أشتهر العرب منذ القدم بزواج الأقارب.. فالفتاة منذ ان تتفتح عيناها علي الدنيا تسمع أنها من نصيب ابن عمها لأنه أولي من الغريب.. فالهدف الأسمي والمهم هو الاحتفاظ بالممتلكات خاصة بملكية الأراضي الزراعية في نطاق العائلة وكان من نتيجة انتشار هذه الزيجات إنجاب أطفال يعانون اعاقات مختلفة.. وفي الماضي لم يكتشف العلم العلاقة بين زواج الاقارب وانجاب اطفال معاقين أما الآن فقد أكدت الأبحاث العلمية ان لزواج الاقارب اضرارا صحية علي الأطفال والأحفاد. فهل ساعد هذا علي تراجع نسبة انتشار زواج الأقارب, أم ان بعض الأسر مازالت متمسكة به؟ أرجعتنا د.مديحة الصفطي استاذة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية لأصول هذه الظاهرة قائلة إنها تنتشر في الريف حيث تسود الموروثات المرتبطة بعلاقات المصاهرة في الثقافة العربية التي تشجع زواج الاقارب الذي يعتبر وسيلة للاحتفاظ بالملكية في نطاق الأسرة ولايذهب جزء منها لغريب تتزوجه الابنة.. لكن في الفترة الأخيرة بدأت التقاليد الريفية الخاصة بالزواج تتأثر بثقافة الحضر, حيث لم تعد العزوة هي أساس العلاقات ولم تعد الملكية الزراعية هي محور الاقتصاد كما أن اتساع العلاقات الاجتماعية بين الافراد في المدينة أوجد مناخا يسمح بإيجاد علاقات بين الجنسين في مجال الدراسة أو العمل دون أن تقتصر العلاقات علي أفراد الأسرة الواحدة. ومع ذلك مازالت بعض الأسر خاصة التي تعيش في الصعيد متمسكه بهذا الزواج. ويوضح د.ضياء عصام الدين رزق استاذ النساء والتوليد بكلية طب عين شمس الآثار الصحية المترتبة علي زواج الاقارب فيقول: إنه مع تطور الأبحاث العلمية في علم الوراثه بدأت تتكشف الاضرار الصحية التي تنجم عن هذا الزواج, و أبرزها زيادة فرصة حدوث أمراض وراثية في النسل مما قد يؤدي إلي حدوث إجهاض أو وفاة الجنين داخل الرحم, أو عدم اكتمال نموه أو ولادته مشوها وقد يكون التشوه واضحا في الشكل الخارجي وقد تكون إعاقة ذهنية أو بدنية. وجدير بالذكر ان العلم لم يتوصل حتي الآن إلي علاج الأمراض الوراثية التي يمكن ان يصاب بها جنين لابوين حاملين لمرض وراثي, ولكن يمكن معرفة ما إذا كان الجنين مصابا بهذا المرض أم لا عن طريق اجراء التحاليل الوراثية علي عينه من المشيمة أو السائل الامينوسي فإذا اتضح أن الجنين مصاب فلا يوجد علاج له إلا الإجهاض. ومن المؤسف أنه لاتوجد دراسة مؤكدة عن زواج الأقارب في مصر, باستثناء دراسة وحيدة أجريت عام1988 حول مدي تقبل الأفراد لزواج الأقارب وذلك في محافظة المنوفية. وتقول سهير عبد الحفيظ أم لأطفال معاقين: لن أسمح لأولادي بالزواج من أحد الأقارب إلا بعد اجراء التحليلات التي تضمن عدم إنجاب أطفال معاقين, حتي لايتكرر ما حدث معي.. فقد تزوجت من قريب لي وأنجبت أطفالا, اثنان منهم مصابان بالصمم رغم علمي بأن زواج الاقارب وراء الكثير من حالات الاعاقة. وأرجعت د. نجوي عبد المجيد رئيس قسم بحوث الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بالمركز القومي للبحوث ارتفاع نسبة الاعاقة الذهنية في المجتمع المصري إلي زواج الأقارب,وقالت.. توجد عدة عوامل تقف وراء هذه الاعاقة منها عوامل ناتجة عن وجود خلل في الكروموسومات الحاملة للجينات وأخري ناتجة عن اختلال الاحماض الامينية تنشأ نتيجة صفات وراثية مرتبطة بالجنس ويعد زواج الأقارب أهم أسبابها,لذلك تكاد تختفي الامراض الناتجة من زواج الاقارب في الدول الأوروبية التي يمنع فيها القانون هذه الزيجات إلا في حالات استثنائية نادرة بعد إجراء الفحوصات الطبية.. وأنا شخصيا لا أرفض زواج الأقارب بشرط اجراء الفحوصات الطبية اللازمة قبل الزواج. وأكدت د. صفاء الباز مقررة لجنة الصحة بالمجلس القومي للمرأة اهتمام المجلس بمناهضة ظاهرة زواج الأقارب موضحة اهمية اجراء بحوث ودراسات لمعرفة مدي انتشار هذه الظاهرة في المجتمع كله وليس في الريف فقط, والاهتمام بالتوعية بأضرار هذا الزواج من خلال المناهج التعليمية لتوعية النشء الذين هم نساء ورجال المستقبل, وأيضا من خلال وسائل الاعلام التي تدخل كل بيت وتخاطب كل أسرة وبالتالي ممكن أن نقضي علي هذه الظاهرة ونحد من أنجاب أطفال معاقين.