الاهرام 4/12/07 جيل من الاطفال مجهولي النسذب وأولاد الشوارع يتهدد بنشأته المجتمع المصري حاليا من جراء عدم إباحة إجهاض المغتصبة, وهو ما ينادي به البعض في حين يتحفظ البعض, الآخر إزاءه لاسيما بعد ان تبلور في مشروع قانون أمام مجلس الشعب يبيح الاجهاض للمغتصبة, من اجل مناهضة وجود هذا الجيل. لكن الآراء تنقسم حوله بين معارض يري في القانون فرصة أمام أي فتاة لارتكاب الجريمة, اطمئنانا الي ان الفضيحة لن يعلم بها احد, ومؤيدين يؤكدون أن المجتمع سيتطهر بذلك من آثامه, وفي جميع الاحوال يتفق الجميع علي ضرورة تخصيص مراكز طبية لاستقبال هذه الحالات, والقضاء علي آثار الجريمة, ومواجهتها, وليس فقط مواجهة آثارها. عندما تقدم النائب محمد خليل قويطة باقتراح مشروع قانون لتعديل المادة(290) من قانون العقوبات بجواز اجهاض الأنثي المغتصبة التي ثبت علي وجه اليقين انه تم اغتصابها عنوة وكرها, اثار هذا الاقتراح جدلا واسعا وعديدا من التساؤلات عن كيفية وضع ضوابط لهذا الاقتراح وهل تلتزم المغتصبة بالمدة الشرعية قبل نفخ الروح في الجنين, أم يمكنها الاجهاض في اي وقت؟ فضيلة المفتي الاسبق الدكتور نصر فريد واصل كان أفتي عام1998 بالموافقة علي جواز إجهاض المغتصبة خلال ال120 يوما الأولي من الحمل, أي قبل نفخ الروح فيه وأيده كثير من العلماء أخيرا وافق فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر علي استصدار قانون يبيح للمرأة المغتصبة إجراء عملية اجهاض في اي وقت حتي بعد مرور أربعة اشهر علي الحمل أي بعد نفخ الروح فيه. ومما لاشك فيه ان الجنين يشكل عبئا كبيرا علي المغتصبة واهلها ويصيبها بأضرار معنوية بالغة ويحملها عبء نظرة المجتمع لها ولوليدها . خاصة أن هناك20 الف حالة اغتصاب تحدث سنويا وهذا يعني أننا لسنا في حاجة لمزيد من الاطفال مجهولي النسب أو اطفال الشوارع, لكن يثور الجدل حول فكرة اجهاض الجنين خوفا من قتل النفس التي حرم الله تعالي قتلها إلا بالحق, ويزداد الجدل يوما بعد يوم, خاصة ان هناك بعض المحاذير التي يخشي منها اذا تم تعديل القانون. إطلاق قانونية: المستشار طه الشريف نائب رئيس محكمة النقض سابقا يقول: لقد نصت المادة(267) من قانون العقوبات, علي جريمة الاغتصاب, علي أنه من واقع أنثي بغير رضاها يعقاب بالسجن المشدد وعلي ذلك فان الحمل الذي ينتج بسبب جريمة الاغتصاب يكون مصدر عار للحامل وألم نفسي للمولود طيلة حياته, حيث سيعلم انه جاء نتيجة اتصال غير شرعي وأنه يفتقد انتسابه الي أب. غير أن بعض رجال الفقه ذهبوا الي ان إباحة الاجهاض في هذه الحالة, هو في حقيقته عدوان علي حق الجنين في الحياة, ومن ثم لايجيز المشرع الاجهاض مادام قد حدث الحمل, اذ يكون لهذا الجنين الحق في النمو والميلاد الطبيعي ولايجوز للحامل أو المشرع الاعتداء عليه وإباحة اجهاض امه وقد تؤدي إساءة استعمال حق الاباحة الي ان تعلن المرأة التي عاشرت الرجل بمحض إرادتها أنها اغتصبت, وعندما تظهر عليها مظاهر الحمل تقوم باجهاض نفسها وهو ما يعد عدوانا أيضا علي الجنين الذي جاء نتيجة رضاء الطرفين, علما بان محكمة النقض رفضت اباحة اجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره اربعة اشهر حتي ولو كانت الشريعة الاسلامية تبيح ذلك, وقد بررت المحكمة قضاءها بأن المشرع في القانون العقابي حرم الاجهاض, فلا يجوز اعتباره حقا من الحقوق إذا وقع نتيجة جريمة أو غير جريمة. وأضافت أن اباحة الشريعة الإسلامية للإجهاض حتي ولو كان الحمل لايتجاوز أربعة أشهر ليس اصلا ثابتا في أدلة الشريعة المتفق عليها وإنما هو اجتهاد للقضاء انقسم الرأي فيما بينهم, وكذلك قالت في حكم آخر إن الإسقاط( الحمل) يعتبر جنائيا ولو ارتكب قبل أن يتشكل الجنين أو تدب فيه الحركة. وبذلك فإن محكمة النقض قالت إن الإجهاض حق استأثر الشارع برفضه ولم يجعل للشريعة الإسلامية مجالا في تطبيقه, وإن الاحتجاج باستعمال الحق لايكون إلا حيث ينص القانون علي ذلك سواء في ذلك أن يكون الاجهاض بسبب اغتصاب امرأة متزوجة أو غير متزوجة لا للأبناء بلا آباء: يري المستشار طه الشريف أنه من الناحية الاجتماعية والعملية سوف يؤدي حمل السفاح إلي ظهور ابناء ليس لهم آباء, مما يؤدي إلي مشاكل جسيمه وأضرار بالغة بالمجتمع وبالصغير نفسه وكذلك سيكون علامة بارزة أمام الأم التي تم اغتصابها ولا يمكن السعي وراء المغتصب لإقراره ببنوة الصغير, وقد يكون المغتصب أكثر من شخص تناوبوا علي المرأة عند ارتكابهم للجريمة, ومن ثم فإننا نفضل تطبيق احكام الشريعة الإسلامية بأن يسمح للمرأة بالتخلص من الجنين الذي أتي سفاحا إلا أن الأمر يجب أن يؤخذ بحذر شديد وطبقا لظروف تنظيمية بالغة الدقة ومن ثم نهيب بالشرع تعديل النصوص الخاصة بالإجهاض وإجازته في حالات الاغتصاب أيا كانت صورتها ولكن دون حالات الحمل بسبب المعاشرة الجنسية التي تتم بإرادة الطرفين, حتي لاتمتليء الطرقات والشوارع بالصغار الذين لاذنب لهم وهم عالة علي المجتمع وعلي أنفسهم. محاذير كثيرة: تقول الدكتورة فوزية عبد الستار استاذ القانون الجنائي بحقوق القاهرة, ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب سابقا إن مسألة الاجهاض أيا كانت اسبابه يرجع فيها إلي المؤسسة الدينية لنري ما إذا ما كانت الشريعة الاسلامية تجيز الإجهاض في هذه الحالة أولا تقره, فإذا لم تقره لانتناول الموضوع اطلاقا, أما إذا أجازت الشريعة الإسلامية ذلك فلنبدأ البحث القانوني والاثار التي يمكن ان تترتب علي إقرار الإجهاض. وتضيف: في تصوري إذا اجازت الشريعة الإسلامية أن عمل مشروع قانون بإباحة الاجهاض في جرائم الاغتصاب له محاذير كثيرة فإن أول هذه المحاذير أن القانون يواجهه آثار الجريمة ولايواجه الجريمة نفسها فالوضع الأمثل أن يبذل الجهد لمواجهة اسباب هذه الجريمة للقضاء عليها بقدر الإمكان ولانتركها ثم نعالج الاثار. والثاني لابد إذا أجيز الاجهاض في هذه الحالة أن يكون في الأيام الأولي للحمل ولايجوز الاجهاض بعد فترة معينة, لأن إنتظار الفتاة لهذه الفترة يعني أنها قد تقبلت هذه النتيجة. أما ثالث المحاذير فإنه يخشي إذا إطمأنت الفتاة إلي أن الفضيحة لن تنتشر, وأنه سوف يدرأ عنها مخاطر هذه الجريمة أن يكون ذلك سبيلا إلي الاستهانة بالجرم وتضيف د. فوزية عبد الستار أن رابع المحاذر من الممكن جدا أيضا أن تؤدي هذه الطمأنينة التشريعية بإباحة الاجهاض إلي بعض الانحرافات من بعض الفتيات والسير خلف هذا النص التشريعي لترتكب الفاحشة إذا كانت علي إستعداد لذلك وإذا تم الإجهاض تدعي أنها مغتصبة! كما يخشي أن يتخذ هذا التشريع ذريعة لاتساع نطاق جرائم الاجهاض التي تتسع مع الاطباء بحجة أنها جرائم لإنقاذ المغتصبة. وبلاشك فإن وجود جريمة الاغتصاب تؤدي إلي تعدد الاطفال غير الشرعيين ولكن مخاطر إباحتها أشد من أضرارها. وتختتم د. فوزية عبد الستار كلامها قائلة الأمر في حاجة لعلاج أخلاقي وديني, فإذا كانوا في بعض الدول يمنعون الحجاب وهو مظهر أخلاقي فهل نمنع نحن العري وهو مظهر غير أخلاقي وسبب لكثير من الجرائم؟! فلكي نقضي علي هذه الجريمة أو نحد من نطاقها كما كان في الماضي, حيث تقول الاحصائيات أن جريمة الاغتصاب أكثر كثيرا من الماضي حيث كانت في الماضي محدودة لأن المجتمع كانت تشيع فيه القيم الدينية والأخلاقية الي درجة كبيرة, فالوازع الديني ضعيف جدا والأخلاقيات في هبوط مستمر, فالمسألة تحتاج إلي علاج بعيد المدي للمجتمع كله, وإعادة بناء الانسان المصري بحيث يحافظ علي القيم ويعمر قلبه بالإيمان بالله سبحانه وتعالي, حتي يصبح هناك مانع لارتكاب الجريمة من أساسها. الشرع هو الأصل: ويوضح د. محسن العبودي أستاذ ورئيس قسم القانون العام بأكاديمية الشرطة وعضو المجالس القومية المتخصصة أن القانون يستمد صلاحياته من الشرع, فهو الأصل العام له, وقد سمح فضيلة د. محمد سيد طنطاوي إجهاض المغتصبة, ولكنه وضع شرطا مهما وهو أن تكون قد قاومت المغتصب, وأن هذه الجريمة تمت بدون رضائها, فللجريمة ركنان مادي ومعنوي, فالمادي يعتمد في هذه الجريمة علي عدم رضاء الأنثي وأنها كانت معدومة الارادة أو فاقدة القدرة علي المقاومة, أو أن رضاءها كانت نتيجة خديعة أو مكر من الجاني, وقد أخذت قواعد الشريعة الاسلامية في حق المرأة المغتصبة إذا ما حملت سفاحا بمبدأ الاعذار الشرعية وتسمح كذلك بالأحكام الاستثنائية, كما قرر شيخ الأزهر, الحق لهذه المرأة بالاجهاض عندما تتبين إنها حامل سفاحا, فلأنها لاتتحمل وزر تخلصها من ثمرة هذه الجريمة الوحشية, وعندما تجهض فإنها لاتعتبر بأي حال من الأحوال قاتلة للنفس التي حرم الله تعالي قتلها إلا بالحق, ولكن بشرط أن تكون ضحية, هذا يمكن أن تثبته التحقيقات والطب الشرعي الذي سيجد بلاشك أثارا للمقاومة, وهذا يخضع لتقدير القاضي. ويختص مشروع القانون الذي يسمح بإجهاض المغتصبة بالأنثي التي تعرضت للاغتصاب ولايشمل المرأة التي حملت نتيجة زنا برضاها وتحمل سفاحا لأنها لاينطبق عليها هذا العذر الشرعي, وإنما لها أحكام أخري, فالفرق بين جريمة الاغتصاب والزنا هو انعدام الرضائية في الأولي وتوافرها في الثانية وهو مايمكن ان يحسمه الطب الشرعي. كما أن إباحة إستطاعة المغتصبة الاجهاض في أي وقت جاء نتيجة أن بعض النساء لايكتشفن الحمل إلا بعد مرور أربعة أشهر نتيجة بعض الظروف الصحية ولذا يمكنها في هذه الحالة أن تلجأ لعملية الاجهاض, ولكن هذه الامور تحتاج إلي وضع مواد قانونية يستطيع القاضي بمقتضاها أن يطبق بحكم القانون المستهلك والمستوحي من الشريعة الاسلامية حتي يتم الاجهاض بناء علي قواعد شرعية سليمة ويختتم د. محسن العبودي كلامه قائلا إن تعديل القانون في هذا الصدد سوف يكون له إنعكاساته علي معدل عدد الأطفال الذين يولدون سفاحا ليعيشوا في مناخ غير صحي لأنهم ثمرة جرائم الاغتصاب, ويصبحون أطفالا مجهولي النسب وأطفال شوارع ويحملون الدولة مالا تطيق ليصبحوا أيضا نواة وبذرة للاجرام في المستقبل, ونحن في بلد عدد سكانها كبير وتحتاج لأطفال ينتجون من زواج صحيح ينشأون في مناخ سليم حتي يعود بالايجاب علي المجتمع بأكمله. ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر إن إجهاض الجنين من المسائل التي اختلف حولها العلماء, فبعد أن أجمعوا علي أن الجنين اذا مر علي حمله في رحم أمه مائة وعشرون يوما لا يجوز إجهاضه, إختلفوا فيما اذا لم يبلغ عمر الجنين مائة وعشرين يوما, وإتفاقهم علي أنه لا يجوز الاجهاض بعد بلوغ الجنين مائة وعشرين يوما يستند الي حديث ورد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم رواه عبد الله بن مسعود أنه قال: إن أحد كم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة, ثم مثلها علقة ثم مثلها مضغة ثم يأمر الله الملك فينفخ فيه الروح فهذا الحديث يبين أن الروح الانسانية تجيء في الجنين بعد هذه المدة, وهكذا لا يجيز العلماء إجهاض الجنين بعد بلوغه120 يوما إلا اذا تعرضت حياة الأم لخطر الموت لبقاء وجوده في رحمها. ويضيف د. محمد رأفت عثمان, كنت قبل ذلك قد رأيت أن المدة التي يجوز فيها إجهاض المغتصبة يجب ألا تزيد عن أربعة عشر يوما من بداية الاغتصاب, علي تقدير أن الحمل قد حدث لحظة الاغتصاب, وهذه المدة(14 يوما) كان تقديرها استئناسا بما أقرته الحكومة البريطانية في قانون يسمح بنقل نواة البشرية إلي بويضة حيوانية لتخليق أجنة, واشترط القانون لذلك ألا يزيد عمر هذه الاجنة عن14 يوما, ولهذا أري جوازا أن نأخذ بالرأي الذي يراه فريق من فقهاء المالكية وهو جواز الاجهاض قبل أن يمضي علي الجنين أربعون يوما, وعلي كل أمرأة تعرضت لهذا الحادث الأليم أن تبادر فورا إلي الابلاغ عما حدث وأن تنشئ الدولة مراكز طيبة لاستقبال حالات الاغتصاب التي ترد إليها من أقسام الشرطة ومقار النيابة العامة فيجري المركز الطبي الاجراء الطبي اللازم للقضاء علي أثر جريمة الاغتصاب عند المغتصبة, وتتخذ الاجراءات القضائية الأخري المعروفة, فإذا تم ذلك استطعنا أن نقضي علي أثر الاغتصاب قبل أن تمضي مدة يتخلق فيها الجنين. ومن اللازم أن تجري عمليات التحريات والتحقيقات والعلاج الطبي لمسألة الاغتصاب بطريقة سرية لا تفشي للصحف أو لغيرها حفاظا علي سمعة المرأة التي تعرضت لهذه الجريمة النكراء, ولا شك أن سن هذا القانون سيقلل من اللقطاء, في الشوارع لأن المرأة التي تتعرض لحادث الاغتصاب غالبا ما تتخلص من الجنين بعد ولادته اذا كانت رحيمة به! لكل حالة ظروفها: تتفق نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة مع إجهاض المغتصبة لكنها تري أنه لابد أن تنظر كل حالة بحالتها ويتم التعامل حسب ظروفها, فكل امرأة يمكنها حسم موقفها وتحمل مسئوليتها, وهو أمر يحسمه الأطباء, ولو نظرنا لهذا الأمر ليمتد علي استقامته بأن تجهض المرأة المغتصبة في أي وقت فهل يمكن إجهاض المرأة في الشهر السابع أو الثامن وقد أصبح جنينها مكتمل النمو, فكثير من النساء ينجبن أطفالهن مبكرا في هذه الشهور فهل يمكن أن نقتل الطفل بعد ولادته؟ أعتقد انه من الصعب اجهاض المغتصبة في أي وقت من حملها.. ولكن يجب حسم الأمر من البداية والعمل علي إجهاض الجنين قبل أن تدب فيه الروح. المزيد من التحقيقات