بداية تجدر الإشارة إلي أن تصريحات المسئولين والوزراء محسوبة عليهم وتنسحب أيضا علي أداء الحكومة وتوجهاتها وذلك في إطار المسئولية التضامنية لأية وزارة لذلك فهي تحظي باهتمام كبير من المواطنين خصوصا إذا كانت تلك التصريحات صادرة عن وزارات معينة مباشرة بأحوال البسطاء إن الحديث السائد بين الناس في الوقت الحالي والذي لا يمكن أن يخلو منه موضوع محل نقاش بينهم هو الغلاء ولعلنا نعرف جميعا تلك الدهشة التي تعلو وجوه المواطنين بينما هم يتفحصون أسعار البضائع بالمتاجر العامة للسلع الغذائية الأساسية وغيرها والتي أصبحت تفوق قدرات الجميع.. تلك الدهشة يبدو وأنها لا تجد صدي لدي بعض المسئولين. إن النظر لحالة الأسواق يؤكد -بما لا يدعو للشك- أن هناك انفلاتاً غير مسئول في الأسعار يعاني منه المواطنون وخاصة ذوي الدخل المحدود فقد أصاب الغلاء كافة السلع الأساسية مثل العيش والأرز والمكرونة ومنتجات الألبان والزيت والسمن والفول والعدس والدجاج واللحوم والأسماك والفاكهة والخضروات والأدوية إضافة إلي أسعار الملابس والأحذية والسكن أما عن أسعار الخدمات فهي أيضا قد شهدت ارتفاعا ملحوظا أقدمت عليه مؤسسات عامة مثل الكهرباء والمياه والنقل والتليفونات وغيرها ورغم ذلك ومع ما يعانيه الفقراء من أزمة معيشية خانقة يصدر تصريح من وزير التضامن الاجتماعي واصفا سكان العشوائيات بأنهم كسيبة! ومن قبله لا ينسي الرأي العام ما أفاد به وزير التنمية الاقتصادية ورئيس المجلس القومي للأجور محددا من ينفق مبلغ 150 قرشا في اليوم قد تجاوز حد الفقر.. علي الرغم مما يحيط ذلك التصريح من مصطلحات اقتصادية معقدة -أدلي بها الوزير- تتعلق بالقوة الشرائية للجنيه المصري مقارنة بقوة الدولار الأمريكي في ضوء تعريفات البنك الدولي وغيرها من تعبيرات لا يفهمها الناس. وإذا ما جمعنا التصريحين بهدف التوصل إلي كيفية تناول الحكومة لمشكلة الغلاء. فإننا قد نتصور أن ما يعانيه الناس من ارتفاع جنوني في أسعار كافة السلع إنما هو ضرب من الخيال أو المبالغة كما تري الحكومة.. طالما أن سكان العشوائيات الذين يعيشون علي هامش المجتمع بمشاكلهم المعروفة من غذاء وصحة وسكن وتعليم قد أصبحوا هكذا في نظر وزارة التضامن الاجتماعي كسيبة وقد تجاوز حد الفقر من ينفق منهم 150 قرشا يوميا كما صرحت وزارة التنمية الاقتصادية وإذا ما أشرنا إلي الحد الأدني للدخل الذي أعلنه أو أوصي به المجلس القومي للأجور مؤخرا -ربما- في تدارك أو ترميم للتصريح السابق. حيث تحدد بمبلغ يتراوح بين 250 إلي 300 جنيه فإن ذلك المبلغ يعتبر هزيلا ولا يفي باحتياجات معيشة أسرة صغيرة مكونة علي سبيل المثال من أربعة أفراد فقط وذلك في ظل التضخم الحالي الذي تشهده البلاد وحتي لا تكون الأحكام مطلقة نوضح فيما يلي بيانا من واقع معيشة أسرة متوسطة بذلك العدد وما ينبغي أن يتوفر لديها من دخل: * السكن وفواتير الكهرباء والمياه والغاز والتليفون 250 جنيها شهريا. - الغذاء: عيش 2.5 جنيه يوميا 75 جنيها شهريا. - فول وطعمية 5 جنيهاً يوميا 150 جنيها شهريا. - جبن. لبن. بيض 8 جنيهات يوميا 240 جنيها شهريا. - "لحم أو دجاج وسمك 10 مرات شهريا بواقع 30 جنيها 300 جنيه شهريا. - ارز ومكرونة 25 مرة شهريا بواقع 4 جنيهات 100 جنيه شهريا. - زيت أو سمن وخضار وفاكهة 125 جنيها شهريا. - سكر وشاي وبن 30 جنيها شهريا. - المواصلات 150 جنيها شهريا. - التعليم والدروس الخصوصية 100 جنيه شهريا. - الملابس والأحذية 50 جنيها شهريا. - العلاج 50 جنيها شهريا. - خروج ومناسبات 50 جنيها شهريا. المجموع تقريبا بعد خصم مبلغ 250 جنيها قيمة افتراضية للدعم في صورة المختلفة 1400 جنيه شهريا. ورغم ما قد يبدو أن ذلك المبلغ كبير نسبيا فإنه مازال يمثل الحد الأدني لمعيشة أربعة أفراد وإذا نظرنا إلي معدلات الأجور ربما نجده يحتل الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة وذلك في وقت قد يبدأ فيه سلم الأجور بمبلغ 100 جنيه ومضاعفاتها القليلة فماذا يفعل هؤلاء؟ إذا كانت الأسرة التي يزيد دخلها علي الألف جنيه شهريا بكثير لا تستطيع المعيشة سوي في اضيق الحدود هذا بالإضافة إلي ما يعانيه البسطاء وغيرهم من بطالة الأبناء واستحالة الارتقاء بالسكن أو إيجار شقة جديدة لمن يرغب في الاستقلال بحياته منهم. ومن ثم فإن الأمر في حاجة ملحة للنظر فيما ستؤل إليه أحوال المواطنين إذا ما استمرت موجة الغلاء هكذا في الصعود وخصوصا في ظل السياسات الاقتصادية الحالية والتي أثبتت التجربة أنها لم تعد علي معظم الطبقات بأي مردود إيجابي بل علي النقيض فقد زادت من حياتهم تعقيدا وربما خير دليل علي عدم مواءمة تلك الإجراءات الاقتصادية هو ذلك المشهد المهين لطوابير الخبز وأيضا مشهد طوابير الإضافة علي بطاقات التموين حيث تجد ذلك الصراع بين الناس في سبيل الحصول علي رغيف العيش أو كيلو سكر أو زيت بسعر مدعم وتلكما وغيرهما من حالات وأوضاع معيشية صعبة لدي البعض هي المؤشرات الحقيقية التي نأمل أن تعتمد عليها الأجهزة المسئولة في علاج مشكلة غلاء المعيشة وهي -للمفارقة- لا تتفق كثيرا مع دلالات ما يصدر عن بعض المسئولين من تصريحات.