في أعقاب صدور تقرير الاستخبارات الامريكية الذي ذكر ان ايران كانت قد علقت العمل ببرنامج صنع الاسلحة النووية قبل اربع سنوات، طرأ دفء مفاجئ على علاقات طهران مع جيرانها العرب الذين يرتبطون بعلاقات وثيقة مع الولاياتالمتحدة. فقد سارع اللاعبون ولاسيما الاقليميون منهم للتعامل مع ايران دبلوماسيا وذلك بعد موافقة ضمنية امريكية كما يقول المحللوون إذ ارسلت مصر حليفة امريكا والدولة العربية الوحيدة التي لا تمتلك علاقات دبلوماسية كاملة مع ايران وفدا رفيع المستوى الى طهران لأول مرة منذ وصول ثورة ايران الاسلامية الى السلطة في عام 1979 . كما دعت دولة قطر الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لالقاء كلمة خلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي في وقت سابق من هذا الشهر وهذه هي المرة الأولى ايضا التي يحدث فيها هذا الامر. ثم أعلنت ايران يوم الاربعاء الماضي ان المملكة العربية السعودية دعت الرئيس نجاد للحج في مكةالمكرمة وهي المرة الأولى كذلك التي يتلقى فيها رئيس ايراني مثل هذه الدعوة منذ ثورة 1979 يقول عماد جاد خبير السياسة الاقليمية في مركز الاهرام: لا أعتقد أن قطر دعت نجاد لحضور قمة مجلس التعاون دون تفاهم مع الامريكيين ولا أعتقد ايضا ان مصر كانت سترسل ولو حتى دبلوماسيا واحدا لو لم تتلق ضوءا اخضر من نوع ما. إن كل هذا جزء من استراتيجية معينة واظن انها استراتيجية امريكية ايضا تستهدف استمرار تجميد البرنامج النووي الايراني والعمل لايجاد مناخ ودي اكثر. الحقيقة ان الاستراتيجية التي يجري وضعها الان تتماثل الى حد كبير مع تلك التي شكك الصقور الامريكيون بصحتها قبل غزو العراق التي كانت تعتمد على العقوبات والاتصالات الدبلوماسية المحدودة مع شيء من التهديدات الضعيفة باستخدام القوة. في ذلك الوقت كان مؤيدو الغزو يجادلون بالقول ان صدام حسين كان يطور اسلحة دمار شامل في تحد صارخ لعقوبات الأممالمتحدة وان الاجراءات المناهضة له ليست كافية. والان بعد ان تبين ان صدام لم يكن يمتلك مثل تلك الاسلحة، يقول المحللون السياسيون ان الغزو الامريكي للعراق كان حاسما في دفع ايران لتغيير نهجها فيما يتعلق بتطوير الاسلحة النووية. حول هذا يقول جاد: لقد جاء قرار ايران بتعليق برنامجها في خريف 2003 أي بعد ستة اشهر على الاقل من احتلال العراق اذن المسألة هنا لا تتعلق بالعقوبات بل بالاحتلال. لكن، اذا كان دفء علاقات ايران بجيرانها العرب قد ارتبط بتقرير الاستخبارات الامريكية المذكور إلا ان القلق لم يتبدد بعد. اذ لا تزال الولاياتالمتحدة تدعو لفرض عقوبات اشد على ايران كما وصفت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكيةايران بالدولة الخطيرة، ويؤيدها في ذلك كل من المانيا وفرنسا. ويبدو ان هذه الدول، ومعها ايضا الدول العربية المجاورة لإيران، تشعر بالقلق بسبب عدم وجود فارق كبير بين السعي للحصول على اسلحة نووية والبرنامج النووي المدني السلمي الذي يمكن تحويله بسرعة في اتجاه عسكري. وفي هذا الاطار، قال الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي اخيرا: على الرغم من كل التطورات الاخيرة - يعني تقرير الاستخبارات الامريكية - ثمة حقيقة لا يشك بها احد وهي وجود رغبة قوية لدى الزعماء الايرانيين لامتلاك اسلحة نووية. وتساءل: لماذا يتعين علينا التخلي عن العقوبات اذا كانت هي والحزم قد دفعت ايران للتزحزح عن موقفها؟ بل وحتى بعض الصقور الامريكيين يقولون الآن ان طريق العقوبات هو افضل رهان، من هؤلاء دي÷يد فروم، الكاتب السابق لخطابات الرئيس بوش، الذي يعود اليه الفضل في صياغة عبارة «محور الشر». فقد كتب في صحيفة «ناشنال بوست» الكندية هذا الاسبوع قائلا: ان تقرير الاستخبارات الامريكية الاخيرة بات حقيقة سياسية تجعل من المستحيل سياسيا ان تقوم ادارة بوش بتوجيه ضربة ضد منشآت ايران النووية. لذا يتعين ان يتركز هدف الغرب الآن على دق اسفين بين النظام والشعب بنفس الطريقة التي اتبعتها ادارة الرئيس ريغان لعزل انظمة اوروبا الشرقية الشيوعية المكروهة من الشعب في الثمانينيات. ويقول دبلوماسي غربي يعمل في القاهرة ان تأمين الفرصة للمصلحين الايرانيين للمناورة هو من بين الاسباب التي تدفع مصر والسعودية لتدفئة العلاقات مع ايران، فالغاية من انفتاحهما الآن هي ان تدرك ايران انها ستحقق مكاسب من تعاونها في المسألة النووية دوليا، ومن شأن هذا بالتالي ان يخلق بيئة يصبح فيها احتمال تعرض دعاة الاصلاح الايرانيين لاتهامات من قبيل انهم ادوات في ايدي القوى الاجنبية اقل مما هو عليه الآن. ويُذكر ان وكالة الاخبار الايرانية الرسمية وصفت الاجتماع الذي عقد بين نائب وزير الخارجية المصري حسين ضرار ووزير الخارجية الايراني منوشهر متقي، بالبناء، بل وحث الرئيس نجاد الاطراف المعنية للاسراع في تطبيق العلاقات، وابلغ الصحافيين قائلا: اني جاهز للذهاب الى مصر.