في إطار الجدل الذي يثار من وقت لآخر حول المسلمين الموجودين في أنحاء مختلفة من أوروبا وعاداتهم وتقاليدهم المرتبطة بعقيدتهم الدينية, وما يقال حول صعوبة إدماجهم في المجتمعات الأوروبية التي أصبحوا جزءا منها, أو إعراضهم عن الاندماج كما يقال, نشرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية في عددها الأخير مقالا للكاتبة مينيت مارين يتناول إحدي العادات والتقاليد الباكستانية التي يحرص البريطانيون من أصول باكستانية علي تطبيقها, والتي في رأي كاتبة المقال تتعارض مع الاعتبارات الصحية والوراثية وتريد أن تلفت النظر إليها وتطالب بمنعها رسميا وهي( زواج الأقارب). وتحت عنوان قد يعترض المسلمون.. ولكن علينا منع زواج الأقارب كتبت مارين إحصاءات وأرقاما تكشف عن الأضرار الناتجة عن زواج أبناء العم وأبناء الخالة من تشوهات خلقية واضطرابات صحية وخلافه وتدعو لضرورة منع زواج الأقارب حتي لو اعترض المسلمون. بدأت مارين مقالها مخاطبة الشابات في سن الزواج بقولها: تخيلي أنك شابة بريطانية في مقتبل العمر أجبرتها عائلتها علي الزواج ولم تكتف بذلك بل أعدت كل شيء دون الرجوع لك.. قد تكوني أعجبت بالفتي. ولكنك الآن في انتظار حفل زواج كبير. ثم تخيلي أن خبيرا موثوقا به أخبرك بأن كل طفل سوف ينتج عن هذا الزواج سيكون معرضا بنسبة10% للإصابة باضطرابات وراثية خطرة. مع كل ما في هذا الخبر من صدمة خصوصا عندما تكون هذه الاضطرابات الوراثية خطيرة وهذا بالطبع يحزن الوالدين ويصيبهم بالعجز, فقد أكد الخبير أن حجم المخاطر التي تحيط بطفلك إذا تمت هذه الزيجة من هذا الرجل علي وجه التحديد ستكون خمسة أضعاف مثيلاتها إذا تزوجت من أي رجل آخر, أي عندما تتزوجين من أي رجل آخر ستكون نسبة المخاطرة لكل طفل تنجبه نحو2% فقط. هذا ببساطة لأن الرجل الذي اختارته لك عائلتك هو ابن عمك حيث إنك تربيت علي عادات وتقاليد تلزم الفتاة بالزواج من ابن عمها. بعد ذلك سوف تبحث عائلتك عن زوج آخر ليست له صلة بعائلتك أو تبحثين عن زوج بنفسك. المشكلة هنا تبدو بسيطة. فزواج الأقارب يعد مخاطرة كبيرة حيث إنه محفوف بالمخاطر لاسيما بالنسبة للجماعات التي تتزوج من أقاربها لأن الزواج من ابن العم قد يسفر عن أطفال بهم اضطرابات وراثية. فنحن هنا لا ننتقد أحدا بعينه. فهذا لا يعد هجوما علي أي دين معين أو مجموعة عرقية أو ثقافة معينة فنحن فقط نحاول توعية الأشخاص بهذه الحقيقة المؤلمة. ومع ذلك فهذا الموضوع يعتبر اليوم بمثابة ديناميت سياسي حيث إن معظم المعنيين له أساسا من المسلمين البريطانيين من ذوي الأصول الباكستانية ومن ثم فإن غض الطرف وصم الأذن عما ينبغي أن يكون يشكل خطورة علي الصحة العامة ورغم أن الناس اعتادوا مصاهرة أبناء عمومتهم وهذا أمر شرعي وقانوني, إلا أن المسلمين البريطانيين من أصول باكستانية يفضلونه دائما بدرجة أكبر كثيرا من غيرهم, حيث تصل نسبة زواج الأقارب إلي55% من حالات الزواج. وفي برادفورد ترتفع النسبة إلي75%, هذه الإحصائية تعد كارثة بكل المقاييس, فالباكستانيون ينجبون ثلث أطفال بريطانيا الذين يعانون اضطرابات وراثية خطيرة. من جانبها ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية عام2005 أن برمنجهام تشير تقديراتها إلي أنه من كل10 أطفال طفل من زواج الأقارب إما أن يلقوا حتفهم في مرحلة الرضاعة أو تتدهور صحتهم إلي درجة العجز وكل هذا يسبب الاضطرابات الوراثية. هذه المشكلات طرحتها شابة بريطانية من أصول باكستانية هي تازيين أحمد حيث عرضت مشاهد مروعة لشاب يتلوي من الألم لسبب وحيد وراثي بينما الأم ترعي أختيه الكفيفتين وذلك جراء زواج الأقارب. وأشارت أيضا في حديثها عن العجز والموت الذي تفشي كالوباء بين أخوالها وأعمامها وعماتها بسبب زواج الأقارب. إن الصدمة الحقيقية هي الاستسلام لكل هذه المخاطر حيث إنها تحدثت للأئمة وقادة المجتمع والعائلات ولكن دون جدوي. وبالرغم من ذلك هناك بعض الشباب يدركون تماما خطورة هذه التقاليد ويرفضون ضغط عائلاتهم للزواج من الأقارب. معظم الناس لا يتقبلون هذه الحقائق العلمية بسهولة حيث أكدت إحدي الأمهات أن ما أصاب طفلها من اضطرابات هو سبب المخدرات التي كانت تعطيها له خدمة الصحة الدولية. والأسوأ من كل ذلك أنه لم يتجرأ نائب واحد علي الظهور في التليفزيون ومناقشة هذا الأمر لأن البعض قد يعتبره عنصرية أو كراهية للإسلام بمجرد مناقشته والتعمق في موضوع حساس كهذا. غير أن النائب المتقاعد آن سرير تحدث بشجاعة في هذا الموضوع وطالب بمنع زيجات الأقارب, مشيرا إلي أن المجتمع الباكستاني غافل ويرفض الاعتراف بعواقب زواج الأقارب. وتصف الكاتبة البريطانية موقف النواب بأنه عار وطني أن يلتزموا الصمت إزاء هذا الموضوع باستثناء بعض الأعضاء مثل فيل ولاس وآن سرير الذين حذروا الناس عام2008 عندما تبنوا هذه القضية وحاولوا إقناع الناس بخطورة هذه المشكلة. في النهاية نجد أنه من الصعب تقييم حجم المخاطر كما أنه من الصعب لمعظمنا فهم المخاطر في كل مرحلة وحتي الإحصاءات يمكن أن تكون كاذبة أو غير موثوق بها, أيضا الجدل العلمي غير مألوف لبعض الناس فالعادات والتقاليد تتحكم فيهم وبأفكارهم. كل هذا يجعل لكثير من الناس الذين يريدون تجاهل المشكلة بصرف النظر عنها نهائيا. من ناحيتها أكدت البارونة ديش أن كثيرا من زيجات الأقارب تتناقض مع الحب والرومانسية والكمال وأنها غالبا تتم لأسباب مالية لتسوية الديون أو تقديم الدعم المالي للأقارب ومساعدتهم. لذا فهم يتجاهلون هذه المخاطر من أجل المنافع التي سيحصلون عليها. لذا يجب علي المقبلين علي الزواج أن يتصفوا بالوعي حيث يمكن للأمراض الوراثية أن تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي, فيجب ألا يصموا آذانهم عن سماع المعلومات والحقائق التي قد تنقذ مصير أطفالهم. وأخيرا يجب سن القوانين التي تمنع حدوث مثل هذه الكوارث حفاظا علي البشرية. وهذا هو خلاصة رأي الكاتبة البريطانية مينيت مارين وهي منع زواج الأقارب نهائيا ولو اعترض المسلمون.