بعد ثلاث سنوات من الغياب يمكن ان نقول الآن ان هيبة الدولة المصرية قد عادت إلى مسارها وأصبحت قادرة ان تحمي شعبا وتنقذ أمة من الفوضى والفتن والمصير المجهول.. عادت الدولة المصرية بجيشها وشرطتها وشعبها بمختلف التيارات فيه تضع أقدامها ولأول مرة على طريق آمن نحو بناء المستقبل. كان موقف الجيش المصري في استفتاء الدستور سلوكا راقيا ورفيعا في التعامل والانضباط والتوحد مع الشعب.. وكانت الشرطة المصرية غاية في الالتزام والحرص على أداء المسئولية بأفضل الوسائل والأساليب.. وكان الشعب المصري في احسن حالاته ولاء وانتماء وعاد إلى صورته الأصيلة في الترابط والتكاتف وتحمل المسئولية.. كانت المرأة المصرية رائعة في حضورها شامخة في تضحياتها.. وخرج رموز الأجيال القديمة يعيدون صورة الولاء الجميل والحب الصادق وانتشر شباب مصر في اللجان وهم يحلمون بغد جميل يعيد لهذا الوطن دوره ومكانته وحرصه على كرامة ابنائه.. توقفت كثيرا امام الاستفتاء حول الدستور وانا ارى مصر تلملم جراحها وتحضن شهداءها وتقدم للعالم للمرة الثالثة في اقل من ثلاثة اعوام صورة إنسان متحضر وشعب راق وامة تستحق ان تأخذ مكانتها بين الشعوب. سوف يتحدث الكثيرون عن الاستفتاء والدستور وهذه الملحمة الرائعة التي توحد فيها جيش مصر وامنه مع الشعب في لحظة تاريخية لم تكن مجرد تصويت على وثيقة ولكنها كانت وقفة نودع فيها زمنا ونستقبل زمنا آخر. ان المطلوب الآن منا كشعب وحكومة ان نتجه بأبصارنا إلى المستقبل وليس معنى ذلك ان نطوي حسابات الماضي لأننا لن نفعل ذلك ولا نستطيع فهناك قضايا وجرائم في حق هذا الشعب لا يمكن ان تسقط بالتقادم.. امامنا الآن مستقبل يجب ان نرسم ملامحه وتفاصيله وماذا نحن فاعلون فيه. كنت ومازلت ضد مقولة تدعي ان مصر دولة فقيرة وكنت اتعجب من هؤلاء الذين يتحدثون عن فقر مصر وكنت اعتقد ان الأولى بالحديث ان نذكر ثراء مصر وليس فقرها ان الفقر الذي نعاني منه ظاهرة مرضية وجريمة ارتكبها البعض في حق هذا الوطن, والمطلوب الآن عملية تطهير شاملة لإزالة الشوائب والمستنقعات وتلال القمامة التي تراكمت في النفوس زمنا طويلا.. من يقول ان مصر دولة فقيرة سوف اضع امامه بعض ما فيها من مصادر الثروة, ولعل الدولة المصرية الجديدة ان تضع هذه المصادر في قائمة اهتماماتها وهي تبحث عن خلاص لهذا الشعب.. امامي مجموعة مشروعات جاهزة ولن تحتاج إلى جهد او وقت لأنها واضحة المعالم ولعلي لا أضيف جديدا وانا اتحدث عنها. من يقول ان مصر دولة فقيرة وامامنا مشروع مثل قناة السويس سواء قيمتها التاريخية والاقتصادية وموقعها الدولي او مستقبل التنمية الذي بدأ الحديث عنه وقررت الدولة ملياري جنيه للدراسات والأبحاث والشركات والمؤسسات الدولية التي ستضع تصورا لهذا المشروع.. ان قناة السويس وحدها دولة بكل امكانياتها, وقد استعرضت هذا المشروع في مقال سابق ولدى المسئولين في الدولة الآن تصور كامل عن هذه المعجزة الاقتصادية التي يمكن ان تحقق للمصريين إذا صدقت النوايا دخلا لم يتحقق لهم في يوم من الأيام. امامنا مشروع تنمية سيناء وكل وثائق هذا المشروع لدى الحكومة ابتداء باستصلاح 500 الف فدان على مياه ترعة السلام وانتهاء بإنشاء 4000 قرية نموذجية تستوعب ثلاثة ملايين مواطن وبعد ان حسم الجيش المصري معركته مع الإرهاب اصبح من الضروري ان تبدأ رحلة البناء في سيناء. امامنا مساحات مذهلة من الأراضي الخالية التي سكنتها الألغام في العلمين وكان ومازال من حقنا ان نطالب دول الحلفاء والمحور بتطهير هذه الأراضي التي حرمتنا الألغام من زراعتها واستثمارها وامام حكومات لم تدرك مسئوليتها بقيت هذه الخرائب تهدد حياة المصريين وحرمتهم من 500 الف فدان قابلة للزراعة.. و3.5 مليون فدان للرعي وكميات مهولة من البترول والغاز والثروات الطبيعية.. ان دول اوروبا التي غرست هذه الألغام في بلادنا مطالبة اولا بتقديم خرائط عنها.. وتقديم الدعم الفني لإزالتها.. وتمويل عمليات تطهير هذه المساحات الرهيبة من الألغام في الصحراء المصرية.. لا بد من احياء هذا المشروع والبحث في كنوز هذه الصحاري بعد تطهيرها وهذا يحتاج إلى حكومة قوية قادرة على فرض مطالبها العادلة على الدول والحكومات التي زرعت هذه الألغام. امامنا مشروع توشكى وقد انفقت عليه الدولة حتى الآن اكثر من 6 مليارات جنيه ويكفي ان محطة رفع المياه وحدها تكلفت 1.5 مليار جنيه وكان ينبغي حسب دراسات المشروع ان تتم زراعة 500 الف فدان بصفة مبدئية ولا احد يعلم الآن شيئا عن هذا المشروع وماذا يجري فيه وهل هي مليارات ألقيناها في الصحراء ولم نعد نعرف عنها شيئا ام هو الارتجال الذي اضاع ثروات هذا الشعب وبدد موارده ولماذا لم نستكمل مشروع توشكى رغم المبالغ الرهيبة التي انفقناها عليه. امامنا وفي هذا السياق ايضا مشروع تنمية الوادي الجديد وهناك ارتباط وثيق بينه وبين توشكى ومنطقة العلمين ويمكن دراسة العلاقة بين المشروعات الثلاثة وفيها منخفض القطارة وفوسفات ابو طرطور والبترول واسراره الغامضة وقبل هذا كله بحار المياه الجوفية التي اهملناها زمنا طويلا. امامنا بترول وغاز البحر المتوسط الذي سطت عليه إسرائيل في غفلة منا واصبحت الآن تصدر الغاز ولديها فائض كبير وبدأت في مد خطوط الإنتاج والتصدير رغم ان هذا الغاز يقع في مناطق قريبة جدا من المياه الإقليمية المصرية ولكن لا احد يهتم ولا احد يستجيب. هل يعقل بعد هذا كله ان يعيش 90 مليون مصري على مساحة 5% فقط من دولة مساحتها مليون كيلو مربع.. وإلى متى سنظل محشورين في هذه المساحة الضيقة بفقرها وزحامها واتربتها وتلوثها ومشاكلها الإنسانية والاجتماعية.. اين نحن من هذه المشروعات وإذا كانت العلمين توفر 500 الف فدان للزراعة و500 الف اخرى في سيناء و500 الف ثالثة في توشكى و500 الف رابعة في مشروع تنمية قناة السويس فنحن امام مليوني فدان جاهزة للزراعة وهي تغطي كل احتياجات مصر من القمح والمواد الغذائية ولكن من يفكر ومن ينتج ومن يسعى إلى رفاهية هذا الشعب ويهتم بمصيره وحياته. هذه المشروعات بدأت ولم تكتمل في سيناء تركناها حتى سكنتها خفافيش الإرهاب.. وفي قناة السويس اكتفينا بمصافحة العابرين من الجنسيات المختلفة ودولارات هزيلة يدفعونها, وفي العلمين اكتفينا بمقابر جنود المحور والحلفاء وتعازيهم كل عام.. وفي توشكى تركنا المعدات والرافعات ومحطات الكهرباء للشمس الحارقة والبيروقراطية المصرية العريقة.. وإذا اضفنا لذلك كله شواطئ الدولة المصرية وهي تزيد عن 2000 كيلو متر في اجمل فاترينه على اوروبا من البحر المتوسط.. واهم مجرى ملاحي في العالم إلى آسيا وعشرات البحيرات التي تنتشر في أرجاء مصر كلها.. ان بحيرة ناصر وحدها تكفي احتياجات العالم العربي كله من الأسماك ولكن حكومات الفقر تركتها لعدد من رجال الأعمال يعبثون فيها ويأكلون خيراتها.. من يقول ان مصر دولة فقيرة فهو كاذب ومضلل ونحن امام ملايين القطع الأثرية التي تنتشر في كل مكان.. في الأسبوع الماضي كشفت شرطة الآثار عن مخزن واحد في ابوالنمرس فيه 1534 تمثالا واثرا من جميع العصور والألوان هذه ليست دولة فقيرة ولكنها منهوبة ومسروقة. لقد جاء الوقت لكي نفكر في اساليب جديدة للعمل والإنتاج وإدارة شئون الدولة يجب ان تسقط مافيا تجارة الأراضي والعقارات التي استنزفت حق الأجيال الجديدة في تراب وطنها.. يجب ان تتخلى الدولة عن دور السمسار في بيع اصول وممتلكات هذا الشعب.. لقد اكل النشاط العقاري موارد الدولة المصرية حين باعت الأراضي ووزعتها على المحاسيب واللصوص.. واستنزفت مدخرات الشعب والطبقات الفقيرة ومواكب العاملين في الخارج حين اصبح حلم الإنسان المصري ان يحصل على بيت يأويه او قبر يدفن فيه وتركت مافيا الأراضي تتاجر وتجمع البلايين من ثروات هذا الشعب.. لقد كان بيع اصول الدولة المصرية بمصانعها واراضيها وشركاتها ومؤسساتها اكبر جريمة في حق هذا الشعب ويجب ان يسترد الشعب ممتلكاته ولو بعد حين. يجب ان يعود الإنسان المصري عاملا ومنتجا وان نتوقف تماما عن سياسة القروض والاستدانة التي وصلت الآن إلى ارقام مخيفة تجاوزت ترليون ونصف ترليون جنيه واصبح كل طفل مصري مولود مدينا بأكثر من 15 الف جنيه وهو لم يفطم بعد.. يجب ان نعيد النظر في سياسات الصحة والتعليم والتدريب والأمية وهروب الخبرات الحقيقية إلى الخارج وان نعيد التواصل مع هذه الخبرات لكي نستفيد منها بعد فترات التجريف والتصحر الإنساني.. كانت ثروة مصر البشرية في يوم من الأيام اهم مصادر قوتها وكانت سلعة رائجة في كل مكان وحين ساد منطق اهل الثقة غابت الخبرات وحين اصبح الوصول إلى المناصب لحملة المباخر والمهرجين اختفت المواهب.. وحين فسد التعليم وتراجعت صحة المواطنين وانتشرت الأمراض الاجتماعية غابت المصداقية وسيطر المهرجون على كل شيء.. نحن الآن امام لحظة فارقة في حياتنا بعد الاستفتاء ليس لأنه وثيقة تاريخية وبرنامج يضع ثوابت لعلاقات جديدة بين مؤسسات الدولة المصرية ولكن لأنه فرصة فريدة لإعادة الثقة بين ابناء هذا المجتمع لكي تبدأ رحلة البناء.. تحية للشعب الذي خرج يوم الاستفتاء لكي يقدم نموذجا في الانتماء والولاء لهذا الوطن. تحية إلى جيش مصر العظيم الذي ساندنا ووقف معنا في هذه المحنة وكان اهلا للمسئولية صدقا وعطاء وتضحية. تحية إلى الشرطة المصرية التي استعادت جسورها مع الشعب وهيبتها في إدارة شئونه.. وقبل هذا كله تحية إلى المرأة المصرية التي تؤكد دائما اصالتها ودورها في بناء هذا الوطن. حين تسترد الدولة هيبتها يمكن الحديث عن المستقبل. ..ويبقى الشعر عودوا إلى مصر ماء النيل يكفينا منذ ارتحلتم وحزن النهر يدمينا أين النخيل التي كانت تظللنا ويرتمي غصنها شوقا ويسقينا؟ أين الطيور التي كانت تعانقنا وينتشي صوتها عشقا ويشجينا؟ أين الربوع التي ضمت مواجعنا وأرقت عينها سهدا لتحمينا؟ أين المياه التي كانت تسامرنا كالخمر تسري فتشجينا أغانينا؟ أين المواويل؟.. كم كانت تشاطرنا حزن الليالي وفي دفء تواسينا أين الزمان الذي عشناه أغنية فعانق الدهر في ود أمانينا هل هانت الأرض أم هانت عزائمنا أم أصبح الحلم أكفانا تغطينا جئنا لليلي.. وقلنا إن في يدها سر الحياة فدست سمها فينا في حضن ليلي رأينا الموت يسكننا ما أتعس العمر.. كيف الموت يحيينا كل الجراح التي أدمت جوانحنا ومزقت شملنا كانت بأيدينا عودوا إلي مصر فالطوفان يتبعكم وصرخة الغدر نار في مآقينا منذ اتجهنا إلي الدولار نعبده ضاقت بنا الأرض واسودت ليالينا لن ينبت النفط أشجارا تظللنا ولن تصير حقول القار.. ياسمينا عودوا إلي مصر فالدولار ضيعنا إن شاء يضحكنا.. إن شاء يبكينا في رحلة العمر بعض النار يحرقنا وبعضها في ظلام العمر يهدينا يوما بنيتم من الأمجاد معجزة فكيف صار الزمان الخصب..عنينا؟ في موكب المجد ماضينا يطاردنا مهما نجافيه يأبي أن يجافينا ركب الليالي مضي منا بلا عدد لم يبق منه سوي وهم يمنينا عار علينا إذا كانت سواعدنا قد مسها اليأس فلنقطع أيادينا يا عاشق الأرض كيف النيل تهجره؟ لا شيء والله غير النيل يغنينا.. أعطاك عمرا جميلا عشت تذكره حتي أتي النفط بالدولار يغرينا عودوا إلي مصر..غوصوا في شواطئها فالنيل أولي بنا نعطيه.. يعطينا فكسرة الخبز بالإخلاص تشبعنا وقطرة الماء بالإيمان تروينا عودوا إلي النيل عودوا كي نطهره إن نقتسم خبزه بالعدل.. يكفينا عودوا إلي مصر صدر الأم يعرفنا مهما هجرناه.. في شوق يلاقينا "قصيدة عودوا إلى مصر سنة 1997" نقلا عن جريدة الأهرام