تابعت -كما غيري من المراقبين- باهتمام بالغ نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية التي أشارت إلى فوز المشير عبدالفتاح السيسي رئيساً خامساً لمصر. اللافت في عمليات الفرز لنتيجة الانتخابات أن المرشح المنافس حمدين الصباحي جاء بعد السيسي بفارق كبير مع أنه يتمتع بجماهيرية كبيرة بين المصريين اكتسبها من عمله السياسي منذ السبعينيات ومن تجربة الانتخابات الرئاسية لعام 2012 والتي جاء فيها في المرتبة الثالثة. لكن ما تشير إليه نتائج الانتخابات الأخيرة أن المصريين ليسوا بحاجة إلى رئيس بقدر حاجتهم إلى قائد يعيد للشعب ثقته بدولته وبقدراتها الاستراتيجية في الإقليم على منوال رؤية المفكر المصري جمال حمدان في كتابه «شخصية مصر». النتيجة انتقدت من الكثيرين (لضعف الإقبال في الانتخابات)، لكن فارق النتيجة بين المرشحين عاد بنا إلى ذكريات قدرة شخصيات معينة صاحبة «كاريزما» في استقطاب الناس حولها ولعب دور الملهم لهم؛ نلسون مانديلا، أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا. كما أن الحديث اليومي للمصريين (وهو ما يمكن الإشارة إليه بأنه استطلاع للرأي) حول المرشحين يوضح رغبتهم في أن يكون السيسي رئيساً لبلادهم. فهو تؤيده أغلب مكونات الشعب المصري، الشباب والنساء والأقباط والمسلمون المعتدلون والبدو. المسألة لو نظرنا إليها كتعبير عن عاطفة شعبية تميل لشخصية السيسي الذي أعاد للمصريين الأمل، فإنه يمكننا اعتبارها تعبيراً حقيقياً عما يعرف ب«العاطفة العقلانية». أعتقد في هذا الموقف أنه لا يمكن انتقاد العاطفة المصرية أو السخرية منها ولا حتى العاطفة العربية التي تفاعلت مع المصريين، وتمثل بعضها بأغنيات، لأن الجميع تقريباً يعيش «أزمة البحث عن قائد». وللعلم فإن هذه الأزمة تعيشها كل دول العالم تقريباً بل إن هناك دولا تعمل على إيجاد مؤسسات سياسية لصناعة القادة الملهمين وأصحاب المواقف الجريئة في اتخاذ القرارات. ومن غرائب الأشياء أنه حتى قبل ما يسمى «الربيع العربي» أو الفوضى السياسية العربية، كانت الشعوب العربية تختار زعماءها من خارج الإقليم، مثل طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، لأنه وقف في وجه إسرائيل من خلال قضية «سفينة مرمرة». وأحمدي نجاد؛ الرئيس الإيراني السابق صاحب القنبلة النووية الإيرانية. وحسن نصر الله؛ زعيم «حزب الله» اللبناني مفجر الاستقرار في لبنان والمنطقة. ينبغي أن تستوقفنا تلك النتائج لأنها تشير إلى الرغبة المصرية والعربية في فوز السيسي لعلاقته بمحاولة وضع حد لما يحدث في العالم العربي من فوضى سياسية وأمنية تجدها مخططاً لها دون أن يكون للعرب القدرة على التعامل معها. فالمصريون يتوقون عودة بلادهم لدورها داخلياً وإقليمياً ويعتقدون أن السيسي يمكنه فعل ذلك. كما علينا أن نعمل على دراسة لهفة المصريين والعرب لاختيار شخصية لا تحمل برنامجاً سياسياً ولا شعارات سياسية أو دينية. شافيز رئيس فنزويلا السابق كان أحد الذين أُعجب بهم الإنسان العربي بسبب شعاراته المناهضة للغرب. ما أريد قوله هنا أنه لابد من التوقف عند النتائج ولو من باب الفضول لدراسة الأسباب التي تقف وراء هذا الفارق بين المرشحين. ولا ينبغي أن نستسهل التبرير باعتبار أنه الشخصية التي يمكن أن تقضي على «الإخوان» فقط، مع أن هذا السبب مهم. وظهرت أهمية ذلك من خلال ردة فعل خطيب الجمعة في طهران أحمد خاتمي الذي تملكه الرعب من فوز السيسي ودعا الإيرانيين للسير بخطى المصريين. مصر - كغيرها من الدول العربية- بحاجة إلى شخصية بصفات «قائد جديد»؛ على غرار القادة المؤسسين القدامي الذين بنوا الدول العربية مثل جمال عبدالناصر والشيخ زايد بن سلطان، أو على وزن شارل ديجول القائد الفرنسي، أو أيزنهاور رئيس الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. لذا ليس غريباً أن يطرح بعض المصريين أنهم سيبنون مع السيسي جمهوريتهم الثالثة. كما أن المرحلة التي تمر بها مصر والدول العربية تتطلب أن يكون هذا القائد متحمساً لإعادة بناء الدولة بعدما فضل «الإخوان» الجماعة أو الحزب على الدولة فنشروا الفوضى فيها. لو سألت المصريين عن مواصفات رئيسهم القادم سيقولون لك: زعيم، جريء، يتخذ قرارات شجاعة وصعبة، وربما وجدوا في السيسي هذا! وتاريخياً لعبت المؤسسة العسكرية في مصر وغيرها من دول العالم «مصدراً» لظهور قادة يتحملون مسؤولياتهم الوطنية في إعادة بنائها، مثل عبدالناصر والسادات ومبارك في الفترات الأولى من رئاسته. كما لعب العسكريون في تركيا دور «رمانة الميزان» للحفاظ على مبادئ الدولة، وفي فرنسا تمت إعادة انتخاب ديجول لدوره في تحرير البلاد من النازيين ولكونه شخصية «ملهمة». وفي دول أميركا اللاتينية استطاع بينوشيه إنعاش الاقتصاد في بلاده. وهذه المرحلة مهمة لمصر والعرب وتحتاج إلى قائد وليس رئيسا. المواطن العربي عانى من غياب القائد الذي يمكن أن يلتف حوله الناس، وهذا أدى إلى البحث عن تنظيمات دينية مثل «الإخوان المسلمين»، أو إلى اختيار قيادات من دول الجوار تملأ ذلك الفراغ. أما اليوم وبعدما تحركت قيادات عربية شابة ممثلة في سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومعه شخصية قيادية مثل عبدالفتاح السيسي، وكذلك الأمير سلمان بن عبدالعزيز؛ ولي العهد في السعودي، فإن الشعوب العربية بدأت تجد لها حاجتها. ولا شك أن الأغلبية من الشعوب العربية تجد أن لهذه القيادات «رؤيتها الواقعية» والوطنية، وأن مسألة التوهان في ظل وجودها لم تعد موجودة، وأن مسألة التعلق بأي شخصية تخاطب العاطفة أصبح من الماضي. الشعب المصري يتطلع من السيسي إلى أن يحمل همهم الوطني وأن يستشعر حاجاته، وأن يعبر عن حقوقه والعمل على تحقيق أهدافه. لذا؛ فالاختيار الحالي للمصريين أبعد من السيسي نفسه وأبعد من رئيس دولة: هو البحث عن الذات المصرية داخلياً وخارجياً. نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط