبور انهارت شواهدها، وبعضها تعرض للردم. وهو ما يمكن أن يلاحظه كل الزوار الذين يتوغلون في مربعات الشهداء. ولم يمس الإهمال القبور الموجودة في مربعات بعيدة عن النصب التخليدي الواقع في مدخل المقبرة، إذ أن العديد من القبور التي صارت محاطة بالسور توجد هي الأخرى في حالة يرثى لها. وفي الواقع لم تعد مقبرة الشهداء بوهران، خاصة بالنساء والرجال الذين سقطوا في ميدان الشرف، حيث يلاحظ المتجول قبورا لمتوفين في السنوات الأخيرة إلى غاية السنة الجارية. وعبر العديد من أبناء وبنات الشهداء، غير المهيكلين في منظمات الأسرة الثورية، بقولهم ''لقد تطاولوا حتى على أبسط شيء بقي لنا هو قبور آبائنا وأمهاتنا، فحصروهم بهذا الحائط، لكي لا يشاهد زوار المقبرة الحجم الحقيقي للتضحيات التي قدمها سكان وهران في سبيل استقلال البلاد. ونتساءل لماذا أقامت السلطات المحلية هذا الحائط، وهي لا تتنقل إلى مقبرة الشهداء إلا في المناسبات الرسمية. كان أولى بها أن تعتني بقبور الشهداء التي ردمتها الأمطار والإهمال''. وعلى خلاف مقابر الشهداء في مختلف أنحاء الوطن، فإن مقبرة الشهداء في وهران ''تخلت'' عن النصب التذكاري الذي يحمل أسماء مجموع الشهداء المدفونين فيها، وعوضتها بكتاب رخامي وسط نصب مبني بنمط معماري جميل. وفي الجهة اليمنى المربع المعزول عن بقية الشهداء نصبت لوحة حديدية تدل على أن مقبرة الشهداء تضم أضرحة ''أكثر'' من 0041 شهيد. ويصادف المتجول بين الأضرحة الموجودة في الجهة المعزولة قبورا مردومة نهائيا، وأخرى بقيت فيها حجرتان تمثلان الشاهدين، وأخرى شواهدها مقتلعة، وغيرها من المظاهر المؤسفة. ويقول سكان وهران ''ربما يوجد في مدينتنا أناس لا يشرفهم أنها قدمت أكثر من 1400 شهيد في سبيل الاستقلال، لهذا أبقوا عددا قليلا من قبور الشهداء وسط ''حائط'' العار ليظهر للناس أن وهران لم تشارك كغيرها من الولايات في الثورة التحريرية''. ودليل هؤلاء أن السلطات المحلية سمحت للناس بأن يدفنوا موتاهم وسط قبور الشهداء، لكي يقضوا على قداسة هذا المكان و''يتفّهوا تضحياتهم''. ويضيفون ''إن كل المجتمعات تحترم أبناءها الذين ضحوا بأرواحهم. وتكرمهم بتخليدهم بمختلف الوسائل منها العناية بمقابرهم. أما في وهران فقد أبدعت السلطات المحلية ''آبارتايد'' بين الشهداء، فعزلت البعض وسط مربع محاط بحائط لتترك قبور الأغلبية المتبقية تردم وتعبث بها الطبيعة والإهمال. ولم يبق في مقبرة عين البيضاء أي نصب يحمل أسماء مجموع الشهداء مثلما هو معمول به في بقية مقابر الشهداء عبر التراب الوطني''. ونشير إلى أن أية منظمة من منظمات ''الأسرة الثورية'' أزعجها هذا التفريق بين الشهداء.