شكّل خروج المرأة للعمل وتغير نسق الحياة والعصر بداية لسلسلة جديدة من الضغوطات التي تتفاقم يوما بعد يوم أمام الأسرة الحديثة.من هنا أصبحت تربية الأطفال تطرح إشكالا مهما فمن يربي الأطفال اليوم خاصة مع تعدد الأطراف المتدخلين. في هذا الجانب ،تقول الدكتورة عفاف كرعود شرّاد (طبيبة نفسانية): تعتبر تربية الأطفال في مجتمعنا اليوم واحدة من أهم المشاكل الخطيرة التي لم تقرأ لها العائلات التونسية حسابا ولم تستعدّ لها وللتغيرات التي حصلت في العشر سنوات الأخيرة. كما أن المجتمع برمته لم يأخذ هذا المشكل بعين الاعتبار، وبالتالي لا بدّ من البحث عن الحلول الكفيلة بردّ الاعتبار للتربية السليمة لأبنائنا لإعدادهم للاندماج في المجتمع. فخلال العشر سنوات الأخيرة ارتفعت نسبة خروج المرأة للعمل بمن في ذلك الأمّ. وحسب الدكتورة كرعود شرّاد فإن العادة جرت أن تعود الأم للعمل بعد عطلة ولادة لا تتجاوز الشهرين تاركة ابنها بين أحضان المعينة المنزلية أو عاملة المحضنة أو الجدّة أو إحدي الجارات أو القريبات.. ومنذ ذلك الحين تنطلق رحلة اللخبطة في مسار تربية الطفل بعيدا عن أمّه ويتواصل الأمر علي هذا النحو حتي يدخل الطفل المحضنة المدرسية والروضة والمدرسة فاقدا لكل مقومات التربية الصحيحة. وبمجرّد أن تتاح له أوّل فرصة للحياد عن الطريق السوي (عادة في فترة المراهقة) لا يتركها تمرّ خاصة في ظل مواصلة التباعد بينه وبين أبويه وفي ظل انغماسه بالتوازي مع ذلك في التربية الخيالية Education defiction قوامها التلفزيون (الفضائيات بأنواعها) وألعاب الفيديو والكمبيوتر والأنترنت وقاعات الألعاب. وتري الدكتورة شرّاد أنّ التجربة أثبتت أن الأطفال الذين يتربون في ظل خروج الأم للعمل علي أيدي الجدّة أو علي أيدي قريبة أو جارة كبيرة في السنّ مرشحون أكثر من غيرهم لتلقّي تربية سليمة ومتوازنة أفضل بكثير من الأطفال الذين يكبرون (منذ بلوغهم سن الشهرين) لدي المحاضن أو لدي المعينة المنزلية. فهذه الطريقة لا بدّ من تشجيعها في مجتمعنا لأن المتقدمات في السن عادة ما تكون لديهن الخبرة اللازمة لتربية الأطفال ولتلقينهم أصول الأخلاق الحميدة والتصرّف السليم بما يتوافق ومجتمعنا. و تضيف الدكتورة شرّاد...يبقي خروج الطفل للشارع عنصرا أساسيا لتربية الطفل رغم ما أصبح يمثله الشارع اليوم من مخاطر.. فلقاء الطفل بأصدقائه ورفاقه واللعب معهم ضروري لينمي قدراته الذهنية والفكرية وحتي الجسدية طبعا مع أخذ الاحتياطيات اللازمة وهذا العنصر أصبح اليوم مفقودا واستبدل باحتجاز الطفل في المحضنة أو أمام التلفزيون أو الحاسوب دون مراقبة ويعيش بذلك في عالم خيالي. وتعتبر الدكتورة عفاف كرعود شرّاد أنّ الإحاطة النفسية بأطفالنا ينقصها الكثير في مجتمعنا خاصة في ظلّ التباعد المتواصل للأبوين عن الابن وتلقيه أغلب عناصر تربيته عن طريق المعينة المنزلية والحاضنة والتلفزيون والحاسوب وفي الدول المتقدمة مثلا يولون هذا الجانب أهمية بالغة، ويخضع الطفل مثلا لعيادة نفسية قصد اختيار المدرسة أو الروضة أو الحضانة الملائمة له، وأحيانا تضحي العائلة بنصيحة من الطبيب بالانتقال بالسكن من منطقة إلي أخري حتي يجد فيها الطفل راحته النفسية. الأم خير مرب لأطفالها من يربي الأطفال اليوم ؟سؤال طرحته الراية علي عدد من المواطنين فكانت الاجابة مختلفة وفقا للتجربة الخاصة لكل شخص.إذ يقول رياض (موظف): بعد أن تتخلي الأم عن رضيعها وتعود للعمل، يمرّ الرضيع إلي الحضانة حيث يقضّي فيها سنتين أو ثلاث ثم تخطفه الروضة وبعدها التحضيري ثم يمرّ الطفل للمدرسة والمعهد.. وعادة ما تمرّ كل هذه المراحل في حياة الطفل عبر المعينة المنزلية. وكل هذه الأطراف تساهم -علي طريقتها- في تربية الطفل دون تنسيق ما دامت الأم والأب غائبين طوال النهار عن المنزل.. فكيف تريدون أن لا تتلخبط الأمور عند الطفل. أما عبد الكريم (موظف) فقد قال:اللخبطة أمر مفروغ منه ولا يمكننا إنكاره انظروا إلي أطفالنا ومراهقينا اليوم كيف يتصرّفون وكيف يعيشون.. تارة يتصرّفون بعنف لفظي ومادي وتارة تظهر عليهم بوادر الحيل الشيطانية الموظفة لأشياء سلبية، وأحيانا لا يظهرون اي احترام للكبير وأحيانا أخري يتميزون إما بذكاء خارق أو بمستوي ثقافي متواضع.. وهذا أمر طبيعي ما دامت التربيات متعددة ومتنوعة. من جانبه يقول صادق (موظف): لي ولدان وبنت نجحت وزوجتي والحمد لله في تلقينهم أسباب التربية السليمة لسبب بسيط وهو أن زوجتي لا تعمل و خلافا لما ورد،يقول السيد لطفي اشتغال المرأة ليس بالضرورة مؤثرا سلبيا في تربية الأطفال شخصيا زوجتي تعمل، لكن توصلنا بفضل تضحيتها وتضحيتي وتضحية بعض الأقارب لأن نربّي أبناءنا علي أسس سليمة.. فمتطلبات الحياة الكثيرة اليوم أصبحت تفرض علي الزوجة الخروج للعمل لصالح الابناء أنفسهم حتي توفر لهم أسباب الرفاهة والعيش الكريم وأسباب النجاح في الدراسة.. المهم التضحية من الأب والأم لانجاح هذه العملية المهمة.. عملية تربية الأبناء، رغم مرور الأبناء بعدة مراحل مثل المحضنة والروضة. أما السيدة منجية فتقول إنّ التلفزيون قد خرّب تربية الأطفال لذلك علي الوالدين دائما أن يراقبا الأبناء وإن بطريقة غير مباشرة. لأن التلفزيون وبفعل القنوات المتعددة فتحت المجال شاسعا أمام الأطفال ليتعرفوا علي عوالم غريبة عنهم وهم بفعل الانبهار أصبحوا منبهرين بها ويحاولون تقليدها.