البصرة... مدينة الانهار والمسالك المائية الجميلة.. ولوفرة المياه فيها التي تحركها عمليتا المد والجزر التي تجري في شط العرب والتي تمتد من مدخل الخليج العربي حتى ملتقى نهري دجلة والفرات في منطقة القرنة تتنوع الانهار وتختلف الاسماء ولكل نهر من انهارها حكايات يتذكرها ابناء المدينة ويعرفون ما تعطيه تلك الانهار من خيرات للأهالي الذين يحيطون بها او للمدينة كلها. والخندق احد اربعة انهار تخترق جسد المدينة وتحيلها الى بقعة زاهية مليئة بالخصب والدفء والورود تلك الانهار هي: نهر الخورة والعشار والخندق والرباط ولكل من هذه الانهار صفة جمالية متفردة تختلف كثيرا عن الاخر، فالخورة مثلا يدعى نهر الزينة والجمال والمرافئ اما نهر العشار فهو ابو الانهار حتى وصفت البصرة بوجوده وسطها بأنها فينيسيا الشرق وهي البندقية ايضا.. ويأتي الخندق وكذلك الرباط ليكونا نهري الخير والحياة فعلى جانبيهما تنهمر الخيرات على المدينة من كل صوب.. ونهر الخندق الذي يتفرع من شط العرب النهر الام يقسم مدينة العشار ويقتطع جزءها الوسطي وتتكون عليه مناطق سكنية تشغل الجانبين منها منطقة الخندق والتميمية وام الرجاء وعند منبعه انشئت الاسياف (جمع سيف) حيث تجلب السفن الشراعية منتوجات الارض من الرز والحنطة لتوضع في هذه الاسياف وهي شبيهة بعلاوي البيع بالجملة.. حيث تجرى عملية التنقية والتعبئة بالاكياس ومن ثم البيع بأوزان مختلفة، فقد كان كيس الرز والحنطة من زنة (100) كيلو غرام وليس (50) كيلوغراماً كما يحدث الان. وما يجعل نهر الخندق اكثر جمالا هو ان الاهالي قد ابتنوا على جانبيه بيوتا جميلة وقصورا جعلت منظره آخاذاً.. حيث يقال ان النهر قد حُفر في زمن التأسيس الاول اي بعد حفر نهر المعقل والابلة ويقال ان طوله يتجاوز الاربعة فراسخ حيث تبدأ من شط العرب الى منطقة البصرة القديمة وكانت قد اقيمت عليه عدة معابر وجسور صغيرة لكن اشهرها في التاريخ الحديث هو الجسر الاحمر وجسر الخندق اللذان يربطان المدينة باجزائها الاخرى. ولكثرة انهار البصرة وجمالها قال فيها الشعراء اشعارا عذبة منها قول عمران بن داود بن ابي القاسم: عذب اذا ما عب فيه اهل فكأنه في روض حب منهل وكأن دجلة اذ تخطط موجها ملك يعظم ضيفه ويبجل عذبت فما تدري اماء ماؤها عند المذاقة ام رحيق سلسل واذا نظرت الى الابلة خلتها من جنة الفردوس حين يخيل وتقول كتب التاريخ ان النهضة الزراعية في المدينة شجعت على حفر الانهر التي كانت تعد اساس الرقي والتقدم لان البيوت لا تنشأ إلا على ضفاف الانهار وكذلك انشاء البساتين حتى ان اكثر اراضي البصرة كانت تفيض بالانهار وقد نظم الري بعد هذا الاهتمام الكبير بشق الانهار.. لكن انهار البصرة بقيت هي الاجمل والاكثر شهرة.. وربما ان نهر الخندق كان اكثر تلك الانهار حيوية وشهرة لاتصاله بحياة الناس وتجاربهم التي كانت محصورة في بعض شؤونها بالمنتجات الزراعية وأهمها الحنطة والرز اللذان يجمعان في مخازنه الكبيرة المفتوحة والمقامة على جانبي نهر الخندق ولذلك فقد اطلق عليه نهر الخير والمياه الدافئة.ومازالت حيوية نهر الخندق تتدفق لكنها تغيّرت من اسياف الحنطة والرز الى معامل للسفن والزوارق الكبيرة هذه الصناعة التي نمت مؤخرا لتنتج بواخر تمخر عباب البحر تصنعها ايادي العراقيين دون اي تدخل للخبرات الاجنبية وقد اثبتت نجاحها الباهر وهي تحتاج الى رعاية ودعم الدولة لضم هذه الخبرات وتطويرها.. ليعود الخير ويتدفق العطاء من جديد.