إعداد: عبدالرحمن عثمان، سميحة عبدالحليم تنفس العالم الأحد الصعداء مع توقيع الاتفاق المرحلى بين ايران والقوى الكبرى حول برنامج إيران النووي . وهو الإتفاق الذي جاء بعد سنوات من الشد والجذب بين الطرفين ..والتهديد والوعيد لإيران من امريكا وإسرائيل. فإيران تصر على أن برنامجها سلمي ومن حقها الإستمرار فيه. بينما تقول أمريكا وحلفاؤها الغربيون أن لهذا البرنامج توجهات عسكرية وتؤيد إسرائيل هذا الراي وبين الحين والآخر تشيع أن إيران تقترب من صنع القنبلة النووية، وان إسرائيل لن تسكت وسوف تدمر قدرات إيران النووية قبل أن تصل لمرحلة صنع القنبلة النووية. وبين شد الطرفان وجذبهما يعيش العالم لحظات بل سنوات من التوتر وإنتظار المجهول ... سواء كان قنبلة نووية إيرانية أو حرب مدمرة تشنها إسرائيل وأمريكا على إيران وفي الغالب لن يسلم العالم منها أو من شظاياها. وكانت الدول العظمى الست فرضت عقوبات اقتصادية للضغط على ايران لكي توقف برنامجها النووي الذي تشتبه واشنطن وحلفاؤها بانه يخفي شقا عسكريا رغم نفي طهران المتكرر لذلك. حيث اتفاق / الاحد يخفف بعض هذه العقوبات مقابل قيام ايران بخفض انشطة برنامجها النووي وفتحه امام عمليات تفتيش دولية اوسع لمدة ستة اشهر، وفي الوقت نفسه يجري التفاوض على "حل كامل". ولا يشير النص الى "حق" محتمل لايران في تخصيب اليورانيوم، الا ان ايران اعتبرته تأكيدا "للاعتراف" ببرنامجها للتخصيب، في حين ان البيت الابيض اعتبر ان الاتفاق "لا يعترف بحق التخصيب". جاء إتفاق "جنيف المرحلي بين إيران والقوى الكبرى وسط هذه الحالة لينزل على العالم كالماء البارد الملطف وسط أجواء الصحراء شديدة القيظ. نص الاتفاق المرحلى بين ايران والقوى الكبرى وقد نشر موقع وزارة الخارجية الروسية نص الاتفاق الانتقالي الذي ابرم الاحد بين طهران ومجموعة القوى العظمى (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى جانب المانيا) حول البرنامج النووي الايراني ويتضمن الاتفاق "مرحلة اولى من ستة اشهر قابلة للتجديد باتفاق مشترك". وينص على ان ايران "ستتخذ الاجراءات التالية بشكل طوعي" للحد من التخصيب وهي : - "حول مخزون اليورانيوم الموجود حاليا والمخصب بنسبة 20%، تحتفظ ايران بنصفه على شكل اوكسيد يورانيوم لصنع الوقود الخاص بمفاعل البحث المدني الايراني. اما النصف الثاني فتتم معالجته ليصبح تخصيبه اقل من 5%". - "تعلن ايران انها لن تخصب اليورانيوم الى ما فوق 5% خلال ستة اشهر". - "تعلن ايران بانها لن تواصل نشاطاتها في مصنع نطنز وفوردو ومفاعل اراك" (الذي يعمل بالماء الثقيل). - "لن تكون هناك مواقع تخصيب جديدة". - "لن يكون هناك بناء لمنشآت قادرة على المعالجة". - "رقابة مشددة": "على ايران ان تسلم معلومات مفصلة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتضمن تصاميم المنشآت النووية ووصفا لكل مبنى في كل موقع نووي". "يستفيد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية من حق الدخول بشكل يومي، ومن دون اعلان مسبق الى موقعي فوردو ونطنز". "تقدم ايران معلومات يتم تحديثها عن عمل مفاعل اراك". بالمقابل تلتزم الدول العظمى الست بتخفيف العقوبات على الشكل التالي: - "تعليق الجهود لفرض مزيد من الخفض على مبيعات ايران من النفط الخام ما يتيح للزبائن الحاليين لايران مواصلة شرائه بالمعدلات نفسها". - "تعليق عقوبات الولاياتالمتحدة حول صناعة السيارات في ايران وحول الخدمات المرتبطة بها". - "لا عقوبات جديدة من مجلس الامن مرتبطة بالنووي". - "لا عقوبات جديدة من الاتحاد الاوروبي مرتبطة بالنووي". - "تمتنع الادارة الاميركية عن اتخاذ عقوبات جديدة مرتبطة بالنووي". - "اقامة نظام تمويل يتيح التجارة الانسانية لتلبية حاجات ايران". - "تعليق عقوبات الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة حول الذهب والمعادن الثمينة والخدمات المرتبطة بهما، وحول الصادرات البتروكيميائية الايرانية والخدمات المرتبطة بها". وحسب البيت الابيض فان هذا التخفيف للعقوبات "المحدود والموقت والهادف والذي يمكن ان يلغى" يوازي نحو سبعة مليارات دولار. بالمقابل فان غالبية العقوبات الاميركية التجارية والمالية تبقى قائمة خلال الاشهر الستة، مثلها مثل العقوبات التي يفرضها مجلس الامن. ترحيب عربي وتنديد إسرائيلي: رحبت مصر والإمارات العربية المتحدة يوم الأحد باتفاق إيران مع القوى العالمية الست للحد من أنشطة برنامج طهران النووي ولحقتها الكويت وقطر في اليوم التالي، في حين لم يصدر رد فعل عن دول خليجية أخرى مازالت تشعر بعدم الارتياح تجاه محاولات إنهاء عزلة ايران الدولية. وسارعت العراقوسوريا صديقتا ايران للإشادة بالاتفاق وكذلك السلطة الفلسطينية التي رحبت به باعتباره يمثل ضغطا على اسرائيل. أما في إسرائيل فقد ندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاتفاق النووي الذي توصلت إليه القوى الكبرى مع إيران ووصفه بانه خطأ تاريخي جعل تصنيع الاسلحة النووية في متناول طهران وقال إن إسرائيل لن تلتزم به. تقارب واشنطنوطهران يغير موازين القوى في الشرق الأوسط ربما يؤدي الاتفاق الدولي المؤقت بخصوص البرنامج النووي الإيراني الى أن يميل ميزان القوى في الشرق الأوسط لصالح إيران بعد عامين من الانتفاضات الشعبية التي أضعفت الدول العربية الكبرى. فالاتفاق الذي أبرم يوم الأحد يفسح المجال أمام تراجع حدة المواجهة بين واشنطنوطهران التي طال أمدها حتى قاربت أمد الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي مما يثير قلق إسرائيل وحكام الدول الخليجية الذين يخشون من هيمنة إقليمية جديدة تؤثر بقوة على مصالحهم. وما من شك في أن الاتفاق على الحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية وليس إلغاء تلك الأنشطة التي يقول الغرب أنها تهدف لصنع قنبلة سيكون له تداعيات تتجاوز مسألة الانتشار النووي في منطقة حيوية ومهمة لإمدادات النفط العالمية. ومن ثم فإن هذا الاتفاق يعني بالنسبة لبعض الدول الخليجية التي تعتبر طهران مصدرا للقلق في المنطقة وكذا بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر طهران تهديدا قاتلا أنهم فشلوا في إثناء واشنطن عن السير في طريق يخشون نهايته في ظل عدم ثقتهم في الجمهورية الإسلامية. ويقول معارضو الاتفاق إن إيران ستزداد ثراء وقوة بتخفيف العقوبات التي خنقت اقتصادها والإلغاء التدريجي لها الأمر الذي يشجع حكامها الإسلاميين على تكثيف دعمهم لحلفائهم الشيعة في الدول العربية. لكن من ناحية أخرى يقول مؤيدو الاتفاق إن التقارب بين قوتين ظلتا على خلاف لفترة طويلة جدا قد يساهم في إعادة الاستقرار إلى منطقة تعاني من الاضطرابات ويحد من الاحتقان الطائفي الذي دفع بالشيعة والسنة الى أتون مواجهات دامية. ويبدو ان انعدام الثقة كان شعورا متبادلا بين الجانبين مثلما كان في الأزمة بين الغرب والاتحاد السوفيتي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فالعلاقات الرسمية مازالت مقطوعة بين الولاياتالمتحدةوإيران منذ عام 1980 بعد أن احتل طلاب إيرانيون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا 52 دبلوماسيا رهينة لمدة 444 يوما احتجاجا على استقبال الولاياتالمتحدة للشاه السابق بعد الإطاحة به في الثورة الإسلامية. وبعد أن تأثرت دول عربية تمثل مراكز قوى تاريخية مثل مصر وسورياوالعراق بسبب الانتفاضات والصراعات الطائفية بدا فتح صفحة جديدة مع إيران مكسبا مغريا للإدارة الأمريكية التي تسعى لتحقيق نجاح في سياستها الخارجية. ووصف رامي خوري من الجامعة الأمريكية في بيروت الاتفاق المؤقت الذي يحد من أنشطة إيران النووية بأنه "أمر جيد للغاية" يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تقارب نظام رجال الدين في إيران مع الدول الخليجية المتحالفة مع الولاياتالمتحدة. وقال خوري "إذا استمرت المفاوضات وحققت نتائج ورفعت العقوبات تدريجيا سينتعش اقتصاد إيران وستنمو حركتها الليبرالية في النهاية وأعتقد أننا سنشهد تقدما اجتماعيا وسياسيا في البلاد بالتدريج." وأضاف "أما على المدى القصير فيشجع ذلك على التعاون بين الولاياتالمتحدةوإيران سعيا وراء التوصل لاتفاق مع سوريا ووقف أعمال العنف الدائرة هناك. ويقول بعض الخبراء إن الدول الخليجية ستحاول أن تضع استراتيجية دبلوماسية وأمنية مع الدول التي تتفق مع موقفها للحد من آثار تصاعد القوة الاقليمية لإيران. من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الاتفاق المؤقت يمثل خطأ تاريخيا نظرا لأن "أخطر نظام في العالم أخذ خطوة مهمة نحو الحصول على أخطر سلاح في العالم." وجدد نتنياهو التهديد الذي وجهته إسرائيل منذ فترة طويلة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران رغم أن أحد أعضاء مجلسه الأمني المصغر اعترف بأن الاتفاق المؤقت قلل من فرص تبني هذا الخيار. لكن هذا الإتفاق وزيادة فرص حل الازمة السورية سياسيا ربما يؤدي لمواجهات إسرائيلية مباشرة بين إسرائيل والقوى الإسلامية الجهادية التي اصبحت لها مراكز قوى رئيسية في الأراضي السورية وعلى مرمى مدافعها وبنادقها. وربما يثير فشل هذه القوى في تحقيق إنتصار في المعركة السورية إلى التوجه بقوتها إلى إسرائيل. ولعل من بين المخاوف الرئيسية التي تساور قادة دول الخليج هو اعتقادهم بأن المسؤولين الإيرانيين المعتدلين الذين تفاوضوا على الاتفاق النووي ليسوا هم المسؤولين المتشددين عما يعتبرونه تدخلا شيعيا في الدول العربية السنية. ومازالت هذه القوى تهيمن على الحرس الثوري وأجهزة المخابرات. وتسوق الدول الخليجية مثالا على ذلك بالدعم الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد الذي يشن حربا منذ عامين ونصف العام على المعارضين الذين ينتمي معظمهم إلى السنة. ودول الخليج من بين الأطراف الداعمة للمعارضين السوريين. وقال مسؤول خليجي كبير مطلع على موقف الحكومة السعودية لرويترز إن موقف المملكة ما زال محكوما بمشاعر "الارتياب" إلى حد بعيد استنادا إلى تدخل إيران في سوريا واليمن والبحرين. وأضاف "أبرمنا الكثير من الاتفاقات معهم وتلقينا منهم وعودا كثيرة في السابق. نأمل الآن أن نرى عملية تصحيح بهذا الاتفاق". وقد يتسبب الكشف عن إجراء عدد من كبار المسؤولين الأمريكيين محادثات ثنائية سرية مع نظرائهم الإيرانيين في الأشهر الأخيرة للإعداد للاتفاق النووي في تأجيج مخاوف الحكام الخليجيين من استعداد واشنطن لإبرام اتفاق مع إيران من وراء ظهورهم. ويعتقد الكثير من الخليجيين أن الضرورات التجارية التي دفعت الولاياتالمتحدة إلى التعاون معهم على مدى عقود تشبه تلك التي تدفعها للتواصل مع طهران. وقال عبد اللطيف الملحم العميد السابق بالبحرية السعودية الذي يعمل حاليا معلقا في إحدى الصحف إن الولاياتالمتحدة يهمها مصالحها وإيران سوق مربحة والإيرانيين يحتاجون إلى إعادة بناء الكثير من البنى التحتية مما قد يدر مليارات الدولارات على شركات النفط الأمريكية والبريطانية. علاوة على ذلك ثار قلق بعض الدول الخليجية من أن يؤدي اعتماد الولاياتالمتحدة المتزايد على نفسها في مجال الطاقة بفضل مخزوناتها المحلية من الغاز الصخري إلى جعل واشنطن أقل التزاما بحماية مضيق هرمز الذي تمر منه 40 بالمئة من صادرات النفط العالمية المنقولة بحرا. وقال سامي الفرج المستشار الأمني لدى مجلس التعاون الخليجي إن الحكومات الخليجية ستعمل الآن على الصعيدين الدبلوماسي والأمني لضمان تمتعها بالحماية الكافية من تجدد أي طموحات إيرانية. وأشار إلى أن إبرام هذا الاتفاق أشعر الخليجيين بالتهميش إذ تجلس إيران على المائدة الرئيسية بينما يترك لهم الفتات. وقال إن الخليج سيحشد دولا أخرى متضررة من هذه الخطوة في حملة دبلوماسية موحدة. وقد يساعد تحسن العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران الأسد في سوريا. حيث يخفف من الدعم الغربي للمعارضة السورية . ويعجل هذا من الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية المشتعلة منذ قرابة الأعوام الثلاثة. ويعتقد بعض المحللين أن حاجة واشنطن إلى حماية إنجاز قد يصبح أحد إنجازاتها الدبلوماسية القليلة في المنطقة ربما تدفعها إلى القيام بكل ما يمكن للحفاظ على تحسن العلاقات مع إيران. وقال شادي حميد من مركز بروكنجز الدوحة للأبحاث "الآن قل احتمال ممارسة الولاياتالمتحدة ضغوطا كبيرة على إيران بخصوص دعمها لنظام الأسد أثناء المفاوضات." وأضاف "من الواضح أن تركيز انتباه الجميع على إيران يوفر غطاء للأسد ليفعل ما يريد إلى حد كبير." وقلل ايميل هوكايم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية من فكرة أن تتعاون إسرائيل والدول الخليجية في تبني أي طريقة ممنهجة ضد إيران. وقال "إنه مجرد التقاء مصالح وليس تحالفا... قد يضغط كل من الجانبين (إسرائيل ودول الخليج) من خلال ارسال رسائل الى الكونجرس لكن لا يمكن لأحد أن يتوقع حدوث تعاون مباشر."