عندما يبدأ مؤتمر السلام أعماله في انابوليس سيلقي الرئيس الاميركي جورج بوش كلمة الافتتاح ثم يترأس ثلاث جولات دبلوماسية مع القيادات الفلسطينية والاسرائيلية. ومثل هذا الدور الناشط اصبح ملحوظا بالنسبة لرئيس لم يزر اسرائيل وهو في منصبه كما قام برحلة واحدة فقط الى كل من مصر والاردن للترويج لجهود السلام وترك مهمة اعادة اطلاق عملية السلام على عاتق وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس. وقد قامت رايس بثماني رحلات مكوكية، قطعت فيها مسافة 100 الف ميل في الشرق الاوسط في العام الماضي وابلغت كلا من المسؤولين الاسرائيليين والعرب ان اليأس يمكن ان يؤدي الى تعزيز الراديكالية وانه من المحتمل ضياع جيل من الشباب العرب اذا لم يتحقق تقدم في طريق تأسيس دولة فلسطينية. وغالبا ما تكرر كوندوليزا «الفشل ليس البديل». وقد أثمرت جهودها انعقاد هذا اللقاء الذي يستغرق يوما واحدا في انابوليس. لكن المسؤولين العرب يتشككون في ان يؤدي المؤتمر الى اي نتائج لأسباب عديدة، من بينها ان بوش لا يزال يلتزم الصمت نسبيا حيال هذا الموضوع منذ اعلان محادثات السلام هذا الصيف كما اوضح دانييل كوتزر الذي خدم سفيرا لادارة بوش في اسرائيل بين عامي 2001 و2005. وقال «لا تشعر بأنه يستثمر جهوده في ذلك. لا يوجد احد يربط الرئيس بوش بهذه السياسة». وقد تعززت امكانية عقد المؤتمر بعدما وافقت جامعة الدول العربية بما فيها السعودية، وهي لاعب اساسي على ارسال ممثلين على مستوى عال الى انابوليس. اما الان، وعشية المؤتمر، فإن رغبة كوندوليزا رايس في احراز تقدم في الجبهة الفلسطينية الاسرائيلية ربما تمثل اختبارا لشراكتها التي استمرت 7 سنوات مع بوش، في الوقت الذي يراقب فيه العديد في الشرق الاوسط ما اذا كان الرئيس سيثبت ان حماس كوندوليزا رايس يعكس حماسه الخاص. اعلنت كوندوليزا رايس الاسبوع الماضي، ان هدفها هو تحقيق اتفاق سلام بنهاية فترة رئاسة بوش. الا ان الاشخاص الذين تحدثوا الى بوش في الاسابيع الاخيرة قالوا انه اوضح ان لا نية لديه لمحاولة فرض تسوية سلمية على الاطراف. فقد منحت المعركة ضد الارهاب الرئيس الاميركي الشعور بوجود علاقة قرابة مع اسرائيل، بسبب حاجتها الى الامن، ويبقى متشككا، من توصل الفلسطينيين في النهاية للحل الوسط الضروري لاتفاقية سلام. وتجدر الاشارة الى ان المحادثات الاسرائيلية الفلسطينية هي اول مفاوضات مهمة بين الطرفين منذ سبع سنوات، أي منذ انهيار المحادثات التي جرت في الايام الاخيرة من ادارة كلينتون وكان بوش يزدري سياسة الضغط التي كان يمارسها الرئيس السابق بيل كلينتون ورفض لقاء ياسر عرفات، مصرا على اختيار الفلسطينيين لممثلين ليس لهم علاقة بالإرهاب. وعلى الرغم من ان بوش اصبح اول رئيس اميركي يدعو علنا لإقامة دولة فلسطينية فقد ركز على أولويات اخرى في الشرق الاوسط، لاسيما الحرب في العراق ويشعر المسؤولون في الادارة بغضب من احتمال ابتعاد الولاياتالمتحدة عن الموضوع خلال فترة حكم بوش وقالوا ان الظروف لم تكن مناسبة لمبادرة سلام الا في الاونة الاخيرة. وقال ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في ادارة بوش، في لقاء صحافي «ان القول اننا اتخذنا موقفا سلبيا ولم نطلق دبلوماسية لمدة 6 سنوات ونصف السنة كلام فارغ». بينما ذكر فيليب زليكو الذي كان مستشارا لرايس خلال اول عامين لها في منصبها ان «رايس لا تتصرف من تلقاء نفسها. عندما تتخذ خطوة فإنها تتخذها والرئيس يدعمها»، ولكن زليكو اعترف بان صورة مشاركة الرئيس مهمة. وقال «هذا قلق مشروع، وعلى الادارة مواجهته». وعندما طلب بوش من كوندوليزا تولي منصب وزيرة الخارجية بعد انتخابات 2004، خلال لقاء في عطلة الاسبوع في كامب ديفيد، سألته حول قضية واحدة: هل هو على استعداد لتأييد قيام دولة فلسطينية؟ اجاب بالإيجاب، وهو ما كان امرا مهما لها، نقلا عن اشخاص مقربين. وقالت كوندوليزا للصحافيين في الاسبوع الماضي «لم اكن سأقوم بهذا العمل ما لم يكن ملتزما بالامر. انا وزيرة خارجيته». والجدير بالذكر ان الحملة للتفاوض على تسوية نهائية قبل انشاء المؤسسات السياسية والامنية يعتبر نقلة مهمة في الادارة. كما انها تعتبر انتصارا لكوندوليزا التي قالت طوال العام الماضي انها تريد اعطاء الفلسطينيين «افقا سياسيا» رؤية لاطار الدولة الفلسطينية. وخلال فترة حكم بوش الاولى، عندما كانت كوندوليزا رايس مستشارة الامن القومي، لعبت دورا سريا باعتبارها «القناة الخلفية» لاتصالات البيت الابيض مع رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك ارييل شارون، وكانت كثيرا ما تتعدى صلاحيات وزارة الخارجية، بل انها ساعدت الاسرائيليين على وضع مسودة خطة شارون لسحب المستوطنين من قطاع غزة. وقال فلينت ليفرت مساعد كوندوليزا رايس السابق لشؤون الشرق الاوسط انها ارادت ان تكون جريئة في مساعدة الجانب الفلسطيني، لكنها اخفقت بسبب معارضة نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع انذاك دونالد رامسفيلد وغيرهما من المحافظين. وفي الواقع ذكر ليفرت انه والمسؤولين في وزارة الخارجية ضغطوا من اجل فكرة «الافق السياسي» في عام 2002. وقال «كان لديها هذا البديل امامها منذ الجزء الاول من عام 2002». وفي العالم العربي يعتبر الرئيس بوش مواليا متحمسا لإسرائيل. وفي عام 2004، وفي اطار تسهيل انسحاب اسرائيل من غزة، بعث بوش لشارون رسائل تقدم تنازلات في نقاط مهمة حول المستوطنات واللاجئين الفلسطينيين للاسرائيليين، بدون تنازلات مماثلة للفلسطينيين. ويذكر ليفرت ان بوش صرح عام 2002 ان القيادة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطيا ستركز على تأمين الخدمات لمواطنيها وستكون بالتالي «قيادة أقل توترا» بالنسبة لقضايا مثل القدس والحدود. وقال ليفرت الذي اصبح ناقد حادا لسياسة بوش، انه صدم من تعليقات بوش انذاك. وقال «كانت واحدة من اكثر التصريحات جهلا يمكن لأي شخص قولها بخصوص النزاع الاسرائيلي الفلسطيني». الا ان المسؤولين في الادارة يعتقدون ان علاقة بوش القوية مع اسرائيل ستعود بالفائدة عندما تبدأ المفاوضات. وقال مسؤول كبير في الادارة، تحدث شريط عدم الكشف عن هويته، ان اسرائيل «تثق في هذا الرئيس، ولا تعرف من سيأتي بعده. واذا كانت ستقوم بما يتطلب بعض المجازفة فلا بد من القيام بها مع هذا الرجل في البيت الابيض».