الاخبار 2/12/07 فتحت الحكومة حوارا موسعا واثارت جدلا لا يزال ساخنا حول الدعم قالت انه يهدف الي ترشيده وضمان وصوله الي مستحقيه من فقراء مصر دون الاغنياء والقادرين.. وبعيدا عن نوايا الحكومة واهدافها الحقيقية من وراء فتح الحوار وهو أمر مطلوب ومحمود علي اي حال أود ان اشير الي ان الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة لم يعد قائما إلا في حالة الخبز والطاقة تقريبا اضافة الي بعض بنود البطاقة التموينية وذلك لان الارتفاع الجنوني في اسعار السلع الاستراتيجية والخدمات الاساسية ادي الي تبخر الدعم تماما وفعليا بصورة غير مباشرة.. فعندما يصل متوسط سعر كيلو الارز في الاسواق الي ثلاثة جنيهات وترتفع فواتير استهلاك الكهرباء والغاز والمياه والاتصالات واسعار تذاكر المواصلات الي مستويات فلكية غير مسبوقة تبتلع اضعاف ميزانية معظم البيوت المصرية يصبح من الضروري توخي الحرص والتحسب كثيرا لدي الحديث عن الغاء الدعم او حتي ترشيده.. والمهمة الاولي التي يتعين علي الحكومة انجازها قبل الحديث عن الدعم او المساس به هي السيطرة علي انفلات الاسعار وكبح جماح التضخم.. اذ لو تركنا السوق لهوي واطماع وجشع التجار لن يفلح اي دعم نقدي او زيادة في المرتبات في انقاذ المستهلكين من جحيم الاسعار.. والدليل علي ذلك وطبقا لارقام الحكومة ان زيادة الاجور في عام 2004 2005 بلغت نحو 3.2 مليار جنيه اي بنسبة 7.7 % فقط في حين ان معدل ارتفاع الاسعار وصل في المتوسط اكثر من 15 % .. كذلك وعدت الحكومة بأن يكون محدودو الدخل هم الاولي برعايتها إلا انها خفضت دعم السلع التموينية الاساسية من 11.6 مليار جنيه عام 2004 2005 الي 9.7 مليار جنيه!!.. ولا يختلف اثنان علي ان ارتفاع اسعار السلع والخدمات يعني انخفاض الدخل الحقيقي للمواطنين وخاصة محدودي الدخل وهم الغالبية العظمي حاليا.. بل ان بعض الاقتصاديين يقولون 'وحتي اذا كنا لا نشفق علي هؤلاء الغلابة فيجب ان ننظر اليهم باعتبارهم القوة الشرائية الرئيسية في السوق اي ان انخفاض دخلهم يعني انخفاض الطلب وبالتالي تكريس حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد المصري'!! واضافة الي اهمية وحتمية ضبط الاسواق حتي لو تطلب ذلك تحديد اسعار جبرية وفرضها بقوة القانون خلال فترة انتقالية مع احياء دور الجمعيات الاستهلاكية التي كانت صمام امان اجتماعيا واقتصاديا فإنني اري ضرورة مراجعة بنود البطاقة التموينية ليس بهدف تقليصها ولكن لزيادة هذه البنود وتثبيت اسعارها لان الغلاء يحاصر المواطنين ويكدر حياتهم ويسد منافذ الامل في وجوههم، يستوي في ذلك ابناء الطبقة الدنيا او الوسطي.. وتشير الاحصاءات الحكومية الي ان نحو 40 مليون مواطن اي اكثر من نصف السكان يستفيدون من نظام البطاقات التموينية الحالي من خلال حوالي 9.5 مليون بطاقة ما بين خضراء ذات دعم كلي وحمراء بدعم جزئي وذلك يعني انه يمكننا عن طريق هذه البطاقات وبعد تطوير قاعدة البيانات بها الوصول الي مستحقي الدعم الحقيقيين .. ومع توسيع مظلة البطاقات لكل من يستحقونها مستقبلا يمكننا ربط خدمة الدعم بخدمات اخري اساسية مثل الصحة والتعليم ومحو الامية بحيث يكون الدعم مرتبطا بالتنمية الشاملة كما تفعل دول اخري منها المكسيك علي سبيل المثال.. ولكن علينا قبل كل ذلك ان ندرك ان قضية الدعم في مصر مرتبطة بعوامل اخري غير التحكم في زيادة الاسعار والتضخم مثل الانتاج والاكتفاء الذاتي والاستيراد وانخفاض قيمة العملة الوطنية.. فالإعتماد الشديد علي استيراد القمح مثلا يرفع فاتورة الدعم التي تتحملها الدولة وخاصة بالنسبة للخبز لان وارداتنا من القمح تبلغ نحو 73 % من اجمالي الاستهلاك، ومع ارتفاع الاسعار العالمية للقمح بنسبة 110 % سنويا يزداد العبء ويتفاقم علي الدولة والمواطنين وذلك يعني ان زيادة انتاجنا من القمح وكذلك الذرة والحبوب الزيتية واللحوم والمواد الغذائية الاخري ستوفر العملة الصعبة وتقلل فاتورة الدعم وتحرر قراراتنا وارادتنا السياسية!! .. اما اذا استمر تقاعسنا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي وهو هدف ممكن ومتاح لو اتبعنا سياسات زراعية واقتصادية رشيدة فإن مجرد التفكير في ترشيد فاتورة الدعم سيكون ضربا من العبث.. وكل الامل ألا تتورط الحكومة في اتخاذ قرارات متسرعة بشأن الدعم حتي يكتمل هذا الحوار الدائر ويصل الجميع الي صيغة توافقية تضمن وصول الدعم الي مستحقيه لان المواطنين شدوا الاحزمة علي البطون الي آخر مدي ولم يعد في مقدورهم تحمل المزيد من المعاناة. المزيد من اقلام واراء