للوهلة الاولى ثمة خلاف غريب ولكنه مشروع بين زعيم من اليمين يؤمن بانه اذا واصلت اسرائيل الاحتفاظ بالمناطق فان الدولة اليهودية ستكون في خطر، وبين زعيم من اليسار، يزعم بانه اذا ما كفت اسرائيل عن الاحتفاظ بالمناطق - فان حياة اليهود ستكون في خطر. زعما هذا يقترح الوصول الى حل سريع للنزاع من خلال مفاوضات مع فتح، وذاك يفضل ادارتها على مدى زمن طويل من خلال صراع عسكري مع حماس. في واقع الامر، الجدال بين ايهود اولمرت وايهود باراك منقطع عن الواقع. اقتراب رئيس الوزراء من الحل السياسي يشابه الى هذا الحد او ذاك بُعد وزير الدفاع عن الحل العسكري. في خطابه امام مؤتمر انابوليس في نوفمبر من العام الماضي وعد اولمرت في أنه في الفترة القريبة ستدير اسرائيل مفاوضات حثيثة و«لن نتملص من المفاوضات، وسنعنى بكل المشاكل الجوهرية». بمعنى، بما في ذلك بالطبع الحدود والقدس. كيف يستوي هذا الوعد مع المصادقة مثلا على بناء 48 وحدة سكن في ارئيل؟ أغلب الظن الفريق الفلسطيني المفاوض لم يتخلَ عن «اصبع ارئيل» الذي يتغلغل عميقا في الضفة. لنفترض أن محمود عباس وافق، على حد قول اولمرت، على تأجيل البحث في القدس الى نهاية الطريق. فهل وافق ايضا على ان تكثف اسرائيل البناء العام في شرقي المدينة، ان تجدد الحفريات تحت باب المغاربة وان تضع البنى التحتية لمستوطنة جديدة في «اي 1»؟ تقرير جديد لجمعية «عير عميم» يفصل خطوات احادية الجانب أخرى، تضعضع الوضع الراهن في القدس وتثقل على الجهود لايجاد تسوية معقولة في المدينة. اذا كان اولمرت، كما يزعم باراك، يسعى الى السير نحو الشعب وفي حوزته وثيقة عامة، تؤجل خريطة التسوية الدائمة الى ايام افضل - فانه غداة الانتخابات سيكون بوسعه ان يعلقها على الحائط. واذا ما اغري الرئيس عباس (ابو مازن) على التوقيع على ورقة اخرى مجردة، فانه حين يتصل اولمرت بالمقاطعة، سيجد اسماعيل هنية هناك. دليل على التدهور الذي طرأ على وضع ابو مازن منذ تعليقه لامله بأولمرت يوجد في مقال لهاني المصري في الصحيفة الفلسطينية المقربة من السلطة الفلسطينية «الايام». كاتب الرأي، الذي يعتبر مقربا من القيادة في رام الله، ادعى في مقاله بأنه «لا توجد استراتيجية وطنية، لا توجد قيادة فاعلة، لا يوجد اطار واضح للمفاوضات، لا توجد ضمانات أو مشاركة دولية، لا يوجد توقف للاستيطان، لم يتحقق حتى الآن أي انجاز، واسرائيل لم تعط شيئا». الصحفي البراجماتي لا يكتفي بالنقد اللاذع. فهو يطالب ابو مازن بان يطور خيارات اخرى للمسيرة السياسية و«اعادة التفكير بخيار المقاومة ( الكفاح المسلح)» ذلك أن «الاحتلال سينصرف عندما تكون خسائره أكبر من مكاسبه، واليوم لا توجد لنا سياسة يمكنها أن تؤدي الى ذلك». وهذا لعناية رئيس المخابرات يوفال ديسكن، الذي قال في تقويم الوضع السنوي الذي قدمه للحكومة انه لا يتوقع انتفاضة ثالثة. ويجدر باولئك الذين يقترحون تأجيل حل النزاع الى موعد غير معروف بدل حله ان يطلعوا على الاستطلاع الاخير لمعهد «ترومن» في الجامعة العبرية ومركز د. خليل الشقاقي. وسيجدون بان 84 في المائة من الفلسطينيين يؤيدون العملية في مدرسة «مركاز هراف» و64 في المائة منهم يؤيدون استمرار نار الصواريخ والعمليات الانتحارية. ولكنهم سيجدون هناك ايضا ان اثنين من كل ثلاثة فلسطينيين يؤيدون مبادرة السلام العربية التي تدعو الى الاعتراف باسرائيل وتطبيع العلاقات معها - مقابل انسحاب من كل المناطق التي احتلت في العام 1967 (وبالمقابل، فان 57 في المائة من الاسرائيليين يرفضون المعارضة و 59 في المائة يعارضون اعادة الجولان في تسوية سلمية مع سوريا). ورغم التخوفات من أن تستغل سوريا تفوقها بصفتها المضيفة الدورية للقمة العربية من أجل تصفية خطة السلام - كررتها الجامعة العربية للمرة الثالثة. غير أن هذه المرة الاولى التي يشترط فيها وجود هذه المبادرة الهامة بالتقدم في المسيرة السياسية. الصراع بين المحافل العربية البراجماتية التي تجري تنفسا لمسيرة السلام وبين ايران والقاعدة اللتين تغذيان نار النزاع لا يدار حسب الجدول الزمني الحزبي لاولمرت او مخططات باراك. مسألة «ما الذي يسبق - السلام أم الامن - والتي تقف زعما في مركز الجدال بين الرجلين، تذكرنا بمسألة من نحب أكثر، أمنا أم أبينا؟ سلام بلا أمن هو كذبة. أمن بلا سلام هو هراء».