مشكلة جديدة، سببتها الآثار الجانبية لجريمة جوزيف فريتزل على السلطات النمساوية ان تعالجها وبسرعة. فالجريمة التي هزت النمسا سببت ضررا واضحا لسمعة البلد في الخارج خصوصا انها ستستضيف بعد وقت قصير بطولة أوروبا لكرة القدم. لقد اهتزت صورة النمسا بالفعل، فجريمة القبو التي ارتكبها فيرتزل الذي احتجز ابنته ربع قرن وانجب منها سبعة أطفال، وقتل احدهم، ليست الاولى، فقبلها جرى اختطاف الفتاة القاصر ناتاشا كامبوش، واحتجزها خاطفها لمدة ثماني سنوات في قبو أيضا قبل ان تتمكن هي من الهرب عام 2006 وينتحر خاطفها بعد ذلك. وبينما اعتبرت قضية كامبوش على نطاق واسع جريمة استثنائية لشخص منعزل منحرف يواجه النمساويون الآن وبعد اقل من عامين قضية يتعذر فهمها. السلطات المعنية في النمسا، من الشرطة المحلية وحتى الحكومة والمستشار حاولوا منذ البداية إضفاء الطابع نفسه على الجريمة الجديدة. وجاهدوا كي يثبتوا مقولة انه لا يمكن تحميل أحد سوى المتهم مسؤولية الجريمة الجديدة، وان فريتزل البالغ من العمر 73 عاما «خدعهم جميعا». هل هي ظاهرة نمساوية؟! لكن الرأي العام في النمسا، وفي العالم، له انطباع آخر. اذ ان متابعة التفاصيل المرعبة للجريمة تثير سؤالا أساسيا في أذهان الناس: «كيف يُسمح بحدوث ذلك؟!» والسؤال المهم الثاني: هل تكشف مأساة اليزابيث التي احتجزها أبوها في القبو ربع قرن مدى حجم الفساد الجنائي في النمسا؟ وفي أول رد فعل علني على القضية عبر المستشار النمساوي ألفريد جوسنباور عن قلقه على الضحايا وسارع للاعلان عن حملة لاصلاح صورة النمسا في الخارج. ثم عاد المستشار للحديث عن الموضوع في خطابه بمناسبة أول مايو. ومما قاله انه لن يسمح لحادث مدينة امستنت ان يحول النمساويين الى «ورثة الذنوب». واضاف «لا نتحمل مسؤولية كل مجرم. ومازالت النمسا من أكثر دول العالم أمنا وأفضلها». لكن ثمة شعور بين النمساويين بأن الوقت يتطلب ما هو اكثر من مجرد حملة لتحسين الصورة. قالت آنا فايس المقيمة في المنزل «اعتقد ان العدد المقدر لحالات كتلك الحالة الذي لم يعلن عنه أكبر بكثير مما نعتقد، انه لأمر جيد ان يكون لدى الناس، وهم الاطفال في هذه الحالة، الشجاعة الكافية لأن يتكلموا». ومما اثار دهشة وسائل الاعلام الدولية وغضب المؤسسات الخيرية الجهود الضئيلة على ما يبدو التي بذلت للتحقيق في الملابسات التي من المحتمل ان تكون قد سمحت بحدوث الجريمة دون ان يلاحظها احد من الجيران والسلطات على حد سواء. وقالت جمعية خيرية معنية بالاطفال ان اختفاء اليرابيث لا بد ان يكون علامة واضحة على ان شيئا ما خطأ ولكن لا احد على ما يبدو كان مهتما بالفتاة المراهقة. ويركز كثير من الاسئلة على كيف سمح لفريتزل بأن يتبنى واحدا ويرعى اثنين آخرين من ابنائه الذين أنجبهم سفاحا من ابنته. وقال فريتزل انه حصل على التبني بعد ان ادعى ان طفلة تركت على باب بيته من ابنته المفقودة مع خطاب بخط اليد تطلب من ابويها تربيتها. وقال القاضي جوزيف شلويجل الذي وافق في عام 1994 على تنبي الطفلة التي تبلغ الآن 15 عاما لم يطلب في ذلك الوقت سجل فريتزل لدى الشرطة. وذكرت وسائل اعلام ان فريتزل أدين مرتين في السابق. ونظرا لان الجرائم غير الرئيسية تحذف من السجلات الجنائية في النمسا بعد 15 عاما، فمن المحتمل ان يكون زمنهما انقضى قبل التبني. وقال المسؤول المحلي هانز هاينز لينتس في مؤتمر صحفي أمس ان السلطات طلبت سجل فريتزل من الشرطة في ذلك الوقت لكنها لم تجد أي قضايا ضده. ولغز آخر يتعلق بكيف تمكن فريتزل من بناء زنزانة مساحتها60 مترا مربعا في القبو مزودة بصرف صحي وثلاجة وغسالة دون ان يلفت انتباه أحد. ولغز آخر هو كيف لم تلحظ زوجته روزميري ولا كل من يعيشون في المنزل شيئا على مدى 24 عاما. كيف التعويض؟! لم ينفع كلام المستشار ولا الرئيس وبقية المسؤولين. حادث أمستنت مازال يجذب اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وجميعها تكتب بصيغة سلبية عن النمسا. وتتساءل الصحافية النمساوية بربارا كوث «لا يمكن ان يكون الحادث استثنائيا، ويمكن ان يقع في أي بلد في العالم، لكني أتساءل كيف سينفذ المستشار هجومه المضاد لتحسين صورة البلاد؟ أنا لا أعرف، والأرجح انه شخصيا لا يعرف بعد! النمسا لديها الآن سمعة، انها بلد الأوكار والأقبية، فهل ستعمد الحكومة للقول اننا بلد من دون أقبية؟! لن يكون ذلك موفقا البتة». الجدير بالذكر ان تحت كل منزل أو بناية في النمسا قبو. ربما يعود ذلك الى اسلوب هندسي من الحرب العالمية الثانية، حيث يحتاج الناس الى مكان يلجأون إليه وقت الحرب، او يستخدمونه للتخزين. سمعة البلد الجميل خُدشت والتشكيك بجهاز الرقابة والأمن أصبح واقعا. ماذا سيفعل المستشار وحكومته؟