من المفارقات الغريبة في عالم اليوم أنه بينما تتركز عيون العالم وآذانه علي مدينة أنابوليس بولاية ميريلاند الأمريكية لمتابعة مؤتمر السلام الإقليمي الذي تستضيفه الإدارة الأمريكية علي أمل إطلاق عملية سلام جادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل خاص وخلال مدي زمني محدد تدخل من بابه تلك الإدارة أوسع ابواب التاريخ وتزويل بعضا من الغبار الكثيف العالق علي صورتها بسبب مغامراتها الفاشلة في العراق وأفغانستان. فإن عيون وآذان المواطنين الفلسطينيين أنفسهم مشغولة بأشياء أخري أهمها الوضع الداخلي ولقمة العيش والحصار الخانق الذي يعيشه جانب من هذا الشعب في قطاع غزة. فالمتتبع لحوارات الفلسطينيين في جلساتهم الخاصة سواء بقطاع غزة أو بالضفة الغربية لايكاد يلحظ وجودا للحديث عن أنابوليس وكأنه غير موجود أو غير ذي صلة حسبما يقول الساسة الإسرائيليون واسباب ذلك عديدة وبعضها مشترك بين سكان الضفة وغزة وبعضها يخص كل منطقة علي حدة. ولو بدأنا بالأسباب المشتركة سنجد أن أهمها يتمثل في أن الحوارات التي سبقت المؤتمر وعلي مدي الأشهر الأربعة الماضية منذ أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عن مبادرته لاستضافة مؤتمر سلام إقليمي في الخريف رسخت عند كل الفلسطينيين قناعة بأن المؤتمر سيفشل وبأنه ليس في مصلحتهم بأي شكل من الأشكال والدليل علي ذلك أن الإسرائيليين لم يقدموا خلال المفاوضات التمهيدية أي بادرة جدية لحسن النية. وبغض النظر عن إطلاق سراح عدة مئات من السجناء الفلسطينيين من ذوي الأوزان الخفيفة فإن إسرائيل رفضت كل شيء تقريبا, فلا اتفاق علي إعلان مباديء يؤكد أن القضايا الجوهرية كوضع القدس وحق العودة ستكون محل بحث وبدلا من ذلك فقد تمسك الإسرائيليون بمبادئهم هم ومنها عدم الاعتراف بحق العودة وعدم التفريط في القدس التاريخية القديمة وعدم تفكيك المستوطنات الكبري مثل معاليه أدوميم. وتمثل ثاني الأسباب التي دفعت الفلسطينيين في شطري الوطن إلي صم عيونهم وآذانهم عن أنابولس في عدم اقتناعهم بأنهم في وضع تفاوضي جيد يتيح لهم الحصول علي الحد الأدني من حقوقهم, فقطاع غزة بات منفصلا بشكل فعلي ورسمي عن الضفة منذ عملية الحسم العسكري التي قامت بها حماس في منتصف يونيو الماضي ومن ناحية أخري فإنهم لايرون أن قيادتهم الحالية من القوة بحيث يمكنها صنع التاريخ والوضع نفسه بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي تطاردها المشاكل والفضائح وينتظرها التقرير النهائي للجنة التحقيق في إخفاقات الحرب في لبنان. وبالنسبة لغزة فإن سكانها لا يهمهم لا أنابوليس ولا أي شيء آخر. حيث أدي الحصار وحسم حماس العسكري إلي تمحور اهداف الناس في القضايا الشخصية, فالطلاب والحجاج والعاملون في الخارج منتهي أمالهم فتح المعابر للخروج من سجن غزة الكبير والذي بات الموجود فيه مفقودا والخارج منه مولودا, فهناك شح في كل شيء وجميع سكانه تقريبا من العاطلين رغم أن قطاعا منهم يتلقي رواتبه وبالتالي أصبح مؤتمر انابوليس غير ذي صلة, اللهم إلا إذا أسفر, وفقط, عن إصدار قرار بفتح المعابر. والأخطر من ذلك أن البعض في غزة بات يتمني عودة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع ولا يخفي ذلك في أحاديثه, خاصة بعد الصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس ومانتج عنه من مئات الضحايا, خاصة في صفوف حركة فتح, ويعتقد أن فكرة إعادة توحيد الضفة وغزة باتت من المستحيلات بسبب التباعد الجغرافي وعدم قدرة السلطة الفلسطينية علي إنهاء سيطرة حماس عسكريا وقبل كل ذلك بسبب الرفض الإسرائيلي لهذة الخطوة وعدم استعدادها لإقامة ممر للفلسطينين بين الضفة والقطاع وبالتالي يري هؤلاء ان البديل يجب أن يكون عودة سيطرة إسرائيل علي القطاع لأن ذلك سيؤدي إلي إستئناف الحياة الطبيعية في القطاع من خلال فتح المعابر ولذلك فإن هؤلاء الأشخاص لا يهتمون كثيرا بما يحدث في انابوليس ويعتبرونه غير ذي صلة. وفي المقابل فإن هناك جانبا من سكان غزة يريدون إلحاق القطاع بمصر ليأسهم من نجاح انابوليس اساسا وبشكل محدد في معالجة قضية فتح المعابر بشكل دائم وطبيعي ورفع الحصار. وبالنسبة لسكان الضفة, فالكثير منهم لا يمانع في إلحاقها بالأردن سواء في شكل اتحاد فيدرالي أوكونفيدرالي فمعظمهم معه بالفعل جوازات سفر أردنية ويتمتع بتسهيلات أردنية في التعليم والعلاج والحركة والعمل, كما ان غالبية سكان الأردن من الفلسطينيين وبالتالي فإن دمج الضفة الغربية لنهر الأردن مع الضفة الشرقية وترك غزة لمصيرها ليس أمرا بعيدا عن تفكير الكثير من أبناء الضفة بعدما أعياهم اليأس من قيادتهم وحركاتهم السياسية. وهم لا يتمنون أن تشهد الضفة ما شهده القطاع من صراع مسلح بين الأخوة في فتح وحماس قضي علي الأخضر واليابس ومنح إسرائيل فرصة تاريخية لفرض الحل الذي تريده علي الشعب الفلسطيني. وعلي الجانب الآخر, أي الجانب الشعبي الإسرائيلي, فإن الأمر لا يختلف كثيرا, حيث لا يهتم المواطن الإسرائيلي العادي بمؤتمر أنابوليس بنفس درجة اهتمام السياسيين, خاصة من المشاركين في حكومة اولمرت الائتلافية وأكبر دليل علي ذلك نتائج استطلاع الرأي التي نشرتها صحيفة يديعوت احرونوت يوم الجمعة الماضي وأظهرت ان غالبية الاسرائيليين يؤيدون أنابوليس ولكنهم يشككون في جداوها. حيث اعلن69% من المستطلعين تأييدهم للمؤتمر مقابل27% يعارضونه وفي المقابل اعتبر71% ان الاجتماع لن ينجح في احراز تقدم في عملية السلام.