الأهرام 23/3/2008 هكذا نجحت سوريا في تفجير الوضع في غزة, وفي إسالة المزيد من الدم الفلسطيني لخدمة أهدافها, أو فلنقل خدمة جدول أعمال القمة العربية الذي أرادت له أن يتضمن قضية العدوان الإسرائيلي علي الفلسطينيين بغزة والخروج من القمة العربية بقرار إدانة للعدوان, ولا بأس من ابتزاز القادة العرب لدفع معونات عاجلة بالملايين للضحايا وللقطاع المنكوب. ومثل هذا الوضع المتفجر بغزة هو الركيزة الأساسية التي تستند إليها الدبلوماسية السورية لاستبعاد القضية والأزمة اللبنانية, ولم يخف وزير الخارجية السورية هذا الموقف وهذا التوجه, فعندما سئل عن لبنان, أجاب أن الأولوية لغزة الآن بعد أن فرضت الأحداث نفسها علي الجميع, كما قال لا فض فوه إن الأزمة اللبنانية ليست موضوعا مهما في القمة. أما كيف حدث هذا, فإن الأمر في غاية البساطة, ولم يجد التحالف الإيراني السوري ومخلباه حزب الله ومنظمة حماس صعوبة في استدعاء رد فعل إسرائيلي بالغ العنف, فقد لجأت منظمة حماس بتعليمات من قائدها المقيم بسوريا في إطلاق موجات متصلة من الصواريخ المحدودة التأثير علي المستعمرة الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة. وعلي الرغم من أن هذه الصواريخ لا تؤدي الي تكبيد إسرائيل أي قدر من الخسائر المؤثرة أو الموجعة, إلا أنها تسبب إزعاجا لسكان مستعمرة سيدروت, وللحد من هذا الازعاج يضغطون باستمرار علي الحكومة لوقف هذه الصواريخ. وقد تصاعد الضغط بعد تسلم إيهود باراك لمسئولياته كوزير دفاع, لأنهم يعلمون أنه صاحب سجل كبير في ساحة القتل والاغتيال والقتال, وصاحب العدد الأكبر من الأوسمة بين القادة المعاصرين له والتي نالها تقديرا للعمليات التي نفذها أو قادها. ومثل هذا القائد العسكري في حاجة الي ظروف مواتية لإبراز مواهبه, وقد أتت هذه الظروف إليه علي طبق من صنع سوريا وحماس وباقي أعضاء التحالف الإقليمي المتشدد أو المتطرف. ومع أن إسرائيل أدركت الأهداف السورية ودور حماس في هذا المخطط, إلا أنها رحبت بقبول هذا الاستدعاء, وقد أتي هذا الترحيب, بعد أن اقتنع العالم بأن من حقها الدفاع عن نفسها في مواجهة هذا القصف الصاروخي الفلسطيني, أي أن القتلة وفروا لأنفسهم الغطاء الدولي, وتأكدوا أن أحدا لن يدينهم, في حين أن الضحايا فشلوا في أن يكونوا ضحايا أمام العالم, لأن قادتهم أو زعماءهم ضحوا بهم لكي تكسب سوريا, تكسب القمة التي تطلعت لها للخروج من عزلتها, وتكسب تغييب القمة عن التدخل في الأزمة اللبنانية, وتكسب أيضا رئاستها للعمل العربي لمدة عام بصفتها الدولة التي تستضيف القمة. ومنذ بدأت العملية الإسرائيلية العدوانية وبدأ البطش بالفلسطينيين بما في ذلك قيادات من حماس وغيرها من المنظمات, بدأت الآلة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية لقوي التحالف المتطرف في عزف ألحان التخوين وهوان العالم العربي, والصمت في مواجهة صخب الانفجارات. وعزف الجميع معزوفة التهييج والإثارة لرفع درجة غضب الشارعين العربي والإسلامي باستغلال أرقام الشهداء والجرحي, ونشر صور الدمار والقتلي مع التركيز علي الأطفال, كما استغلوا ما قاله هذا المسئول الإسرائيلي عن المحرقة لتحقيق هذا الهدف كمقدمة أو كطريق لتشكيل ضغط علي المسئولين في العالم العربي. وانطلق أعضاء كتيبة إيران وسوريا وحزب الله وحماس بين أهل الكلمة للعمل في خدمة المخططات السورية, فهذا يكتب عن الدماء والضحايا والثاني يطالب بالاعتذار للفلسطينيين, والثالث عن تاريخ الفلسطينيين في المقاومة التي بدأت في القرن التاسع عشر ولم تتوقف حتي الآن, والرابع يري أن معاهدات السلام تكبل أيدي من وقعوها بالبنود السرية التي تضمنتها, والخامس يطالب بتوجه جميع العرب الي ساحة القتال لإنقاذ الفلسطينيين والكرامة العربية, وسادس يتهم الجميع بالخيانة, وهكذا استمرت الآلة في الدوران. وليس هناك شك في رفض الجميع للعمليات الإسرائيلية العدوانية, وليس هناك بين المواطنين بالعالم العربي من يقبل بهذه الوحشية في الفتك بالفلسطينيين, والسؤال المنطقي الوحيد, أين إيران وسوريا ما هذا الذي يحدث؟ وأين قوة إيران العسكرية الهائلة, وأين نبوءتها بزوال إسرائيل قريبا؟ ولا أعتقد أن من حق أحد أن يلوم مصر, فقد قدمت علي امتداد تاريخها, ومازالت تقدم ما لم يقدمه أحد للقضية الفلسطينية.